سر التغيير إن الحمد لله الحمد لله نحمده و نستعينه و ...

منذ 2017-12-01
سر التغيير
إن الحمد لله الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي و من يضلل فلا هادي له و اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده و رسوله صلوات ربي و سلامه عليه ، الحمد لله الذي عز و ارتفع و ذل لعظمته كل شيء و خضع ، اللهم صل و سلم على حامل لواء العز في بني لؤي و صاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي ، صاحب الغرة و التحجيل المذكور في التورات و الإنجيل ، أما بعد معاشر المؤمنين و المؤمنات : إن من سنن الله الجارية و حكمه الباهرة أن النعم لا تتبدل و لا تزول و لا تحول إلا إذا أحدث العباد الفجور و الطغيان ، و بارزوا الله عز و جل بالفسوق و العصيان ، قال الله عز و جل في كتابه : { ذلك لأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ، و إن من سنن الله الماضية و الحاضرة أن السوء و الظلم و فساد المعايش و تكدر الأحوال ، لا يمكن أن يتغير لحاله ، إلا إذا غير الناس أنفسهم ، و اصلحوا فسادهم و طغيانهم و ظلمهم و جورهم ، قال الله عز و جل في كتابه و محكم خطابه :{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } قال العلماء : " إن (ما) الأولى إنما عنى بها الله عز وجل المصائب و عنى بها الكوارث و المدلهمات ، و أما (ما) الثانية فعنى بها الله عز و جل المنكرات و المعاصي بأنواعها " فالله عز وجل لا ينقل العباد من ضيق المعايش و سوء الأحوال إلا إذا غيروا أنفسهم بالتوبة و الندامة و الطاعة و الاستقامة حين ذلك يغير الله عز وجل أحوالهم ، فينقلهم إلى رغد العيش و إلى سعادة الدنيا و إلى سعة معايشها و إلى أمن الأوطان و استقرارها إنه قانون إلاهي ، لا يتغير و لا يحابي أحدا .
فالله عز وجل في الآية الآنفة نسب تغيير الواقع إليه ، ونسب تغيير ما بأنفسنا إلينا رغم أن الأمر في الحالتين إليه ، و رغم أن المكلف في الحالتين هو نحن ، و ذلك لأن الله عز وجل أراد أن ندرك سر التغيير ، إن المنهج السوي للتغيير إنما يمر بإصلاح الأنفس أولا ، ذلك حتى لا نقع في تطرف التواكل ، و لا نقع في تطرف قفز المراحل . إن الناس معاشر المؤمنين في هذه الايام يكثرون الحديث في مجالسهم ، و في ملتقياتهم و أنديتهم عن واقع الامة و المجتمع يبكون على الأطلال و يندبون الحال ن و ينشدون حسن المآل ، خاض المحللون و أطرق السياسيون طرقوا كل باب ، ليحللوا و ليجدوا الاسباب و ليجدوا العلاج ، و لكن كما قال القائل في المثل ( نسمع جعجعة و لا نرى طحينا ) و لهذا سوف يكون حديثي إليكم في هذه الخطبة عن سنة الله عز وجل في تغيير المجتمعات و إصلاح و ذلك في وقفات ، نسأل الله عز وجل التوفيق و السداد .
أما الوقفة الأولي : أين الخلل ؟ ، سؤال يتبادر إلى كل لبيب _ أين هو الخلل؟ _ كثير من الناس إذا ضاقت المعايش ، و إذا تكدرت الأحوال و إذا ساءت الأمور و إذا تفشى الظلم في المجتمعات ، تجده يلقي اللائمة بالحكام تارة ، و بالعلماء تارة اخرى ، و إن كان هؤلاء قد يكونوا سببا في بعض الأحيان ، و لكن هل نظرنا بعين الإنصاف إلى حال المسلمين في مجتمعاتهم اليوم ، كم هو عدد القباب ؟ و الأضرحة و الأولياء التي تدعى من دون الله عز و جل يشد إليها الرحال يطوف بها الناس و يستغيثونها من دون الله الواحد ذي الجلال ، كم هي عدد البدع ؟ في بلاد المسلمين صباحا و مساءا ، كم من فاحشة ؟ كم من فاحشة و كم من حرمة تنتهك في ظلام الليل الدامس ؟ أو في الصبح الزاهر ، كم من المسلمين الذين لا يصلون ؟ لا يقيمون للصلاة رأسا ولا وزنا ، كم من سروح لبنوك الربى ؟ في بلاد المسلمين تحارب الله عز وجل بالمعصية جهارا و نهارا ، كم انتشرت الرشوة في بلاد المسلمين ؟ حتى لا تكاد تجد معاملة إلا و يدخلها شيء من الرشوة انضروا إلى أسواقنا ، و إلى شوارعنا كم انتشر أشباه الرجال من مخانيث الرجال ؟ انضروا معاشر المؤمنين إلى ترجل النساء و تبرجهن ، انضروا معاشر المؤمنين كم انتشرت الغيبة ، و النميمة و البهتان ، و سوء الأخلاق ، و انتشر النفاق و انتشر الغش ، انتشر أكل اموال الناس بالباطل كل سعى في إفساد نفسه و افساد مجتمعه إلا من رحم الله ، ثم بعد ذلك نؤمن و نرجو أن نغير الواقع و أن نعيش عيش السعداء و ان نهزم الأعداء ، كما قال القائل : " ترجوا السلامة و لم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس" ، قانون إلاهي { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } لو طرقوا الف باب و باب فو الله الذي لا إله إلا هو لن يغيروا شيئا حتى يغيروا ما بأنفسهم ، و الواقع خير شاهد على ذلك انضروا إلى بلاد المسلمين يمنة و يسرى ناشد التغيير بكل وسيلة فما أفلحوا لأنهم لم يغيروا ما بأنفسهم ، بقي الفساد على ما كان عليه فزلزل الله عز وجل بنيانهم و هده عليهم ، روى الإمام الحاكم في مستدركه و البيهقي في سننه بإسناد حسن : عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صل الله عليه و سلم في مسجد رسول الله فأقبل علينا رسول الله صل الله عليه و سلم فقال :{ يا معشر المهاجرين خصالا إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركهن } اسمعوا إلى الأسباب حتى تعرفوا من اين اوتينا ، قال صل الله عليه و سلم : { لم تظهر فاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع و الأسقام التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا } هذا هو السبب الأول { و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا } هذا هو السبب الثاني { و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان } هذا هو السبب الثالث { و لم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم } هذا هو السبب الرابع { و مالم تحكم أئمتهم بكتاب الله و يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم } هذه هي الاسباب الخمس أولها انتشار الفاحشة و الفجور و الواقع خير شاهد ، كم من التبرج انتشر ، كم من الزنى قد ظهر في البر و البحر ، السبب الثاني لم ينقصوا المكيال و الميزان انضروا إلى حال التجار إلا من رحم الله عز وجل ، الغش في تجارتهم و الكذب في بيعهم و شرائهم حتى لا تكاد تجد تاجرا أمينا ، انضروا إلى الزكاة كيف يتلاعب بها المسلمون ، انضروا إلى المسلمين كيف نقضوا عهد الله عز وجل ، و انضروا إلى تحكيم شرع الله عز وجل كيف عطل ، هذه هي الاسباب معاشر المؤمنين و لذلك من رام التغيير و من رام التبديل فليعد على نفسه بالتغيير اولا فإن قانون الله عز وجل لا يحابي ، قال الله عز وجل في كتابه الكريم :{ ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي كسبوا لعلهم يرجعون } إن ظهور الفساد في البر و البحر من نقصان المعايش و تكدر الأحوال و ظهور الغلاء و الوباء و غير ذلك إنما هو بسبب ما كسبت ايدينا { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } لذلك معاشر المؤمنين لا تلم المطايا و لم نفسك ، كثير من الناس يرجع باللائمة على مجتمعه و على زمانه و على دهره كما قال القائل : ( نعيب زماننا و العيب فينا و ما لزماننا عيب سوانا ، و نهجوا ذا الزمان بكل عيب و لو نطق الزمان لنا هجانا و ليس الذئب يأكل لحم ذئب و يأكل بعضنا بعضا عيانا ) ، إن النياحة على المجتمع إنما هي بضاعة الفاشلين بضاعة المهزومين ، إن النياحة على الواقع و المجتمع لن تعيد عزا و لن ترجع مجدا ، جاء في الأثر القدسي فيما رواه ابو نعيم في الحلية و الإمام الجرجاني في ترتيب الأماني أن الله عز وجل قال :{ إذا عصاني من يعرفني سلطة عليه من لا يعرفني } إذا عصاني من يعرفني و يعرف الواحد الأحد و يشهد أن لا إله إلا الله و يصلي و يصوم سلط عليه الله عز وجل من لا يرقب فيه إلاً و لا ذمةً ، وقال بعض أنبياء بنو اسرائيل عليه السلام حين رأى ما يفعله مختصرا بقوله ، قال : بما كسبت أيدينا سلط الله عز وجل علينا من لا يعرفنا و لا يخافنا أقول قولي هذا و أستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ثم اعلموا معاشر المؤمنين ان التمكين في الأرض و رغد العيش ، إنما هو هبة من الله عز وجل لعباده المؤمنين إن هم أطاعوه و أقبلوا عليه و أصلحوا أنفسهم اقرؤوا ان شئتم إلى قول الله جل و علا :{ الذين ان مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و لله عاقبة الأمور } ، ذكر الحافظ ابن كثير رحمة الله عليه في كتاب ( البداية و النهاية ) أن ملك الروم بعد هزيمة الروم في معركة اليرموك الشهيرة وقف امام فيول جيشه المهزوم ، وقد اعتصم قلبه الألم و علا محياه الكآبة فقال لهم ويلكم ، أخبروني عن هؤلاء الذين تقاتلونهم أليسوا بشرا مثلكم ، قالوا : بلى أيها الملك ، قال : ألستم أنتم أكثر منهم عددا؟ قالوا نعم في كل موطن ، قال: فإذا لماذا تنهزمون ؟ فقال احد عظمائهم : قال أيها الملك إنهم يقومون الليل ن ويصومون النهار ، و يحفظون العهود ن و يتناصفون فيما بينهم ، إنهم قوم يقومون الليل و يصومون النهار هذا في جانب العبادة ، و يحفظون العهود و يتناصفون أي يعدلون بينهم ، بهذه الأسباب ارتفع هؤلاء السلف رحمة الله عليهم و انتشر الخير في زمانهم ، ورد الله عز وجل كيد أعدائهم ، أما حالنا اليوم فينبيك عنه الواقع و لسنا هاهنا كما قلنا ، نبكي على الواقع او نبكي على الأطلال ، ولذلك من نظر إلى حال الأوائل ففيهم كل عبرة و كل مثل ، فقبل مبعث النبي صل الله عليه و سلم بثلاث و ستين سنة يرسل القيصر من بلاد الشام إلى حلفائه في الحبشة ، ليكلفوا حلفائهم و عملائهم باليمن ليسيروا إلى الكعبة حتى يهدموها ، فخرجت الافيال من أرض اليمن تقصد مكة ، فوطئت بأقدامها كرامة العرب أولا و أوديتها و شعابها و شعوبها ، لم يصدها صاد و لم يردها راد ، فالعرب حين ذلك كانوا يجتهدون للفرار في الشعاب و في الأودية و الجبال ، إلا رجلا واحدا جاء إلى أبرهة لا ليطالبه باسترداد الكعبة و إنما قال له : ( إبلي إبلي إن للكعبة رب يحميها و أنا رب الإبل ) بعد سبعين سنة من هذه الحادثة يخرج من مكة رجال غيروا التاريخ ، غيروا خريطة العالم بأسره لا ليفتحوا اليمن ، فاليمن قد فتحت من قبل برسالة ، و لا ليفتحوا الحبشة بل ساروا بإيمانهم إلى قيصر في عقل داره و قصره و ملكه ، ليهدوا بنيانه و ليقوضوا قوته ، ما الذي حدث ؟ هل اكتشف العرب حين ذلك سلاحا جديدا ، أم أنهم دخلوا في حلف جديد ؟ الجواب : غيروا ما بأنفسهم فغير الله عز وجل أحوالهم ، ولذلكم معاشر المؤمنين إذا أردنا السعادة و رغد العيش ، إذا أردنا رفع الظلم ، إذا أردنا أن نعيش عيشا كريما فلنقبل على أنفسنا بإصلاح ، نصلح أسرنا و اولادنا ، نصلح أحيائنا و مجتمعنا و مساجدنا ، فإنه كما قال بعض المصلحين : ( أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم ) أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم بالطاعة و الإنابة و الصدق في المعاملة ، لا نغش ، لا نخدع ، لا نكذب ، لا نتعامل بالربى ، لا نتعامل بالرشوة ، لا نأكل أموال الناس ، لا نبارز الله عز وجل بالعصيان ، نملأ مساجدنا بالطاعة ، نستر نسائنا حين ذلكم معاشر المؤمنين يتنزل النصر بإذنه سبحانه و تعالى : { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} .
اللهم إنا نسألك التوفيق و السداد ، اللهم إنا نسألك الرشاد ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت بنا غفارا ، اللهم أصلح قلوبنا و أنفسنا و أصلح جميع شؤننا يا أرحم الراحمين ، سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
  • 1
  • 0
  • 298

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً