شهر رجب.. بين السنة والبدعة لقد جعل الله للعبادات مواسم يزداد فيها الأجر لمن عمل بها، بل من ...

منذ يوم
شهر رجب.. بين السنة والبدعة

لقد جعل الله للعبادات مواسم يزداد فيها الأجر لمن عمل بها، بل من العبادات ما لا يصح أداؤه إلا في أوقات معينة كالصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصيام رمضان، وحج البيت الحرام، وقد وردت فضائل هذه المواسم في أدلة من الكتاب والسنة، ما يغني عن الأخذ بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، التي جاء فيها أخبار عن زيادة الأجر في أيام وليال معينة أو شهور محددة من السنة، وتحديد لنوع العبادات المخصصة لكل منها، بل وابتداع عبادات لا أصل لها وربطها بهذه المواسم، ومنها شهر رجب الذي كثرت الأخبار الواردة في فضائله مما لا يصح.

فترى الناس قد اعتادوا على عادات وأعمال يؤدونها في شهر رجب ظنا منهم أنها من الدين، فتراهم ابتدعوا صلاة وسموها «صلاة الرغائب»، يصلونها في أول ليلة جمعة من شهر رجب، وتراهم يخصصون أياما معينة للصيام فيه، وتراهم يذبحون في رجب الذبائح، ومنهم من لا يخرج زكاته إلا في شهر رجب... إلخ.

ولندع الحافظ ابن حجر العسقلاني يتحدث لنا عن ذلك، حيث قال في «تبيين العجب بما ورد في شهر رجب» ما ملخصه:

«تكرر سؤال جماعة من الإخوان: هل صح شيء في فضائل شهر رجب؟ فسطرت هذه الأوراق فيما وصلت إليه بحسب العجلة، فأقول: لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله، صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين) فكيف بمن عمل به!»

أما الأحاديث الواردة في فضل رجب، فهي إما ضعيفة أو موضوعة، ومنها:

- حديث: «إن في الجنة نهرا يقال له: رجب، ماؤه الرحيق، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أعده الله لصوام رجب».

- حديث: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان».

- حديث: «رجب لا يقارنه من الأشهر أحد، ولذلك يقال له: شهر الله الأصم، وإن رجبا شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. فمن صام من رجب يوما إيمانا واحتسابا استوجب رضوان الله الأكبر، وأسكنه الفردوس الأعلى، ومن صام من رجب يومين فله من الأجر ضعفان، ومن صام من رجب ثلاثة أيام جعل الله بينه وبين النار خندقا، ومن صام من رجب أربعة أيام عوفي من البلاء، ومن الجذام، والجنون والبرص، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن صام من رجب خمسة أيام وقي عذاب القبر».

- حديث: «كان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها، فكان الناس يأمنون وتأمن السبل ولا يخافون بعضهم بعضا حتى ينقضي».

- حديث: «من فرج عن مؤمن كربة في رجب أعطاه الله تعالى في الفردوس قصرا مد بصره، أكرموا رجبا يكرمكم الله بألف كرامة».

- حديث: «رجب من أشهر الحرم، وأيامه مكتوبة على أبواب السماء السادسة، فإذا صام الرجل منه يوما، وجود صومه بتقوى الله، نطق الباب ونطق اليوم، فقالا: يا رب اغفر له، وإذا لم يتم صومه بتقوى الله لم يستغفرا له».

- حديث: «من صام يوما من رجب، وصلى فيه أربع ركعات، يقرأ في أول ركعة مائة مرة آية الكرسي، وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد مائة مرة، لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة، أو يرى له».

- حديث: «رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي».

- حديث: «من صلى ليلة النصف من رجب، أربع عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات فإذا فرغ من صلاته صلى علي عشر مرات، ثم يسبح الله ويحمده، ويكبره ويهلله ثلاثين مرة، بعث الله إليه ألف ملك، يكتبون له الحسنات، ويغرسون له الأشجار في الفردوس».

- حديث: «أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر رجب، شهر الله، الأصم، تضاعف فيه الحسنات، وتستجاب فيه الدعوات، ويفرج عن الكربات، لا يرد فيه للمؤمنين دعوة، فمن اكتسب فيه خيرا ضوعف له فيه أضعافا مضاعفة، والله يضاعف لمن يشاء. فعليكم بقيام ليله، وصيام نهاره، فمن صلى في يوم فيه خمسين صلاة يقرأ في كل ركعة ما تيسر من القرآن، أعطاه الله من الحسنات بعد الشفع والوتر، وبعد الشعر والوبر، ومن صام يوما منه كتب له به صيام سنة».

- حديث: «في رجب ليلة يكتب للعامل فيها حسنات مائة سنة، وذلك لثلاث بقين من رجب، فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن، يتشهد في كل ركعتين، ويسلم في آخرهن، ثم يقول: سبحان الله ولا إله إلا الله، والله أكبر، مائة مرة، ويستغفر مائة مرة، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة مرة ويدعو لنفسه بما شاء من أمر دنياه وآخرته، ويصبح صائما، فإن الله يستجيب دعاءه كله، إلا أن يدعو في معصية».

- حديث: «من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرا، وهو اليوم الذي هبط فيه جبريل بالرسالة».

هذه نبذة من العديد من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمكذوبة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه «كان ينهى عن صيام رجب كله لكيلا يتخذ عيدا»، ومثل هذا ما روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه، ويقول: «إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه»، فهذا النهي منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية.

أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، كمن يصوم صوم داود -عليه السلام- أو لا يدع صيام الاثنين والخميس عموما -من غير أن يخص من رجب أياما معينة يواظب على صومها، ظانا أن ذلك سنة، أو يعتقد أن الصيام في رجب أفضل من الصيام في غيره- فهذا لا بأس به.

وروي عن أزهر بن سعيد، عن أمه، أنها دخلت على عائشة، رضي الله عنها، فذكرت لها أنها تصوم رجب، فقالت عائشة، رضي الله عنها: «صومي شعبان، فإن فيه الفضل»، والله أعلم.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 26
السنة السابعة - الثلاثاء 4 رجب 1437 هـ

مقال:
شهر رجب.. بين السنة والبدعة

66827433edad6

  • 1
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً