أسباب عدم الاعتراف بالحق الإنسان ليس معصومًا من الخطأ وهو مطالب بالحق إن كان مخالفًا، والوقوع في ...

منذ 2024-11-22
أسباب عدم الاعتراف بالحق

الإنسان ليس معصومًا من الخطأ وهو مطالب بالحق إن كان مخالفًا، والوقوع في الخطأ ليس عيبًا مثل استمراره عليه إن تبين له، وأحيانًا يعرف الإنسان أنه على خطأ، وأنه مخالف للصواب، ولكن يمنعه موانع من الرجوع للحق، ذكره العلامة المعلمي رحمه الله، وتأملها جيدًا أخي العزيز، قال رحمه الله:
"الأول: أن يرى الإنسان أن اعترافه بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل، فالإنسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه ومعلمه على أنه حق فيكون عليه مدة، ثم إذا تبين له أنه باطل شق عليه أن يعترف بذلك، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجاده أو متبعوه على شيء، ثم تبين له بطلانه، وذلك أنه يرى أن نقصهم مستلزم لنقصه، فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه، حتى أنك لترى المرأة في زماننا هذا إذا وقفت على بعض المسائل التي كان فيها خلاف على أم المؤمنين عائشة وغيرها من الصحابة أخذت تحامي عن قول عائشة، لا لشيء إلا لأن عائشة امرأة مثلها، فتتوهم أنها إذا زعمت أن عائشة أصابت وأن من خالفها من الرجال أخطأوا، كان في ذلك إثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال، فتكون تلك فضيلة للنساء على الرجال مطلقاً، فينالها حظ من ذلك، وبهذا يلوح لك سر تعصب العربي للعربي، والفارسي للفارسي، والتركي للتركي، وغير ذلك. حتى لقد يتعصب الأعمى في عصرنا هذا للمعري! .
الوجه الثاني: أن يكون قد صار في الباطل جاه وشهرة ومعيشة، فيشق عليه أن يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد.
الوجه الثالث: الكبر، يكون الإنسان على جهالة أو باطل، فيجيء آخر فيبين له الحجة، فيرى أنه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص، وأن ذلك الرجل هو الذي هداه، ولهذا ترى من المنتسبين إلى العلم من لا يشق عليه الإعتراف بالخطأ إذا كان الحق تبين له ببحثه ونظره، ويشق عليه ذلك إذا كان غيره هو الذي بين له.
الوجه الرابع: الحسد وذلك إذا كان غيره هو الذي بين الحق فيرى أن اعترافه بذلك الحق يكون اعترافاً لذلك المبين بالفضل والعلم والإصابة، فيعظم ذلك في عيون الناس، ولعله يتبعه كثير منهم، وإنك لتجد من المنتسبين إلى العلم من يحرص على تخطئه غيره من العلماء ولو بالباطل، حسداً منه لهم، ومحاولة لحط منزلتهم عند الناس.
ومخالفة الهوى للحق في العلم والإعتقاد قد تكون لمشقة تحصيلية، فإنه يحتاج إلى البحث والنظر، وفي ذلك مشقة ويحتاج إلى سؤال العلماء والاستفادة منهم وفي ذلك ما مر في الاعتراف ويحتاج إلى لزوم التقوى طلباً للتوفيق والهدى وفي ذلك ما فيه من المشقة.
وقد تكون لكراهية العلم والاعتقاد نفسه وذلك من جهات، الأول ما تقدم في الاعتراف فأنه كما يشق على الإنسان أن يعترف ببعض ما قد تبين له، فكذلك يشق عليه أن يتبين بطلان دينه، أو اعتقاده، أو مذهبه، أو رأيه الذي نشأ عليه، واعتز به، ودعا إليه، وذهب عنه، أو بطلان ما كان عليه آباؤه وأجداده وأشياخه، ولا سيما عندما يلاحظ أنه أن تبين له ذلك تبين أن الذين يطريهم ويعظمهم، ويثنى عليهم بأنهم أهل الحق والإيمان والهدى والعلم والتحقيق، هم على خلاف ذلك، وإن الذين يحقرهم ويذمهم ويسخر منهم وينسبهم إلى الجهل والضلال والكفر هم المحقون، وحسبك ما قصه الله عز وجل من قول المشركين، قال تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] فتجد ذا الهوى كلما عرض عليه دليل لمخالفيه أو ما يوهن دليلاً لأصحابه شق عليه ذلك وأضطرب وأغتاظ وسارع إلى الشغب، فيقول في دليل مخالفيه: هذه شبهة باطلة مخالفة للقطعيات، وهذا المذهب مذهب باطل لم يذهب إليه إلا أهل الزيغ والضلال...، ويؤكد ذلك بالثناء على مذهبه وأشياخه ويعدد المشاهير منهم ويطريهم بالألفاظ الفخمة، والألفاظ الضخمة، ويذكر ما قيل في مناقبهم ومثالب مخالفيهم، وإن كان يعلم أنه لا يصح، أو أنه باطل!
ومن أوضح الأدلة على غلبة الهوى على الناس أنهم -كما تراهم- على أديان مختلفة، ومقالات متباينة، ومذاهب متفرقة، وآراء متدافعة ثم تراهم كما قال الله تبارك وتعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سورة المؤمنون:53].
فلا تجد من ينشأ على شيء من ذلك ويثبت عليه يرجع عنه إلا القليل، وهؤلاء القليل يكثر أن يكون أول ما بعثهم على الخروج عما كانوا عليه أغراض دنيوية.
ومن جهات الهوى أن يتعلق الاعتقاد بعذاب الآخرة فتجد الإنسان يهوى أن لا يكون بعث لئلا يؤخذ بذنوبه، فإن علم أنه لا بد من البعث هوى أن لا يكون هناك عذاب، فإن علم أنه لا بد من العذاب هوى أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قول المرجئة، فإن علم أن العصاة معذبون هوى التوسع في الشفاعة - وهكذا.
ومن الجهات أنه لا شق عليه عمل كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هوى عدم وجوبه، وإذا ابتلي بشيء يشق عليه أن يتركه كشرب المسكر هوى عدم حرمته. وكما يهوى ما يخفف عليه فكذلك يهوى ما يخفف على من يميل إليه، وما يشتد على من يكرهه، فتجد القاضي والمفتي هذه حالهما. ومن المنتسبين إلى العلم من يهوى ما يعجب الأغنياء وأهل الدنيا، أو ما يعجبه العامة ليكون له جاه عندهم وتقبل عليه الدنيا، فما ظهرت بدعة، وهو يها الرؤساء والأغنياء وأتباعهم إلا هويها وانتصر لها جمع من المنتسبين إلى العلم، ولعل كثيراً ممن يخالفها إنما الباعث لهم عن مخالفتها هوى آخر وافق الحق، فأما من لا يكون له هوى إلا إتباع الحق فقليل، ولا سيما في الأزمنة المتأخرة، وهؤلاء القليل يقتصرون على أضعف الإيمان، وهو الإنكار بقلوبهم والمسارة به فيما بينهم، إلا من شاء الله".
[القائد إلى تصحيح العقائد (ص: 12-15)]
  • 0
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً