عندما ملك الأرضَ أهلُ الرفض الدولة الحَمْدانية • بدأ أمر الحمدانيين بتمرد على الدولة العباسية ...
منذ 2024-12-13
عندما ملك الأرضَ أهلُ الرفض الدولة الحَمْدانية
• بدأ أمر الحمدانيين بتمرد على الدولة العباسية فبدؤوا مؤامراتهم بالتعاون مع هارون الشاري الخارجي، وسرعان ما وقع قائدهم حمدان أسيرا بيد العباسيين وسُجن في بغداد فقام الحسين بن حمدان على رأس جيش وأغار على جيش هارون الخارجي قرب الموصل، فهزم الحمدانيون الخوارجَ، وأسروا حليفهم السابق هارون الخارجي قرب الموصل، وسلَّموه للعباسيين في بغداد فعفا الخليفة العباسي عن الحمدانيين بعد قضائهم على أعدائه الخوارج وأفرج عن سيدهم حمدان.
بعد التصالح بين العباسيين والحمدانيين قام الحمدانيون بأداء دور المناصر للدولة العباسية المدافعين عن حوزتها المحاربين لأعدائها، فانخدع العباسيون بالحمدانيين، وانطلت عليهم التقية التي هي دين الرافضة ففي كتبهم «من لا تقية له، لا دين له»، فدخل الحمدانيون بغداد، واستقبلهم الخليفة العباسي وأعطى لقب «ناصر الدولة» للحسن بن حمدان، ولقَّب أخاه عليّاً «سيف الدولة» في شعبان من عام 330 هـ وتولى «ناصر الدولة» إمرة الأمراء في بغداد، وهو منصب تنفيذي كبير، لطالما استأثر به الأتراك السنة الذين كان لهم نفوذ في البلاط العباسي حينذاك، وصل حد عزل وتعيين خلفاء والله المستعان.
لم يستقر الحمدانيون كثيراً ببغداد بسبب الاضطرابات الداخلية وقراراتهم التي جلبت عليهم سخط أهل بغداد، وزياداتهم في الضرائب والأسعار، ما مهد الطريق أمام عودة الأتراك إلى بغداد بقيادة توزون، مستغلين سفر ناصر الدولة إلى الموصل، فاستعادوا منصبهم «إمرة الأمراء» سنة 331 هـ، ولم يستطع زعماء الحمدانيين البقاء في بغداد واضطروا للعودة إلى الموصل.
تطلع سيف الدولة بعد خروج الحمدانيين من بغداد إلى القيام بحملة عسكرية يدفعه لها طمعٌ في توسيع حدود دولته الباطنية، فسار سنة 333 هـ إلى شمال بلاد الشام، فاحتلت قواته مدينة حلب، وأخرج منها حاكمها التابع للدولة الإخشيدية، الحاكمة حينذاك لمصر والشام، رافعا شعار محبة آل البيت، مخفيا ومبطنا حقيقته الرافضية.
وكما وقفنا في حلقاتنا السابقة، عند حديثنا عن تاريخ ملوك الطوائف في الأندلس، فليس كل من يحارب الصليبيين يكون مقصده نصرة الإسلام، فقد حارب الصليبيون في الأندلس دويلات طوائف، واقع أغلب حكامها الردة، وكذلك الأمر مع الحمدانيين، الذين وجدوا أنفسهم بحكم موقعهم الجغرافي المتاخم لآسيا الصغرى، في مواجهة مباشرة مع الروم البيزنطيين، وقد امتدت الحروب بين البيزنطيين والحمدانيين من عام 337 إلى سنة 351 هـ، تلك السنة التي شهدت احتلال الصليبيين حلب، وارتكابهم المجازر في حق أهلها.
وما يعزز القول بأن القتال بين الحمدانيين والبيزنطيين كان من أجل توسيع حدود كل طرف، فالحمدانيون حاربوا كل جيرانهم، سواء كانت دولا سنية أو صليبية أو حتى رافضية على دينهم، حيث كانت نهاية الدولة الحمدانية على يد الدولة العبيدية الإسماعيلية (التي يسميها بعض المؤرخين بالفاطمية، نسبة لفاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي منهم براء) سنة 399 هـ.
يقول ابن كثير عن ذلك الوقت: «وقد امتلأت البلاد رفضا وسبا للصحابة من بني بويه وبني حمدان والفاطميين وكل ملوك البلاد مصرا وشاما وعراقا وخراسانا، وغير ذلك من البلاد كانوا رفضا، وكذلك الحجاز وغيره وغالب بلاد المغرب فكثر السب والتكفير منهم للصحابة».
نعم، هذا ما نقله إلينا المؤرخ ابن كثير عن حقيقة الدولة الحمدانية الرافضية، التي اعتنق جمع غفير من أهل حلب دين الرفض في زمانها -كما أشارت بعض الروايات التاريخية- وفي زمانها استفشى سب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- وتكفيرهم، وقد وجدت الدولة الحمدانية علماء سوء يمجّدونها ويجمّلونها، ويضفون عليها الشرعية، ووجدت أيضا شعراء برعوا في المدح والتملق للسلاطين، كأبي الطيب المتنبي، وابن عمهم أبي فراس الحمداني.
تَغَنَّت الدولة الحمدانية المحتلة أرض الشام بشعارات «المقاومة» و«الممانعة» وحمايتها بلاد العرب والمسلمين في مواجهة الروم البيزنطيين، وشعارات «العروبة» في مواجهة «الشعوبية» والنفوذ السياسي المتزايد للأعاجم، سواء داخل البلاط العباسي أو على صعيد دويلاتهم الناشئة، وشعارات محبة آل البيت رضوان الله عليهم ونصرتهم -كذا زعموا- في مواجهة الناصبة، وعموم أهل السنة نواصب في دين الرافضة.
فهذا التاريخ، وذي دروسه، فهل من معتبر؟
هذا وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 24
السنة السابعة - الثلاثاء 19 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقال:
عندما ملك الأرضَ أهلُ الرفض الدولة الحَمْدانية
• بدأ أمر الحمدانيين بتمرد على الدولة العباسية فبدؤوا مؤامراتهم بالتعاون مع هارون الشاري الخارجي، وسرعان ما وقع قائدهم حمدان أسيرا بيد العباسيين وسُجن في بغداد فقام الحسين بن حمدان على رأس جيش وأغار على جيش هارون الخارجي قرب الموصل، فهزم الحمدانيون الخوارجَ، وأسروا حليفهم السابق هارون الخارجي قرب الموصل، وسلَّموه للعباسيين في بغداد فعفا الخليفة العباسي عن الحمدانيين بعد قضائهم على أعدائه الخوارج وأفرج عن سيدهم حمدان.
بعد التصالح بين العباسيين والحمدانيين قام الحمدانيون بأداء دور المناصر للدولة العباسية المدافعين عن حوزتها المحاربين لأعدائها، فانخدع العباسيون بالحمدانيين، وانطلت عليهم التقية التي هي دين الرافضة ففي كتبهم «من لا تقية له، لا دين له»، فدخل الحمدانيون بغداد، واستقبلهم الخليفة العباسي وأعطى لقب «ناصر الدولة» للحسن بن حمدان، ولقَّب أخاه عليّاً «سيف الدولة» في شعبان من عام 330 هـ وتولى «ناصر الدولة» إمرة الأمراء في بغداد، وهو منصب تنفيذي كبير، لطالما استأثر به الأتراك السنة الذين كان لهم نفوذ في البلاط العباسي حينذاك، وصل حد عزل وتعيين خلفاء والله المستعان.
لم يستقر الحمدانيون كثيراً ببغداد بسبب الاضطرابات الداخلية وقراراتهم التي جلبت عليهم سخط أهل بغداد، وزياداتهم في الضرائب والأسعار، ما مهد الطريق أمام عودة الأتراك إلى بغداد بقيادة توزون، مستغلين سفر ناصر الدولة إلى الموصل، فاستعادوا منصبهم «إمرة الأمراء» سنة 331 هـ، ولم يستطع زعماء الحمدانيين البقاء في بغداد واضطروا للعودة إلى الموصل.
تطلع سيف الدولة بعد خروج الحمدانيين من بغداد إلى القيام بحملة عسكرية يدفعه لها طمعٌ في توسيع حدود دولته الباطنية، فسار سنة 333 هـ إلى شمال بلاد الشام، فاحتلت قواته مدينة حلب، وأخرج منها حاكمها التابع للدولة الإخشيدية، الحاكمة حينذاك لمصر والشام، رافعا شعار محبة آل البيت، مخفيا ومبطنا حقيقته الرافضية.
وكما وقفنا في حلقاتنا السابقة، عند حديثنا عن تاريخ ملوك الطوائف في الأندلس، فليس كل من يحارب الصليبيين يكون مقصده نصرة الإسلام، فقد حارب الصليبيون في الأندلس دويلات طوائف، واقع أغلب حكامها الردة، وكذلك الأمر مع الحمدانيين، الذين وجدوا أنفسهم بحكم موقعهم الجغرافي المتاخم لآسيا الصغرى، في مواجهة مباشرة مع الروم البيزنطيين، وقد امتدت الحروب بين البيزنطيين والحمدانيين من عام 337 إلى سنة 351 هـ، تلك السنة التي شهدت احتلال الصليبيين حلب، وارتكابهم المجازر في حق أهلها.
وما يعزز القول بأن القتال بين الحمدانيين والبيزنطيين كان من أجل توسيع حدود كل طرف، فالحمدانيون حاربوا كل جيرانهم، سواء كانت دولا سنية أو صليبية أو حتى رافضية على دينهم، حيث كانت نهاية الدولة الحمدانية على يد الدولة العبيدية الإسماعيلية (التي يسميها بعض المؤرخين بالفاطمية، نسبة لفاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي منهم براء) سنة 399 هـ.
يقول ابن كثير عن ذلك الوقت: «وقد امتلأت البلاد رفضا وسبا للصحابة من بني بويه وبني حمدان والفاطميين وكل ملوك البلاد مصرا وشاما وعراقا وخراسانا، وغير ذلك من البلاد كانوا رفضا، وكذلك الحجاز وغيره وغالب بلاد المغرب فكثر السب والتكفير منهم للصحابة».
نعم، هذا ما نقله إلينا المؤرخ ابن كثير عن حقيقة الدولة الحمدانية الرافضية، التي اعتنق جمع غفير من أهل حلب دين الرفض في زمانها -كما أشارت بعض الروايات التاريخية- وفي زمانها استفشى سب صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- وتكفيرهم، وقد وجدت الدولة الحمدانية علماء سوء يمجّدونها ويجمّلونها، ويضفون عليها الشرعية، ووجدت أيضا شعراء برعوا في المدح والتملق للسلاطين، كأبي الطيب المتنبي، وابن عمهم أبي فراس الحمداني.
تَغَنَّت الدولة الحمدانية المحتلة أرض الشام بشعارات «المقاومة» و«الممانعة» وحمايتها بلاد العرب والمسلمين في مواجهة الروم البيزنطيين، وشعارات «العروبة» في مواجهة «الشعوبية» والنفوذ السياسي المتزايد للأعاجم، سواء داخل البلاط العباسي أو على صعيد دويلاتهم الناشئة، وشعارات محبة آل البيت رضوان الله عليهم ونصرتهم -كذا زعموا- في مواجهة الناصبة، وعموم أهل السنة نواصب في دين الرافضة.
فهذا التاريخ، وذي دروسه، فهل من معتبر؟
هذا وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 24
السنة السابعة - الثلاثاء 19 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقال:
عندما ملك الأرضَ أهلُ الرفض الدولة الحَمْدانية