الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها • الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد ...
منذ 2024-11-05
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
• الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله الطّيبين وصحابته الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فقد بعث الله نبيّه محمّداً صلى الله عليه وسلّم بخير دين وخير كتاب، وجعل أمّته خير أمّة بين الأمم، وخصّص هذه الخيريّة بمزيّةٍ عظيمةٍ فقال: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران: ١١٠]، وقد عرفت هذه الشّعيرة العظيمة في التّاريخ الإسلاميّ باسم الحِسبة.
فما هي الحِسبة؟ وما هي مكانتها في الشّرعية الإسلاميّة؟
وما فضيلتها وفوائدها؟ وما الآثار المترتّبة على تركها؟
• تعريف الحِسبة:
الحِسبة لغةً: بالكسر هو الأجر؛ تقول: فعلته حِسبةً؛ والاحتساب: طلب الأجر، وفي الحديث: (من مات له ولد فاحتسبه)، أي احتسَبَ الأجر بصبره على مصيبته به، وفي الحديث: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا)، أي طلبا لوجه الله تعالى وثوابه. انظر لسان العرب لابن منظور.
الحسبة اصطلاحاً: قال صاحب الأحكام السّلطانيّة: "هي أمرٌ بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهيٌ عن المنكر إذا أظهر فعله."، وقال صاحب الإحياء: "الحسبة عبارةٌ عن المنع عن منكرٍ لحَقِّ الله صيانةً للممنوع عن مقارفة المنكر".
فالحسبة إذاً ولاية دينيّة تتولى مهمّة الأمر بالمعروف إذا أظهر النّاس تركه، والنّهي عن المنكر إذا أظهر النّاس فعله، حماية لجناب الشّريعة من الضّياع، وصيانة للجماعة المسلمة من الانحراف، وتحقيقاً لمصالح النّاس الدينيّة والدنيويّة وفقاً لشرع الله تعالى.
• منزلة الحسبة في الإسلام:
قال ابن تيميّة رحمه الله: "جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإنّ الله - سبحانه وتعالى - إنّما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرّسل، وعليه جاهد الرّسول والمؤمنون، قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات: ٥٦)، وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء: ٢٥)، وقال سبحانه: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل: 36)".
وقال القرطبيّ عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: "هو فائدة الرّسالة وخلافة النّبوة" تفسير القرطبيّ. فالحسبة هي سفينة النّجاة التي تحمل الأمة وتنجو بها من التّيه في غياهب المعاصي والشّهوات، والضّلالات والشّبهات.
وقد ضرب لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلاً واضحاً فقال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا" رواه البخاريّ.
• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
• مشروعيّة الحسبة وحكمها:
قال القاضي عياض: "الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسّنة وإجماع الأمّة" إكمال المعلم بفوائد مسلم. والأدلّة من القرآن الكريم والسّنة المطهّرة على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أكثر من أن تحصى في هذه الأسطر؛ فمنها: قول الله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران: ١٠٤]، وقال تعالى: { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ } [هود: ١١٦].
وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». صحيح مسلم.
فجعل تغيير المنكر من صفات المؤمن الرّاسخة مصداقاً لقوله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [التوبة: ٧١]. وليست مقتصرةً على مؤسّسةٍ معيّنةٍ أو طائفةٍ أو فرقةٍ من المسلمين، بل هي واجبةٌ على كلّ مسلمٍ لعموم الأدلّة الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، و علّق الإمام ابن كثيرٍ على قوله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } فقال: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةٌ من الأمّة متصدّية لهذا الشّأن، وإن كان ذلك واجباً على كلّ فردٍ من الأمّة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل".
• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة, [04/11/24 02:11 م]
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
• فضائل الحسبة:
لمّا كانت مكانة الحسبة في الشّريعة عظيمةً كان فضلها عظيماً، وكان القائمون عليها بصدقٍ وحقٍ هم أهل الفضائل الذين صدَّقوا القول بالعمل، ودعوا النّاس لدين الله وأخذوا على يد الظّالم والمسيء، وقد تكلّم الله سبحانه وتعالى في كتابه عن صالحي أهل الكتاب من الأمم قبلنا فقال: { لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) } [آل عمران]، فجعل أول علامة للصّالحين بعد الإيمان بالله واليوم الآخر هي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
• فوائد الحسبة الدينيّة والدنيويّة:
اشتملت هذه الشّعيرة المباركة على فوائد دينيّةٍ ودنيويّةٍ جمَّةٍ، منها - على سبيل المثال لا الحصر -:
- النّجاة من عذاب الله تعالى كما قال سبحانه: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [الأعراف: ١٦٥].
- إدراك رحمة الله لمن قام بشعيرة الحسبة، قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) } [التوبة].
- شيوع الأمن الحقيقيّ والأمن النّفسيّ بين رعية الدّولة الإسلاميّة، فحين يقوم كلّ فردٍ بدوره الشّرعيّ المأمور به من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ينتفي الظّلم وتشيع الفضيلة، قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: ٨٢].
- تنبيه الغافلين عن أوامر الله، الغارقين في معاصي الله، وتحقيق مفهوم الرّحمة المتمثّلة ببعثة النّبي صلّى الله عليه وسلّم { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: ١٠٧]، فالرّحمة تقتضي الحرص على النّاس ومنعهم من ولوج محارم الله الموصلة إلى سخطه وعذابه في الدّنيا والآخرة.
- التّقليل ما أمكن من مظاهر الانحراف الأخلاقيّ والسّلوكيّ بين الرعيّة، فما دام دعاة الطّاعة قائمين على رؤوس النّاس فلن يجد - بإذن الله - دعاة جهنّم مكاناً لهم ليفتنوا عباد الله عن صراطه المستقيم.
• الآثار المترتبة على ترك الحسبة:
كما أنّ للحسبة فوائدَ وفضائلَ ظاهرةً فإن لتركها وإهمالها آثارًا خطيرةً على الجماعة المسلمة، منها:
- حلول الغضب الإلهيّ بسبب شيوع المنكرات وهجران الطّاعات، وفشوّ الفساد بين الرعيّة دون نكير أو تحذير.
- تمكّن الباطل وأهله في المجتمع، وذلك يؤدي إلى أن تتحوّل الأرض إلى بؤرةٍ من الشّرّ والفساد قال الله تعالى: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ } [البقرة: ٢٥١]، { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } [الحج: ٤٠].
• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
• الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله الطّيبين وصحابته الأكرمين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فقد بعث الله نبيّه محمّداً صلى الله عليه وسلّم بخير دين وخير كتاب، وجعل أمّته خير أمّة بين الأمم، وخصّص هذه الخيريّة بمزيّةٍ عظيمةٍ فقال: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [آل عمران: ١١٠]، وقد عرفت هذه الشّعيرة العظيمة في التّاريخ الإسلاميّ باسم الحِسبة.
فما هي الحِسبة؟ وما هي مكانتها في الشّرعية الإسلاميّة؟
وما فضيلتها وفوائدها؟ وما الآثار المترتّبة على تركها؟
• تعريف الحِسبة:
الحِسبة لغةً: بالكسر هو الأجر؛ تقول: فعلته حِسبةً؛ والاحتساب: طلب الأجر، وفي الحديث: (من مات له ولد فاحتسبه)، أي احتسَبَ الأجر بصبره على مصيبته به، وفي الحديث: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا)، أي طلبا لوجه الله تعالى وثوابه. انظر لسان العرب لابن منظور.
الحسبة اصطلاحاً: قال صاحب الأحكام السّلطانيّة: "هي أمرٌ بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهيٌ عن المنكر إذا أظهر فعله."، وقال صاحب الإحياء: "الحسبة عبارةٌ عن المنع عن منكرٍ لحَقِّ الله صيانةً للممنوع عن مقارفة المنكر".
فالحسبة إذاً ولاية دينيّة تتولى مهمّة الأمر بالمعروف إذا أظهر النّاس تركه، والنّهي عن المنكر إذا أظهر النّاس فعله، حماية لجناب الشّريعة من الضّياع، وصيانة للجماعة المسلمة من الانحراف، وتحقيقاً لمصالح النّاس الدينيّة والدنيويّة وفقاً لشرع الله تعالى.
• منزلة الحسبة في الإسلام:
قال ابن تيميّة رحمه الله: "جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإنّ الله - سبحانه وتعالى - إنّما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرّسل، وعليه جاهد الرّسول والمؤمنون، قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات: ٥٦)، وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء: ٢٥)، وقال سبحانه: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل: 36)".
وقال القرطبيّ عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: "هو فائدة الرّسالة وخلافة النّبوة" تفسير القرطبيّ. فالحسبة هي سفينة النّجاة التي تحمل الأمة وتنجو بها من التّيه في غياهب المعاصي والشّهوات، والضّلالات والشّبهات.
وقد ضرب لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثلاً واضحاً فقال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا" رواه البخاريّ.
• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
• مشروعيّة الحسبة وحكمها:
قال القاضي عياض: "الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر من واجبات الإيمان ودعائم الإسلام بالكتاب والسّنة وإجماع الأمّة" إكمال المعلم بفوائد مسلم. والأدلّة من القرآن الكريم والسّنة المطهّرة على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أكثر من أن تحصى في هذه الأسطر؛ فمنها: قول الله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [آل عمران: ١٠٤]، وقال تعالى: { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ } [هود: ١١٦].
وعن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». صحيح مسلم.
فجعل تغيير المنكر من صفات المؤمن الرّاسخة مصداقاً لقوله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [التوبة: ٧١]. وليست مقتصرةً على مؤسّسةٍ معيّنةٍ أو طائفةٍ أو فرقةٍ من المسلمين، بل هي واجبةٌ على كلّ مسلمٍ لعموم الأدلّة الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، و علّق الإمام ابن كثيرٍ على قوله تعالى: { وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } فقال: "والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقةٌ من الأمّة متصدّية لهذا الشّأن، وإن كان ذلك واجباً على كلّ فردٍ من الأمّة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من رأى منكم منكراً فليغيرّه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل".
• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة, [04/11/24 02:11 م]
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها
• فضائل الحسبة:
لمّا كانت مكانة الحسبة في الشّريعة عظيمةً كان فضلها عظيماً، وكان القائمون عليها بصدقٍ وحقٍ هم أهل الفضائل الذين صدَّقوا القول بالعمل، ودعوا النّاس لدين الله وأخذوا على يد الظّالم والمسيء، وقد تكلّم الله سبحانه وتعالى في كتابه عن صالحي أهل الكتاب من الأمم قبلنا فقال: { لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) } [آل عمران]، فجعل أول علامة للصّالحين بعد الإيمان بالله واليوم الآخر هي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
• فوائد الحسبة الدينيّة والدنيويّة:
اشتملت هذه الشّعيرة المباركة على فوائد دينيّةٍ ودنيويّةٍ جمَّةٍ، منها - على سبيل المثال لا الحصر -:
- النّجاة من عذاب الله تعالى كما قال سبحانه: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [الأعراف: ١٦٥].
- إدراك رحمة الله لمن قام بشعيرة الحسبة، قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) } [التوبة].
- شيوع الأمن الحقيقيّ والأمن النّفسيّ بين رعية الدّولة الإسلاميّة، فحين يقوم كلّ فردٍ بدوره الشّرعيّ المأمور به من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ينتفي الظّلم وتشيع الفضيلة، قال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: ٨٢].
- تنبيه الغافلين عن أوامر الله، الغارقين في معاصي الله، وتحقيق مفهوم الرّحمة المتمثّلة ببعثة النّبي صلّى الله عليه وسلّم { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: ١٠٧]، فالرّحمة تقتضي الحرص على النّاس ومنعهم من ولوج محارم الله الموصلة إلى سخطه وعذابه في الدّنيا والآخرة.
- التّقليل ما أمكن من مظاهر الانحراف الأخلاقيّ والسّلوكيّ بين الرعيّة، فما دام دعاة الطّاعة قائمين على رؤوس النّاس فلن يجد - بإذن الله - دعاة جهنّم مكاناً لهم ليفتنوا عباد الله عن صراطه المستقيم.
• الآثار المترتبة على ترك الحسبة:
كما أنّ للحسبة فوائدَ وفضائلَ ظاهرةً فإن لتركها وإهمالها آثارًا خطيرةً على الجماعة المسلمة، منها:
- حلول الغضب الإلهيّ بسبب شيوع المنكرات وهجران الطّاعات، وفشوّ الفساد بين الرعيّة دون نكير أو تحذير.
- تمكّن الباطل وأهله في المجتمع، وذلك يؤدي إلى أن تتحوّل الأرض إلى بؤرةٍ من الشّرّ والفساد قال الله تعالى: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ } [البقرة: ٢٥١]، { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } [الحج: ٤٠].
• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 7
مقال:
الحسبة في الإسلام مكانتها وفضيلتها