حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة: هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة • في غياب شريعة الله، وسيادة ...
منذ 2024-10-24
حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة:
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
• في غياب شريعة الله، وسيادة التظالم بين العباد والأمم، لا بدّ أن تكثر الحروب، وتسود الصراعات، وأن يحاول كلٌ أن يخضع الآخرين لشرعته وقوانينه، وأن ينال منهم ما يرجوه من مصالح حسب طاقته، وبإنكار المشركين للإسلام كطريق وحيد لتحقيق الأمن لكل الناس، بخضوعهم جميعاً لحكم الله وعدله، فإنهم ما برحوا يحاولون الوصول إلى صيغة تضمن تأمين مصالحهم دون تحمل الخسائر الباهظة من وراء الحروب، ومنها (الأمم المتحدة).
كانت الحرب العالمية الأولى مفصلا مهما في التاريخ الحديث بتمثيلها للصراع بين القوى المتجبرة القديمة كفرنسا وبريطانيا وروسيا، وبين القوى الصاعدة التي بدأت تطالب حينها بحصتها من العالم أسوة بمن سبقها في ميدان الهيمنة والاحتلال، وكانت الحرب بين هذه القوى مؤشرا على تغيّر ظروف العالم، حيث لم يعد ممكنا أن تقرر بعض الدول بالنيابة عن كل العالم، وأن تتقاسمه كما تريد، لذلك تقرَّر بعد انتهاء الحرب تأسيس (عصبة الأمم) لتنضمّ إليها كل الدول "المستقلة"، وتعيد تنظيم عملية هيمنة الأمم القوية على الأمم الضعيفة، من خلال إلغاء نمط الاحتلال القديم وإقرار ما أسموه (الانتداب)، الذي يقوم على أساس وضع كل من الأمم الضعيفة تحت وصاية واحدة من الأمم المهيمنة، بدعوى توفير الحماية لها من القوى الطامعة بها، وهكذا تم وضع "بلدان المسلمين" في كل أنحاء العالم تقريبا تحت وصاية الدول الصليبية ذات الشوكة، وكانت الفكرة من إنشاء (عصبة الأمم) أنها ستنقل الصراعات بين الدول الكبرى إلى المجال السياسي بدلاً عن المجال العسكري، وأنها ستؤمّن مصالح الحلفاء المنتصرين في الحرب، الذين كانوا يحتلون أغلب بقاع العالم آنذاك، وهذا ما لم ينجحوا فيه مطلقا، فمجرد أن اصطدمت الرغبات التوسعية لكل من ألمانيا واليابان وإيطاليا، برغبات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، انهارت (عصبة الأمم)، حيث هاجمت اليابان منشوريا، ثم الصين التي كانت عضوا في (العصبة)، وهاجمت إيطاليا أثيوبيا وهي أيضا عضو في (العصبة)، في توسُّع هتلر داخل أوروبا، باحتلال ألمانيا للنمسا ثم تشيكوسلوفاكيا ثم بولندا، وهي كلها دول أعضاء في (العصبة) لتنهار في النهاية بانسحاب اليابان وألمانيا منها، ثم تعجز عن تحقيق هدف إنشائها وهو منع الحرب بين الدول الأعضاء، بدخولهم مجتمعين في الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من 40 مليون قتيل منهم بحسب إحصاءاتهم، عدا عن الجرحى والمفقودين والمشردين. لتعود الدول المنتصرة في الحرب مرة أخرى لإنشاء هيئة جديدة لتنظيم هيمنة هذه الدول على العالم والتي أطلق عليها اسم "هيئة الأمم المتحدة".
- الأمم المتحدة في نصف قرن:
باعتبارهما المنتصرين في الحرب، صُمِّمت الهيئة الجديدة لتوافق مصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أما بريطانيا فقد صارت بحكم التابع للولايات المتحدة، وهي التي ضغطت على الولايات المتحدة لضم فرنسا إلى (مجلس الأمن) لتقوي موقفها في وجه ألمانيا، التي يُخاف من عودتها مرة أخرى إلى ساحة الصراع، فيما تم ضم الصين للوقوف في وجه عودة اليابان إلى أحلامها التوسعية.
وهكذا نشأت الهيئة الجديدة التي وُلدت معاقة بحكم تبعيتها للدول المتغطرسة الكبرى وعدم استقلالها في أي شيء. فأُعيق مسعاها لتشكيل جيش مستقل تفرض من خلاله قراراتها على الدول "المارقة"، وبالتالي لم يعد من سبيل إلى فرض القرارات إلا بالاعتماد على جيوش الدول المتغطرسة تلك، وكذلك كان تمويلها معتمدا على هذه الدول، ومن ناحية أخرى فقد صيغ نظامها ليضمن وجود الدول هذه ضمن "النظام الدولي" بأي شكل كان، وعدم تكرار مأساة خروج اليابان وألمانيا من (عصبة الأمم) عندما عارضت مصالحهم، وبالتالي اضطرار الدول الأخرى إلى محاربتهما لمّا تمادتا في تحقيقها خارج إطار النظام الدولي، أما الدول الضعيفة فيمكن ضبطها بسهولة عبر التهديد أو الفعل إن اضطر الأمر، دون أن يؤدي ذلك إلى قيام حرب عالمية.
• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 15
السنة السابعة - الثلاثاء 15 ربيع الآخر 1437 هـ
مقتطف من مقال:
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
- الأمم المتحدة في نصف قرن:
• باعتبارهما المنتصرين في الحرب، صُمِّمت الهيئة الجديدة لتوافق مصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أما بريطانيا فقد صارت بحكم التابع للولايات المتحدة، وهي التي ضغطت على الولايات المتحدة لضم فرنسا إلى (مجلس الأمن) لتقوي موقفها في وجه ألمانيا، التي يُخاف من عودتها مرة أخرى إلى ساحة الصراع، فيما تم ضم الصين للوقوف في وجه عودة اليابان إلى أحلامها التوسعية.
وهكذا نشأت الهيئة الجديدة التي وُلدت معاقة بحكم تبعيتها للدول المتغطرسة الكبرى وعدم استقلالها في أي شيء. فأُعيق مسعاها لتشكيل جيش مستقل تفرض من خلاله قراراتها على الدول "المارقة"، وبالتالي لم يعد من سبيل إلى فرض القرارات إلا بالاعتماد على جيوش الدول المتغطرسة تلك، وكذلك كان تمويلها معتمدا على هذه الدول، ومن ناحية أخرى فقد صيغ نظامها ليضمن وجود الدول هذه ضمن "النظام الدولي" بأي شكل كان، وعدم تكرار مأساة خروج اليابان وألمانيا من (عصبة الأمم) عندما عارضت مصالحهم، وبالتالي اضطرار الدول الأخرى إلى محاربتهما لمّا تمادتا في تحقيقها خارج إطار النظام الدولي، أما الدول الضعيفة فيمكن ضبطها بسهولة عبر التهديد أو الفعل إن اضطر الأمر، دون أن يؤدي ذلك إلى قيام حرب عالمية.
ولكن هذا النظام القديم الذي مرَّ عليه أكثر من نصف قرن لم يراعِ في الحقيقة ظهور القوى الجديدة التي صارت تفوق بعضا من القوى الموجودة في (مجلس الأمن) مثل الهند والبرازيل واليابان وغيرها، أو ربما وُضِع النظام أصلا لتبقى كل الدول الناشئة مرتبطة بواحدة من الدول الكبرى حصرا، وهذا ما تحاول الدول الصاعدة التخلص منه بطريقة أو بأخرى.
أما الوسيلة الموضوعة لضبط الدول الكبرى فهو الحق الذي أعطي للدول الخمس الكبرى دون غيرها والمسمى (الفيتو)، إذ يكفي لكل من هذه الدول أن تلغي أي قرار يعارض مصالحها أو مصالح أصدقائها بمجرد الاعتراض على القرار وبالتالي إيقافه، مهما بلغ عدد المؤيدين له من الدول داخل (مجلس الأمن) أو في (الجمعية العامة) التي أنشئت لتكون بمثابة "برلمان دولي" تتخذ فيه القرارات بالأغلبية، وبهذه الطريقة يضمنون بقاء الدول "الكبرى" ضمن (مجلس الأمن) وعدم لجوئها إلى تحقيق مصالحها بالقوة، رغم أن ذلك يؤدي إلى تعطيل دور (الأمم المتحدة) ومنعها من التدخل في كثير من القضايا "الدولية" الشائكة بسبب (الفيتو) التي تفرضه هذه الدولة أو تلك، فلم تتدخل في الجزائر بسبب فرنسا، ولا في كمبوديا بسبب الصين، ولا في فلسطين بسبب الولايات المتحدة، ونشاهد اليوم عجزها عن اتخاذ أي قرار حاسم ضد النظام النصيري بسبب الاعتراض الروسي.
ولكن الغاية التي من أجلها مُنح "حق الفيتو" لهذه الدول لم يمنعها من التصرف بطريقة فردية، أو بمعاونة حلفائها، إذا لم تحصل على موافقة (مجلس الأمن)، كما في تدخّل الاتحاد السوفيتي في خراسان نصرة لحلفائه من الشيوعيين، وتدخل الولايات المتحدة في غرينادا، وغزوها للعراق، مبررة أفعالها بالحرب على الإرهاب أو غير ذلك من الحجج.
أما التدخل المباشر للأمم المتحدة في الصراعات الدولية، فيجري عادة عن طريق توظيف جيوش الدول الفقيرة، على أن تقوم الدول الغنية بتمويل هذا التدخل، وبامتناعها عن ذلك لسبب أو لآخر، فإنها تعجز عن الدخول في أي عملية لفض الصراعات والنزاعات بين الدول، وكذلك فإن هذا التدخل يكون بحسب توجيهات الدول المتجبرة، حيث نجد أن تدخلها في قبرص للفصل بين اليونان والأتراك، جاء بصيغة قوات "فض اشتباك" و "عزل المناطق" التي يسيطر عليها الطرفان، وكذلك فعلت في "فض الاشتباك" بين جيوش الطواغيت العرب والجيش اليهودي بعد الحروب المختلفة.
• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 15
السنة السابعة - الثلاثاء 15 ربيع الآخر 1437 هـ
مقتطف من مقال:
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
• في غياب شريعة الله، وسيادة التظالم بين العباد والأمم، لا بدّ أن تكثر الحروب، وتسود الصراعات، وأن يحاول كلٌ أن يخضع الآخرين لشرعته وقوانينه، وأن ينال منهم ما يرجوه من مصالح حسب طاقته، وبإنكار المشركين للإسلام كطريق وحيد لتحقيق الأمن لكل الناس، بخضوعهم جميعاً لحكم الله وعدله، فإنهم ما برحوا يحاولون الوصول إلى صيغة تضمن تأمين مصالحهم دون تحمل الخسائر الباهظة من وراء الحروب، ومنها (الأمم المتحدة).
كانت الحرب العالمية الأولى مفصلا مهما في التاريخ الحديث بتمثيلها للصراع بين القوى المتجبرة القديمة كفرنسا وبريطانيا وروسيا، وبين القوى الصاعدة التي بدأت تطالب حينها بحصتها من العالم أسوة بمن سبقها في ميدان الهيمنة والاحتلال، وكانت الحرب بين هذه القوى مؤشرا على تغيّر ظروف العالم، حيث لم يعد ممكنا أن تقرر بعض الدول بالنيابة عن كل العالم، وأن تتقاسمه كما تريد، لذلك تقرَّر بعد انتهاء الحرب تأسيس (عصبة الأمم) لتنضمّ إليها كل الدول "المستقلة"، وتعيد تنظيم عملية هيمنة الأمم القوية على الأمم الضعيفة، من خلال إلغاء نمط الاحتلال القديم وإقرار ما أسموه (الانتداب)، الذي يقوم على أساس وضع كل من الأمم الضعيفة تحت وصاية واحدة من الأمم المهيمنة، بدعوى توفير الحماية لها من القوى الطامعة بها، وهكذا تم وضع "بلدان المسلمين" في كل أنحاء العالم تقريبا تحت وصاية الدول الصليبية ذات الشوكة، وكانت الفكرة من إنشاء (عصبة الأمم) أنها ستنقل الصراعات بين الدول الكبرى إلى المجال السياسي بدلاً عن المجال العسكري، وأنها ستؤمّن مصالح الحلفاء المنتصرين في الحرب، الذين كانوا يحتلون أغلب بقاع العالم آنذاك، وهذا ما لم ينجحوا فيه مطلقا، فمجرد أن اصطدمت الرغبات التوسعية لكل من ألمانيا واليابان وإيطاليا، برغبات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، انهارت (عصبة الأمم)، حيث هاجمت اليابان منشوريا، ثم الصين التي كانت عضوا في (العصبة)، وهاجمت إيطاليا أثيوبيا وهي أيضا عضو في (العصبة)، في توسُّع هتلر داخل أوروبا، باحتلال ألمانيا للنمسا ثم تشيكوسلوفاكيا ثم بولندا، وهي كلها دول أعضاء في (العصبة) لتنهار في النهاية بانسحاب اليابان وألمانيا منها، ثم تعجز عن تحقيق هدف إنشائها وهو منع الحرب بين الدول الأعضاء، بدخولهم مجتمعين في الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من 40 مليون قتيل منهم بحسب إحصاءاتهم، عدا عن الجرحى والمفقودين والمشردين. لتعود الدول المنتصرة في الحرب مرة أخرى لإنشاء هيئة جديدة لتنظيم هيمنة هذه الدول على العالم والتي أطلق عليها اسم "هيئة الأمم المتحدة".
- الأمم المتحدة في نصف قرن:
باعتبارهما المنتصرين في الحرب، صُمِّمت الهيئة الجديدة لتوافق مصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أما بريطانيا فقد صارت بحكم التابع للولايات المتحدة، وهي التي ضغطت على الولايات المتحدة لضم فرنسا إلى (مجلس الأمن) لتقوي موقفها في وجه ألمانيا، التي يُخاف من عودتها مرة أخرى إلى ساحة الصراع، فيما تم ضم الصين للوقوف في وجه عودة اليابان إلى أحلامها التوسعية.
وهكذا نشأت الهيئة الجديدة التي وُلدت معاقة بحكم تبعيتها للدول المتغطرسة الكبرى وعدم استقلالها في أي شيء. فأُعيق مسعاها لتشكيل جيش مستقل تفرض من خلاله قراراتها على الدول "المارقة"، وبالتالي لم يعد من سبيل إلى فرض القرارات إلا بالاعتماد على جيوش الدول المتغطرسة تلك، وكذلك كان تمويلها معتمدا على هذه الدول، ومن ناحية أخرى فقد صيغ نظامها ليضمن وجود الدول هذه ضمن "النظام الدولي" بأي شكل كان، وعدم تكرار مأساة خروج اليابان وألمانيا من (عصبة الأمم) عندما عارضت مصالحهم، وبالتالي اضطرار الدول الأخرى إلى محاربتهما لمّا تمادتا في تحقيقها خارج إطار النظام الدولي، أما الدول الضعيفة فيمكن ضبطها بسهولة عبر التهديد أو الفعل إن اضطر الأمر، دون أن يؤدي ذلك إلى قيام حرب عالمية.
• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 15
السنة السابعة - الثلاثاء 15 ربيع الآخر 1437 هـ
مقتطف من مقال:
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة
- الأمم المتحدة في نصف قرن:
• باعتبارهما المنتصرين في الحرب، صُمِّمت الهيئة الجديدة لتوافق مصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، أما بريطانيا فقد صارت بحكم التابع للولايات المتحدة، وهي التي ضغطت على الولايات المتحدة لضم فرنسا إلى (مجلس الأمن) لتقوي موقفها في وجه ألمانيا، التي يُخاف من عودتها مرة أخرى إلى ساحة الصراع، فيما تم ضم الصين للوقوف في وجه عودة اليابان إلى أحلامها التوسعية.
وهكذا نشأت الهيئة الجديدة التي وُلدت معاقة بحكم تبعيتها للدول المتغطرسة الكبرى وعدم استقلالها في أي شيء. فأُعيق مسعاها لتشكيل جيش مستقل تفرض من خلاله قراراتها على الدول "المارقة"، وبالتالي لم يعد من سبيل إلى فرض القرارات إلا بالاعتماد على جيوش الدول المتغطرسة تلك، وكذلك كان تمويلها معتمدا على هذه الدول، ومن ناحية أخرى فقد صيغ نظامها ليضمن وجود الدول هذه ضمن "النظام الدولي" بأي شكل كان، وعدم تكرار مأساة خروج اليابان وألمانيا من (عصبة الأمم) عندما عارضت مصالحهم، وبالتالي اضطرار الدول الأخرى إلى محاربتهما لمّا تمادتا في تحقيقها خارج إطار النظام الدولي، أما الدول الضعيفة فيمكن ضبطها بسهولة عبر التهديد أو الفعل إن اضطر الأمر، دون أن يؤدي ذلك إلى قيام حرب عالمية.
ولكن هذا النظام القديم الذي مرَّ عليه أكثر من نصف قرن لم يراعِ في الحقيقة ظهور القوى الجديدة التي صارت تفوق بعضا من القوى الموجودة في (مجلس الأمن) مثل الهند والبرازيل واليابان وغيرها، أو ربما وُضِع النظام أصلا لتبقى كل الدول الناشئة مرتبطة بواحدة من الدول الكبرى حصرا، وهذا ما تحاول الدول الصاعدة التخلص منه بطريقة أو بأخرى.
أما الوسيلة الموضوعة لضبط الدول الكبرى فهو الحق الذي أعطي للدول الخمس الكبرى دون غيرها والمسمى (الفيتو)، إذ يكفي لكل من هذه الدول أن تلغي أي قرار يعارض مصالحها أو مصالح أصدقائها بمجرد الاعتراض على القرار وبالتالي إيقافه، مهما بلغ عدد المؤيدين له من الدول داخل (مجلس الأمن) أو في (الجمعية العامة) التي أنشئت لتكون بمثابة "برلمان دولي" تتخذ فيه القرارات بالأغلبية، وبهذه الطريقة يضمنون بقاء الدول "الكبرى" ضمن (مجلس الأمن) وعدم لجوئها إلى تحقيق مصالحها بالقوة، رغم أن ذلك يؤدي إلى تعطيل دور (الأمم المتحدة) ومنعها من التدخل في كثير من القضايا "الدولية" الشائكة بسبب (الفيتو) التي تفرضه هذه الدولة أو تلك، فلم تتدخل في الجزائر بسبب فرنسا، ولا في كمبوديا بسبب الصين، ولا في فلسطين بسبب الولايات المتحدة، ونشاهد اليوم عجزها عن اتخاذ أي قرار حاسم ضد النظام النصيري بسبب الاعتراض الروسي.
ولكن الغاية التي من أجلها مُنح "حق الفيتو" لهذه الدول لم يمنعها من التصرف بطريقة فردية، أو بمعاونة حلفائها، إذا لم تحصل على موافقة (مجلس الأمن)، كما في تدخّل الاتحاد السوفيتي في خراسان نصرة لحلفائه من الشيوعيين، وتدخل الولايات المتحدة في غرينادا، وغزوها للعراق، مبررة أفعالها بالحرب على الإرهاب أو غير ذلك من الحجج.
أما التدخل المباشر للأمم المتحدة في الصراعات الدولية، فيجري عادة عن طريق توظيف جيوش الدول الفقيرة، على أن تقوم الدول الغنية بتمويل هذا التدخل، وبامتناعها عن ذلك لسبب أو لآخر، فإنها تعجز عن الدخول في أي عملية لفض الصراعات والنزاعات بين الدول، وكذلك فإن هذا التدخل يكون بحسب توجيهات الدول المتجبرة، حيث نجد أن تدخلها في قبرص للفصل بين اليونان والأتراك، جاء بصيغة قوات "فض اشتباك" و "عزل المناطق" التي يسيطر عليها الطرفان، وكذلك فعلت في "فض الاشتباك" بين جيوش الطواغيت العرب والجيش اليهودي بعد الحروب المختلفة.
• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 15
السنة السابعة - الثلاثاء 15 ربيع الآخر 1437 هـ
مقتطف من مقال:
هيئة (الأمم المتحدة) في عصر الخلافة