بسم الله الرحمن الرحيم الإيمان وأثره في إصلاح النفوس الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

منذ 2024-12-22
بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان وأثره في إصلاح النفوس
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معزُّ من أطاعَه واتقاه، ومُذلُّ من خالَفَ أمرَه وعصَاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له لا معبودَ بحقٍّ سِواه، ومن تَوَكَّلَ عليه كفاه، من اعتمَدَ على مالِه قل، ومن اعتمَدَ على سُلطانِه زَل، ومن اعتمَدَ على عقلِه اختل، ومن اعتمَدَ على علمِه ضل، ومن اعتمَدَ على الله فلا قل ولا زلَّ ولا اختل ولا ضل، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه، بلغَ الدُّجَى بكمالِه وأنارَ الكونَ بجمالِه حسُنَت جميعُ خِصالِه صلُّوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاتِل ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون).
أما بعد، فإن أصدقَ الحديث كلام الله وخيرَ الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمور مُحدثاتُها وكل مُحدثةٍ بِدعة وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدع والضلالات آمين اللهم آمين،
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن بناءَ المدارس والسُّدود والمستشفيات والمشاريع الكبيرة أسهل بكثير من بناء الإنسان، أسهل بكثير من بناء الإنسان السويِّ المُستقيم المُتحكِّم على شهوته، فبناءُ الإنسان صعبٌ جدًّا إخوة الإيمان، فالإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يصنعُ المُعجِزات، الإيمانُ بالله عز وجل له أثرٌ عظيمٍ في تغيير النفوس.
عباد الله، دعونا نعيشُ وإياكم دقائق معدودة مع نَماذِجَ، الإيمانُ غيَّرَ من أخلاقِهم، الإيمانُ غيَّرَ من سُلوكِهم غيَّرَ من عقائِدِهم، والله لا يُسعِدُ النفس ولا يُزكِّيها ولا يُذهِبُ همَّها وغمَّها وألمَها إلا الإيمان بالله رب العالمين، الإيمانُ بالله عز وجل هو الذي يُغيِّرُ النفوس، هو الذي يصنعُ المُعجِزات، نحن نعيشُ أزمات وراء أزماتٍ، وأزمات سببُها الأكبر ضعفُ الإيمان، تفرُّق وتشرذم وتشتت، السبب الأكبر هو ضعفُ الإيمان، هو البُعد عن الله عز وجل.
معاشر المسلمين الموحدين، دعونا نعيش مع نماذج كيف غيَّرَهم هذا الإيمان، مع سحرة فرعون، هل أتاكم حديثُ سحرة فرعون الذين قالَ لهم فرعون كما قال الله عز وجل وهو يتحدَّث عن سحرة فرعون وهم يتحاورون مع فرعون: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ *** قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}[الشعراء: 41-42].
عندما عرفوا أن ما جاء به موسى هو الحق سجَدوا لله عز وجل وقالوا آمَنَّا بربِ هارون وموسى، قبل الإيمان {أئن لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالِبين}، بعد الإيمان هدَّدهم فرعون، قال تعالى: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ}[طه:71] ماذا كان الجواب؟ {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه:72]، أنت يا فرعون مهما تكبرت، ومهما تعالِيت، ومهما بلَغَت من القوة مبلغًا عظيمًا، فأنت ستنتهي وستزول، وهكذا كلُّ متكبرٍ على وجه الأرض سيزول، وسيقِفُ بين يدَي الله وحيدا فريدا، لا مالَ ينفعُه، لا حرس، لا حشَم، لا قبيلة، ولا شيء ينفعُه.
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: 94].
الخنساء تُنعِي أخاها صخراً قبل الإسلام، انظُروا إلى حالِها قبل الإسلام، تقول:
يُذَكِّرُني طُلوعُ الشَمسِ صخرا وأذكره لِكُلِّ غُروبِ شمس ولولا كَثرَةُ الباكينَ حولي على إِخوانِهِم لَقَتَلتُ نَفسي.
هذا قبل الإسلام، فتصيح وتُولول وتشقُّ جيبَها، وتضرِب وجهَها باكيةً على أخيها صخر، انظُروا إلى حالها بعد الإسلام، بعد أن هداها الله عز وجل، وبعد أن دخلَت في دين الله عز وجل، تُقدِّم أربع من فلذات أكبادها في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه، هناك في المعركة، وتقول لهم: "إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، ثم تلت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200]، وقالت "فإن رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، وقال لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "ألم يطل بكاؤك على أخويك؟" فردت عليه "بكيتهما في الجاهلية حبا لهما وحسرة على فراقهما، وبعد ما أسلمت أشفقت عليهما من النار لأنهما ماتا في جاهلية، ولما بلغها استشهاد أبنائها الأربعة في معركة القادسية قالت "الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته".
انظُروا إلى الإيمان كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان، بالعقيدة،، ربَّى النبي أصحابَه في العهد المكي على توحيد الله، على الثقة بالله، على الإيمان بالله عز وجل.
بلال رضي الله عنه عندما دخل الإيمان إلى قلبه، أصبح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له النبي: ( يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي أن أصلي). متفق عليه
بلال عندما وضِعَ في الأرض بعد أن آمنَ بالله عز وجل فيأتيه أميَّة فيضربُه ويضعُ صخرة في وقت الحر في أيام الصيف هناك في صحراء مكة صخرةً على صدره ويقول له اكفُر بمحمد، فيتفل على وجهه ويقول: أحدٌ، والله لو كان هناك كلمةٌ غيرُها أغيظُك بها لقُلتُها أحدٌ أحد، بعد أن عذِّب سألُه بعض الصحابة، يا بلال: ما هذا الصبر؟ ما هذا التحمُّل؟ قال: مزجُت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فطَغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب، لأنه يعلم أن ما عند الله خيرٌ وأبقَى.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروا فيا فوزَ المُستغفِرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده، وبعد:
أيها الأحبة في الله، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عاش في الجاهلية جلداً صلباً صلداً وكان غليظاً فظاً، وكان أبوه الخطاب على نفس خلقه فظاً غليظاً، وكان خاله أغلظ من أبيه وهو أبو جهل عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جلداً في الجاهلية، وكان سفيراً لقريش في الأحداث أو الاختلاف بين القبائل أو الحروب، ولكنه كان مغموراً أيضاً في قريش، انظُروا عندما دخل الإيمان إلى قلبه وآمنَ بالله ربَّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، يصعدُ على المنبر فتُقرقِرُ بطنَه، تُقرقِرُ بطنَه وهو أميرُ المؤمنين، فيقولُ: قرقِري أو لا تُقرقِري والله لن تشبَعي حتى يشبَع أبناء المسلمين، الله أكبر..، حتى يشبَع أبناء المسلمين، بل يقولُ ذات يوم: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلح لها الطريق يا عُمر، سقطت، أما اليوم أمةُ تباد هناك على أرض فلسطين، وهناك أمةُ تباد على أرض السودان، وفي كل مكان، ولا أحد يُحرِّك ساكِنًا إنه ضعف الإيمان، إنه الخور، إنه الجُبن، إنه الخوف من الأعداء أكثر من خوفهم من الله سبحانه وتعالى، لكن الرعيل الاول علِموا علمًا يقينيًّا أنهم سيقِفون بين يدي الله وأن الله سيسألهم عن كل صغيرة وكبيرة، عمر يبكي ويقول: والله لو أنَّ بغلةً سقطت في العراق لسألني الله لم لم تُصلِح لها الطريق يا عُمر؟!.
عباد الله، انظُروا إلى الإيمان كيف يصنع النفوس، كيف يُغيِّر النفوس، ولذلك إخواني الكرام، إذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا، ينبغي أولًا قبل كل شيء، أن نستعين بالله عز وجل، أن ندعوا الله عز وجلل، ونقول: اللهم حبِّب إلينا الإيمان زيِّنه في قلوبنا كرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اجعلنا من الراشدين، ندعوا الله دائمًا بأن يُحسِّن إلينا الأخلاق، بأن يحبِّب إلينا الإيمان، الدنيا فانية كلُّنا سنموت، كلُّنا سنرحَل،. كل يوم نجد أربع جنازات خمس جنازات في بلدٍ صغير، فكيف حال الدول الأخرى، ماذا قدَّمنا لآخرتنا يا أخواني؟ ماذا قدَّمنا إذا وقفنا بين أيدي الله عز وجل؟
فلابد أن نُصلِح أنفسنا، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم}[الرعد:11].
عباد الله، نبدأ بأسرنا إخوة الإيمان، نبذُل المُستطاع، أُمَّة تُبَاد ونحن في ذل، ونحن في انحطاط، إلا من رحمَ الله، في ضعفٍ شديد، ونحن في بُعد عن الله، وإلا يا أخواني، الله وعد المؤمنين بوعود كثيرة، منها: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47]، إ{ِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: 38]، الله لا يُخلف وعده، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، فإذا حقَّقنا الإيمان، دافعَ الله عنَّا، إذا حققنا الإيمان نصرنا الله، أيَّدنا جلَّ جلاله، وإذا أردنا أن نُغيِّر ما بأنفسنا ينبغي أن نجلس مع أهل الإيمان، مع أهل الطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخالل).؛أبو داود والترمذي وأحمد
نحن في زمن الفتن، ما أحوجنا أن نجلس مع الصالحين الذين يذكرون بالله عز وجل، الرسول يقول: (بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا ، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا). رواه مسلم وغيره، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
  • -1
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً