ابن تاشفين.. يقضي على الطوائف ويبايع الخليفة القرشي • في الحلقة السابقة، تناولنا انتصار المسلمين ...
منذ يوم
ابن تاشفين.. يقضي على الطوائف ويبايع الخليفة القرشي
• في الحلقة السابقة، تناولنا انتصار المسلمين بقيادة ابن تاشفين -رحمه الله- في معركة الزلاقة التاريخية، التي انتهت باندحار الصليبيين مخذولين، مخلفين وراءهم أشلاء ثمانين ألف قتيل، وقد نُكِّسَ -بفضل الله- صليبهم، ومُرِّغَ في ثرى الأندلس أنف كبيرهم ألفونسو.
أبقى ابن تاشفين -رحمه الله- ثلاثة آلاف مجاهد من جنوده في الأندلس سندا لأهلها، وقد ولّى عليهم القائد المرابطي "سير بن أبي بكر"، إلا أن المرابطين لم يكتفوا بالدفاع فحسب، بل وصل الأمر إلى الهجوم على الصليبيين ومقارعتهم، فتوغل جيش المرابطين في منطقة شمال البرتغال، وزحفت قوة مرابطية ثانية صوب طليطلة، ففتح الله على المرابطين قلاعا ومواقع عسكرية استراتيجية، أهمها حصن أقليش.
ما إن أحس ملوك طوائف الأندلس بزوال الخطر الصليبي القشتالي، حتى رجعوا لموالاة الصليبيين ومجاملتهم، والاقتتال فيما بينهم، وظلم رعيتهم، وعادوا إلى حياة المجون، فاستغل ألفونسو ما آلت إليه أحوال ملوك الأندلس، وأعاد الكرّة وفي نفسه رغبة في الثأر جامحة، لما لحقه من خسارة في معركة الزلّاقة، فبعث قواته تشنّ الغارات على مناطق المسلمين، انطلاقا من حصن لييط، معزّزا بقوات ضخمة من مملكتي بيزا وجنوة الصليبيتين الإيطاليتين، زاد ألفونسو حدة هجماته، فحاصر بلنسية، حاضرة الشرق الأندلسي، وهاجم السواحل الشرقية للأندلس، توجه بعدها إلى إشبيلية، فتوافد أهل الأندلس إلى المغرب زرافات ووحدانا، يطلبون النجدة من ابن تاشفين، لرد عادية الصليبيين، وكان الملك المعتمد من بين الذين جاؤوا إلى المغرب يستنصرون ابن تاشفين، فقرر ابن تاشفين العبور ثانية ونصرة الأندلس وأهلها، وحفظها من السقوط بيد الصليبيين.
فكان العبور الثاني لجيش المرابطين يقوده ابن تاشفين، وكان عمره يناهز 81 سنة، وذلك في عام 481 هـ، وبمجرد وصوله شاطئ الأندلس راسل ملوك الطوائف بأن يتوبوا ويستعدوا للجهاد ويتجهزوا للقاء الصليبيين، فلحقت به قوات أقل ممن لحقوا به يوم الزلّاقة، فسار بهم إلى حصن لييط وحاصره أربعة أشهر، حاول خلالها اقتحام الحصن مرات، إلا أن الحصن كان كبير الحجم شديد التحصين، خلف جدرانه المنيعة ثلاثة عشر ألف صليبي.
استشعر ابن تاشفين نفاق ملوك الطوائف، وأن بعضهم يكن للصليبيين المودة
بدأت الخلافات تظهر بين ملوك الطوائف المحاصِرين للحصن، فهم لم يعَوِّدُوا أنفسهم على حروب طويلة ورباط في سبيل الله، بعيدا عن قصورهم الفارهة، وجواريهم وقيناتهم، استشعر ابن تاشفين نفاق ملوك الطوائف، واكتشف أن بعضهم يكنّ للصليبيين مودة، ولا يرغب في اقتحام الحصن ولا التوغل في ديار الكفر، وبعد نقص مؤونة جيش المرابطين، وامتناع ملوك الطوائف عن إمداده، قرر ابن تاشفين الانحياز من محيط حصن لييط، وبمجرد انحياز المرابطين من محيط الحصن، أعطى ألفونسو أوامره بإخلائه وحرقه، وفَرَّت قواته مذعورة إلى طليطلة، فاستولى المعتمد على الحصن، وبذلك تخلصت الأندلس من خطر حصن لييط، وقرر ابن تاشفين العودة إلى المغرب بعد أن أرسل أربعة آلاف مجاهد من قواته إلى مدينة بلنسية للدفاع عنها.
قبل أن يرجع ابن تاشفين إلى المغرب، اجتمع مرة أخرى بملوك الطوائف، ونصحهم ووعظهم وقال كلمته المشهورة: "أصلحوا نياتكم، تُكفَوا عدوكم"، إلا أنهم أصموا آذانهم عن كل نصيحة، وعادوا لسابق عهدهم، فهاجمهم ألفونسو من جديد، وطالبهم بدفع الجزية له، فساءت أحوال الأندلس، وعادت مثلما كانت قبل معركة الزلّاقة.
تواردت الأخبار إلى ابن تاشفين عن وضع الأندلس وخضوع أمراء الطوائف للصليبيين، فقرر اجتياز البحر للمرة الثالثة، وخلال عام 483 هـ، سار ابن تاشفين بجيشه إلى أن وصل طليطلة (عاصمة ألفونسو) وحاصرها، لم يشارك أمراء الطوائف -هذه المرة- في جيش المرابطين كما في معركتي الزلاقة وحصن لييط، ولم يساندوه ولم يقدموا له المؤن وما يحتاجه، فاضطر ابن تاشفين لرفع الحصار عن طليطلة لنقص مؤونة جيشه، فنقم على ملوك الطوائف، وأحس بخيانتهم، وتأكد أن بعض ملوك الطوائف أحجموا عن جهاد الصليبيين مجاملة لهم، فقرر وضع حد لمهزلة التفرق والتشرذم، وكثرة الطوائف والفصائل، ولم يكن من دافع يدفعه لجهاد هؤلاء بعد أن ظهرت خيانتهم إلا طاعة لله وغيرة على دينه، وشفقة على المسلمين أهالي الأندلس.
ففتح المرابطون -بفضل الله- مدينة غرناطة بعد حصارها شهرين، وأسر المرابطون ملك غرناطة عميل الصليبيين ابن بلقين، واعتقل المرابطون بعدها تميم بن بلقين أمير مالقة.
■ المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 19
السنة السابعة - الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1437 هـ
من التاريخ:
ابن تاشفين.. يقضي على الطوائف
ويبايع الخليفة القرشي
• في الحلقة السابقة، تناولنا انتصار المسلمين بقيادة ابن تاشفين -رحمه الله- في معركة الزلاقة التاريخية، التي انتهت باندحار الصليبيين مخذولين، مخلفين وراءهم أشلاء ثمانين ألف قتيل، وقد نُكِّسَ -بفضل الله- صليبهم، ومُرِّغَ في ثرى الأندلس أنف كبيرهم ألفونسو.
أبقى ابن تاشفين -رحمه الله- ثلاثة آلاف مجاهد من جنوده في الأندلس سندا لأهلها، وقد ولّى عليهم القائد المرابطي "سير بن أبي بكر"، إلا أن المرابطين لم يكتفوا بالدفاع فحسب، بل وصل الأمر إلى الهجوم على الصليبيين ومقارعتهم، فتوغل جيش المرابطين في منطقة شمال البرتغال، وزحفت قوة مرابطية ثانية صوب طليطلة، ففتح الله على المرابطين قلاعا ومواقع عسكرية استراتيجية، أهمها حصن أقليش.
ما إن أحس ملوك طوائف الأندلس بزوال الخطر الصليبي القشتالي، حتى رجعوا لموالاة الصليبيين ومجاملتهم، والاقتتال فيما بينهم، وظلم رعيتهم، وعادوا إلى حياة المجون، فاستغل ألفونسو ما آلت إليه أحوال ملوك الأندلس، وأعاد الكرّة وفي نفسه رغبة في الثأر جامحة، لما لحقه من خسارة في معركة الزلّاقة، فبعث قواته تشنّ الغارات على مناطق المسلمين، انطلاقا من حصن لييط، معزّزا بقوات ضخمة من مملكتي بيزا وجنوة الصليبيتين الإيطاليتين، زاد ألفونسو حدة هجماته، فحاصر بلنسية، حاضرة الشرق الأندلسي، وهاجم السواحل الشرقية للأندلس، توجه بعدها إلى إشبيلية، فتوافد أهل الأندلس إلى المغرب زرافات ووحدانا، يطلبون النجدة من ابن تاشفين، لرد عادية الصليبيين، وكان الملك المعتمد من بين الذين جاؤوا إلى المغرب يستنصرون ابن تاشفين، فقرر ابن تاشفين العبور ثانية ونصرة الأندلس وأهلها، وحفظها من السقوط بيد الصليبيين.
فكان العبور الثاني لجيش المرابطين يقوده ابن تاشفين، وكان عمره يناهز 81 سنة، وذلك في عام 481 هـ، وبمجرد وصوله شاطئ الأندلس راسل ملوك الطوائف بأن يتوبوا ويستعدوا للجهاد ويتجهزوا للقاء الصليبيين، فلحقت به قوات أقل ممن لحقوا به يوم الزلّاقة، فسار بهم إلى حصن لييط وحاصره أربعة أشهر، حاول خلالها اقتحام الحصن مرات، إلا أن الحصن كان كبير الحجم شديد التحصين، خلف جدرانه المنيعة ثلاثة عشر ألف صليبي.
استشعر ابن تاشفين نفاق ملوك الطوائف، وأن بعضهم يكن للصليبيين المودة
بدأت الخلافات تظهر بين ملوك الطوائف المحاصِرين للحصن، فهم لم يعَوِّدُوا أنفسهم على حروب طويلة ورباط في سبيل الله، بعيدا عن قصورهم الفارهة، وجواريهم وقيناتهم، استشعر ابن تاشفين نفاق ملوك الطوائف، واكتشف أن بعضهم يكنّ للصليبيين مودة، ولا يرغب في اقتحام الحصن ولا التوغل في ديار الكفر، وبعد نقص مؤونة جيش المرابطين، وامتناع ملوك الطوائف عن إمداده، قرر ابن تاشفين الانحياز من محيط حصن لييط، وبمجرد انحياز المرابطين من محيط الحصن، أعطى ألفونسو أوامره بإخلائه وحرقه، وفَرَّت قواته مذعورة إلى طليطلة، فاستولى المعتمد على الحصن، وبذلك تخلصت الأندلس من خطر حصن لييط، وقرر ابن تاشفين العودة إلى المغرب بعد أن أرسل أربعة آلاف مجاهد من قواته إلى مدينة بلنسية للدفاع عنها.
قبل أن يرجع ابن تاشفين إلى المغرب، اجتمع مرة أخرى بملوك الطوائف، ونصحهم ووعظهم وقال كلمته المشهورة: "أصلحوا نياتكم، تُكفَوا عدوكم"، إلا أنهم أصموا آذانهم عن كل نصيحة، وعادوا لسابق عهدهم، فهاجمهم ألفونسو من جديد، وطالبهم بدفع الجزية له، فساءت أحوال الأندلس، وعادت مثلما كانت قبل معركة الزلّاقة.
تواردت الأخبار إلى ابن تاشفين عن وضع الأندلس وخضوع أمراء الطوائف للصليبيين، فقرر اجتياز البحر للمرة الثالثة، وخلال عام 483 هـ، سار ابن تاشفين بجيشه إلى أن وصل طليطلة (عاصمة ألفونسو) وحاصرها، لم يشارك أمراء الطوائف -هذه المرة- في جيش المرابطين كما في معركتي الزلاقة وحصن لييط، ولم يساندوه ولم يقدموا له المؤن وما يحتاجه، فاضطر ابن تاشفين لرفع الحصار عن طليطلة لنقص مؤونة جيشه، فنقم على ملوك الطوائف، وأحس بخيانتهم، وتأكد أن بعض ملوك الطوائف أحجموا عن جهاد الصليبيين مجاملة لهم، فقرر وضع حد لمهزلة التفرق والتشرذم، وكثرة الطوائف والفصائل، ولم يكن من دافع يدفعه لجهاد هؤلاء بعد أن ظهرت خيانتهم إلا طاعة لله وغيرة على دينه، وشفقة على المسلمين أهالي الأندلس.
ففتح المرابطون -بفضل الله- مدينة غرناطة بعد حصارها شهرين، وأسر المرابطون ملك غرناطة عميل الصليبيين ابن بلقين، واعتقل المرابطون بعدها تميم بن بلقين أمير مالقة.
■ المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 19
السنة السابعة - الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1437 هـ
من التاريخ:
ابن تاشفين.. يقضي على الطوائف
ويبايع الخليفة القرشي