أبو أويس الأمازيغيّ من دراسة الإعلام إلى سوح الجهاد فجنان الرحمن • هداه الله إلى معرفة طريق ...

منذ 2024-09-22
أبو أويس الأمازيغيّ من دراسة الإعلام إلى سوح الجهاد فجنان الرحمن

• هداه الله إلى معرفة طريق الحقّ فاتّبعه ولم يتّبع السّبل.. فأصبح مداوماً على الصّلاة، وأصبح القرآن رفيقه بعدما حفظه، فكان يختمه في رمضان سبع مرّاتٍ على الأقلّ، ثم درس العقيدة حتّى فقهها..

تولّى شؤون البيت، من ضمنها المطبخ وأمور التّنظيف، فتداعيات السّنين تمنع والدته من القيام بالمهمّة، وأخواته قد تزوّجن، فحرص على القيام بخدمة والديه وشقيقه الصّغير بنفسه، فكان بارّاً بهما، ما جعله ينقطع أحياناً حتّى عن لقاء أصحابه وأبناء حيّه، الذين أحبّوه وحرصوا على رفقته وتفقّده، فهو ذو طباعٍ حسنةٍ، وأخلاقٍ حميدةٍ، ومراسٍ سهلٍ، ما جعل له قائمةً طويلةً من الأصدقاء والأحباب..

حينما ظهرت الدّولة الإسلاميّة أحبّها ونصرها على مواقع التّواصل الاجتماعي، فكان يذود ويدافع عنها بشراسة، حتّى أصبح كلّ حلمه الهجرة إليها، وأن يجعله الله أحد جنودها..

إنّه أبو أويس الأمازيغيّ، شابٌ بسيطٌ، تجاوز عقده الثّاني بربيع، دخل الجامعة، بعد حصوله على معدلٍ جيّدٍ في (البكالوريا)، وقُبل في كليّة الإعلام والاتّصال، لكنّ أمراً عظيماً جللاً كان يشغله، جعله ينتفض تاركاً جامعته، ومغادراً دراسة الإعلام وأحلامها، بل وزاد على ذلك ترك والديه وهجر أشقائه وأصحابه، فهو يرى أمته تذبح من الوريد إلى الوريد، وقد تكالب عليها القريب والبعيد، فلا بدّ أنْ يهجر كلّ شأن يؤخّره عن الجهاد، حتّى وإن كان أمّه وأباه، وأخته وأخاه، فركب أمواج الصّعاب، وخاض المنايا، وسعى نحو الحتوف، فما عاد عيشٌ له يطيب، فموتٌ يتخطّفه في عزٍ خيرٌ عنده من حياةٍ يعيشها كالبهائم.

حاول أن يسبق أصحابه في الهجرة والنّفير، لا سيّما أنّ لكلّ واحدٍ ممّن اتفق معهم على الهجرة عقباتٍ وموانع كثيرةً، تماماً مثلما كان هو، لكنّ أبا أويس كانت همّته أعلى، فدفعته ليتخلّى عن كلّ شيءٍ، عدا أمر دينه ونصرته، فاستعدّ للهجرة، وبات جاهزاً للنّفير قبل غيره، رغم الحمل الثّقيل الملقى على عاتقه، لكنّه كان يدرك أنّ من سيتخلى عنهم من أهلٍ وإخوة سيكونون في كفلٍ من الله الذي لا تضيع ودائعه، وأنّ خدمته لدينه يجب ألّا تؤخرها دراسةٌ أو علمٌ دنيويّ أبداً، بل رأى أنّ السّنان يشفي غليله أكثر من الأقلام، وهو يشاهد صغار المسلمين يُدفنون تحت أنقاض بيوتهم التي يهدمها قصف الصّليب وبراميل الموت النّصيريّة والرّافضيّة على رؤوسهم..

كان حلمه وأمنيته أن يدخل دار الخلافة ليجاهد في سبيل الله، وأن يصطفيه الله في أوّل غزوةٍ له فحبّه للشّهادة لا يوصف فسعى لنيلها بجدٍ واجتهاد، وكان يدعو الله أنْ يرزقه إيّاها في صلاته، وفي سجوده، وحين أكله -حسب قول أهله- فكان يردّد بلهجته الجزائريّة: "يا خو شحال مليحة غير تلحق تقتل..."، أي ما أجمل أن تُقتل فور وصولك أرض الجهاد!

لم يكن يطيق الانتظار، فلقد أحبّ لقاء ربّه أشدّ الحبّ، وحينما يمازحه أصحابه عن الزّواج، كان يردّ بغضب:

"نحن مقاتلون، فلِمَ نتزوّج ووراؤنا الحور العين"؟!

كان أبو أويس كلّما رأى إصداراً للدّولة الإسلاميّة صاح بأصحابه غضباً "كلّ النّاس هاجروا إلّا نحن"، فكان يتحسّر ويأسف على حاله وحال أصحابه، وما كان يمنعه إلا المال، الذي كان يسعى للحصول عليه، ليسلك درب الهجرة والنّفير، ففتح الله له فتحاً عجيباً، ورزقه من حيث لا يحتسب، وسخّر له المال والطّريق، فهاجر الشّاب قبل صحبه وأصدقائه، ممّن عاهدهم على النّفير، فيسّر الله له أمر الوصول إلى دولة الإسلام في غضون أيامٍ قليلةٍ، في رحلةٍ لا تعب فيها ولا نصب، لا يعكّر صفوها إلا فراق الأهل والصّحب والخلّان، وما عبارته التي كان يُكثر من ترديدها: "والله إنّ طريقي كانت كرحلة سياحيّة" إلّا دليلٌ على يُسر هذه الرّحلة، لكنّه كان يغبط بقيّة المهاجرين ممّن كانوا يتحدّثون عن تفاصيل هجرتهم المضنية، وصِعاب طريقهم الشّائك، فهو يرى في تلك الصّعاب مزيداً من الأجر، وتقرّباً أكثر إلى ربّ العباد.

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 9
قصة شهيد:
أبو أويس الأمازيغيّ
من دراسة الإعلام إلى سوح الجهاد فجنان الرحمن

أبو أويس الأمازيغيّ من دراسة الإعلام إلى سوح الجهاد فجنان الرحمن

• وما إنْ وصل إلى رحاب الدّولة الإسلاميّة حتى استُقبل في أحد دور الضّيافة، مع بقية المهاجرين بانتظار دخول المعسكرات، وبعد ساعاتٍ فقط تطوّع في إحدى أصعب كتائب الدّولة الإسلاميّة وأشقّها تدريباً، ولا تستقطب إلا النّخبة من المهاجرين والأنصار، فينقطع المنتسبون إليها عن العالم من حولهم، ويتفرّغون لجهادٍ لا ينقطعون عن غزواته حتى يقتلوا، فأعضاؤها انغماسيون واستشهاديون، لكنّ أبا أويس عاد من الكتيبة بعد يومين اثنين فقط، فالفحوصات الطبيّة الخاصّة بالكتيبة أثبتت أنّ في كاحله إصابةً خفيفةً، فرُفض انتسابه إليها، فعاد حزيناً مهموماً إلى دار الضّيافة، وهو الذي كان يُمنّي النّفس أن يكون ممّن يطلّقون الدّنيا بما فيها نصرةً لدين ربّه، لكنّ الطّريق لا يزال ممهّداً أمامه لإكمال مشواره، فالدّولة الإسلاميّة لها جيوشٌ بدل الجيش الواحد، وباب الجهاد مُشرع لا يغلق حتّى قيام السّاعة، وبالفعل فقد دخل أبو أويس المعسكر الشّرعي، ثم أعقبه بالمعسكر العسكريّ، ليتخرج من تلك المعسكرات أسداً يتأهب للانقضاض على فريسته من نصيريّةٍ ورافضةٍ وصحواتٍ وملاحدةٍ..

تعرّض الشّهم أبو أويس إلى وعكة صحيّة جعلته يتأخّر عن رفقة زملاء جهاده لبضعة أيّام، لكنّه آثر الالتحاق بهم، رغم مرضه..

وهو يسير إلى آخر معاركه في هذه الحياة، وقف يودّع بعضاً من رفاقه، ثم ذرف دمعة وداعٍ وغادر، وكأنه يعلم أنّ موعد الفراق قد اقترب، لذا رفض حتّى أخذ دوائه وعلاجه، وحينما سُئل عن السّبب، قال:

وما حاجتي للدّواء في الجنان!!

غادر الشّاب النّبيل، بعدما كتب آخر كلماته، مخاطباً بها أمه، قائلاً:

"أمي حبيبتي: والله مهما وصفت اشتياقي لك، لن تفهمي كم أنا مشتاق لك! ربّما ستلومينني.. ربّما ستوبّخينني.. ربّما ستقولين إنك لم تحببني يوماً، وكيف تحبّني وقد ذهبت وأحرقت بذهابك كبدي!؟.. لكنّي أقول لك يا قرّة عيني إنّني ربّما أجزم أنّه ليس هناك ابن يحبّ أمّه كحبّي لكِ، لكن يا كبدي أجبت داعي الرحمن إلى الجهاد، وإلى نصرة هذا الدين، ولقاؤنا بإذن الله سيكون في جنّة عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين، منح الله فيها الدّرجات العليا للمجاهدين، فلو أجبتك بقعودي وحبسي عن الجهاد لفررت منّي يوم يفرّ المرء من أبيه، وأمّه وأخيه وصاحبته وبنيه، لكن يا فؤادي نفرت أطلب الشّهادة كي أشفع لكم بإذن الله، فدعواتك يا أرحم الأمّهات..

أمي حبيبتي.. الذي أريده منك اليوم أن تفخري وتفرحي وتضحكي لا أن تستحيي وتبكي وتحزني.. فأنا -بإذن الله- لم أخرج إلا في سبيل اللّه، وابتغاء مرضاة الله، وإعلاءً لكلمته.. وسأقول لك أبياتاً لطالما أنشدتها تحت مسامعك وأذرف الدّموع عند سماعها:

أمّاه لا تبكيني، أمّاه لن أعود ** أمّاه ودّعيني لجنّة الخلود
لا تحزني فإنّي عصفورٌ في الجنّات ** قولي للسائل عنّي ولدي حيٌّ ما مات
ولدي يشدو ويغنّي ولدي نبعُ البسمات ** لا أبكيه لكنّي أنتظر الفجر الآت.

أسأل الله أن يربط على قلبك يا أمّي، ويثبت فؤادك، ويرزقك صبراً جميلاً، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون".

ثم خاطب والده وأخاه وأخواته في كلماته الأخيرة تلك، قائلاً لهم:

"إذا قتلت فلا تحزنوا، بل كبّروا، وهلّلوا، وادعوا الله لي بالقبول، وتيقّنوا أنّ لقاءنا إن تقبّل الله عملنا وأحسن خاتمتنا، سيكون في الفردوس الأعلى بإذن الله، مع النّبيين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقاً، وأخيراً أودعكم وأقول لكم: الملتقى الجنة".

غادر أبو أويس ولم يلتفت خلفه، وهو يدخل أول وآخر معاركه التي قاتل فيها حتى قُتل، ولا يزال إخوانه يتذكّرون تلك النّظرة الأخيرة التي رمق بها أصحابه ورفاقه، ممّن بقوا خلفه، والتي ختمها بابتسامة وضحكة، ليقهر بها غصّة وحسرة الفراق ووجعه وليبشّرهم ويغريهم بحسن الختام.

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 9
قصة شهيد:
أبو أويس الأمازيغيّ
من دراسة الإعلام إلى سوح الجهاد فجنان الرحمن

6682761216a48

  • 0
  • 0
  • 14

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً