بسم الله الرحمن الرحيم لماذا صلاح القلب؟ الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ...
منذ 21 ساعة
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا صلاح القلب؟
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المُهتَد، ومن يُضلِل فلن تجدَ له وليًّ مُرشِدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبِه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]، أما بعد فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله وخيرَ الهدِي هدِي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكل مُحدَثةٍ بِدعةٍ، وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدَع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، سؤالٌ أطرَحُه على حضاراتِكم لنُجيبَ عليه في هذه الدقائق المعدودة لماذا صلاحُ القلب؟ لماذا القلب؟ لماذا الاهتِمام بالقلب؟ لماذا العناية بالقلب؟ ما أحوَجَنا معاشرَ المسلمين أن نقِف مع هذا السؤال، وينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال في كل وقت وفي كل حين،، لماذا العناية بالقلب؟ الاهتِمام بالقلب له أهميةٌ عظيمة كيف لا نهتم به،. والأنبياء والصالحون اهتمُوا بالقلب اهتِمامًا كبيرًا، هذا رسولُنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينِك وكان يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا في سمعي نورًا في بصري نورًا، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم آتِ نفسِ تقواها زكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، وعلَّم أصحابَه عليه الصلاة والسلام.
أحدُ السلَف يقول: وَاللَّهِ مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، "أبو بكر الذي قال عنه عُمرُ: لو أن إيمانَ أبي بكرٍ في كفَّة وإيمانَ الأمة في كفَّة لرجَحَ إيمانُ أبي بكر" أبوبكر رضي الله عنه أول المُبشَّرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه ومع هذا يقول أحدُ السلف: "والله ما سبَقَكم أبو بكرٍ بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيءٍ وقرَ في القلب" وقرَ في القلب حبُّ الله، تعظيم الله ،تعظيم هذا الدين، الخوفُ من الله، الوجَل، الخشية، المُراقبة، الإنابة، التوكل، كلُّ هذا محلُّه القلب، فالقلب إذا لم يصلُح، فهو سبب كل مصيبة في هذه الأرض ،عندما نرى السرِقات تنتشر، والشحناء بين المُسلمين والبغضاء وقطعُ الأرحام وإيذاء المُسلمين وغير ذلك من الأعمال سببُها فسادُ القلب وفسادُ النيَّة.
لماذا القلب إخوة الإيمان؟ لماذا ينبغي أن نُصلِح هذا القلب؟ لأن القلب هو موضعُ النيَّة، فالنيَّة هي أساسُ قبول الأعمال، فلا يُقبَل أيُّ عملٍ إلا بالنيَّة، من شروط الوضوء النيَّة، من شروط الصلاة النيَّة، أي شيء تعمله لا بد من نية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح من حديث عمر قال: (إنما الأعمال بالنيَّات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه فهجرتُه إلى الله ورسولِه ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه) متفق عليه، فالقلب هو موضعُ النيَّة، والنيَّة هي أساسَ الأعمال، يقول أحد السلف: "ربَّ عملٍ صغير تُعظِّمُه النيَّة وربَّ عملٍ كبير تُصغِرُه النيَّة"، كما قال الله عن الكفار ﴿وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣].
لماذا القلب؟ لأن القلب موضعُ نظر الله جل جلاله الله ينظر إلى قلبك يا ابن آدم، ينبغي أن تتعهد هذا القلب حتى إذا نظر الله إلى قلبك، وجد فيه الحب والخوف منه وتعظيمه، وجد المحبة وجد الصدق وجد الإيمان، كما في الحديث الصحيح قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ) رواه مسلم.
فلماذا القلب؟ لأن القلب موضع نظر الله عز وجل، جل جلاله، ولهذا قال سبحانه، وهو يُبيِّن على أن من اهتم بقلبه وأصلح قلبه هو من المسارعين، وهو من المُقرَّبين إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ﴾ [المؤمنون ٥٧]، من أين تأتي الخشية والخوف من القلب إذا لم يصلح القلب؟ {إن الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:57-60].
معاشر المسلمين لماذا القلب؟ لأن القلب إذا صلُح صلُحَت الأعمال وصلُحَت الجوارِح، وإذا فسدَ القلب فسدَت الأعمال، وفسدَت الجوارِح نعم إخوة الإيمان، في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مُضغَة إذا صلُحت صلُحَ الجسد كله وإذا فسدَت فسدَ الجسد كله ألا وهي القلب). متفق عليه فصلاح القلب طريقٌ إلى صلاح الأعمال، وسبب إلى صلاح الأعمال، ولهذا الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيحسنُ الوضوءَ ويُصلِّي ركعتَينِ يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما إلا وجبتْ له الجنَّةُ). رواه مسلم
لماذا الاهتمام بالقلب؟ ولماذا هذا القلب؟ لماذا صلاح القلب؟ لأن صاحب القلب معرض للفتن والمحن ، فيحتاج إلى صقل، يحتاج إلى إصلاح دائماً، إذا كان صاحب القلب فاسِدا لا يتحمَّل الفتن يزيغ، يضل يبتعد، يدور مع الفتن حيث دارَت، لا يثبُت أبداً، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه).
فالقلب يحتاج دائمًا إلى عناية لأنه عُرضة للفتن.
لماذا القلب؟ لأن القلب إذا أصلحناه وكان سليمًا نفعَنا يوم القيامة يوم الحسرة والندامة ، لا ينفعُ الإنسان لا المال ولا الجاه ولا السلطان ولا العشيرة ولا القبيلة في ذلك اليوم إلا من كان قلبُه سليمًا، إلا من كان قلبُه صحيحا، سليم من الشرك، من الغل من الحق من الحسد من البغضاء، ولهذا كان من دعاء أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم أنه قال كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ [الشعراء ٨٧]، ما أحوجنا إلى هذا الدعاء؟ أعظم خزي هو الخزي يوم القيامة، وأعظم حسرة هي حسرة يوم القيامة، يوم لا ينفعُ الندم، ويوم لا تنفع الحسرة؛ قال الله عز وجل حاكيًا عن أبينا إبراهيم الخليل قال: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ ﴿یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ﴾ [الشعراء:88-89] إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأموال والأولاد لا تُقرِّبنا من الله عز وجل أبداً، لا تُقرِّبنا إذا لم يُوجِد هناك إيمان وقلب سليم صحيح، قال تعالى:﴿وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ﴾ [سبأ ٣٧].
إخوة الإيمان؟ لماذا الاهتمام بالقلب؟ لأن القلب هو موضع التذكر موضع الخشية، إذا لم يُوجِد قلب صحيح، ففمهما خطب الخطباء، ومهما وعظ الوعاظ، لا يتأثر أبداً، لكن إذا صلح القلب تجد المسلم يتأثر من كلام الله، يتأثر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ﴾ [الأعلى ١٠]، وقال: ﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ﴾ [ق ٣٧]، إذا أردت أخي المسلم أن تكون من المفلحين وأن يتقبل الله صلاتك،. لابد أن تخشع، والخشوع من القلب، والمصلي الذي يخشع في صلاته يكون من المفلحين؛ قال الله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ﴾ [المؤمنون:1- ٢].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
إخوة الإيمان، لا شك أن كل واحد منا يتمنى أن يكون قلبه صحيحاً، أن يكون قلبه سليماً، ينبغي أخي المسلم أن تتعاهد، وأن نتعاهد جميعاً هذا القلب بكثرة الاستغفار والتوبة الصادقة ، أعظم وسيلة وأفضل وسيلة لإصلاح القلوب كثرة الاستغفار يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنه لا يغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة). رواه مسلم
فلنكثر من ذكر الله لتطمئن قلوبنا، وحتى يا إخواني لا نكون من الذين قال الله عنهم: ( فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر ٢٢]، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، فلنكثر من ذكر الله عز وجل لتطمئن القلوب، كذلك إخوة الإيمان حتى تصلح حال القلوب، ينبغي أن نكثر من الدعاء، أن نكثر من الدعاء بأن يصلح الله عز وجل قلوبنا، كان النبي دائماً يقول:( يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك).
اللهم آتِ نفوسنا تقوَها اللهم آتِ نفوسنا تقوَها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّها، أنت ولي ومولاها، اللهم أصلِح قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير واجعَل الموتَ راحةً لنا من كل شر، اللهم أبرِم لأمة محمدٍ أمرَ رشد يُعزُّ في أهلُ طاعتِك ويُهدَى في أهلُ معصيتِك ويُذلُّ فيها أعداءُ دينِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصُر عبادك المُستضعفين في كل مكان اللهم انصُر عبادك المظلومين والمُضطهدين في فلسطين، اللهم عليك بالمُتآمِرين على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والمنافقين، اللهم أرِنَا فيهم عجَابَ قُدرتِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ديننا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فاشغله بنفسه اجعل تدبيره في تدميره رد كيده إلى نحره يا من أنت على كل شيء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين غيث الإيمان في قلوبنا وغيث الرحمة في أوطاننا يا من أنت على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
إن الله يأمركم بثلاث فقوموا بها وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة..
لماذا صلاح القلب؟
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله نحمده تعالى ونستعين به ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المُهتَد، ومن يُضلِل فلن تجدَ له وليًّ مُرشِدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيُّه من خلقِه وخليلُه صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبِه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]، أما بعد فإن أصدقَ الحديث كلامُ الله وخيرَ الهدِي هدِي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدَثاتُها، وكل مُحدَثةٍ بِدعةٍ، وكل بِدعةٍ في الدين ضلالة أجارَني الله وإياكم من البِدَع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله، سؤالٌ أطرَحُه على حضاراتِكم لنُجيبَ عليه في هذه الدقائق المعدودة لماذا صلاحُ القلب؟ لماذا القلب؟ لماذا الاهتِمام بالقلب؟ لماذا العناية بالقلب؟ ما أحوَجَنا معاشرَ المسلمين أن نقِف مع هذا السؤال، وينبغي أن نسأل أنفسنا هذا السؤال في كل وقت وفي كل حين،، لماذا العناية بالقلب؟ الاهتِمام بالقلب له أهميةٌ عظيمة كيف لا نهتم به،. والأنبياء والصالحون اهتمُوا بالقلب اهتِمامًا كبيرًا، هذا رسولُنا صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينِك وكان يقول: اللهم اجعل في قلبي نورًا في سمعي نورًا في بصري نورًا، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: اللهم آتِ نفسِ تقواها زكِّها أنتَ خيرُ من زكَّاها، وعلَّم أصحابَه عليه الصلاة والسلام.
أحدُ السلَف يقول: وَاللَّهِ مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ، "أبو بكر الذي قال عنه عُمرُ: لو أن إيمانَ أبي بكرٍ في كفَّة وإيمانَ الأمة في كفَّة لرجَحَ إيمانُ أبي بكر" أبوبكر رضي الله عنه أول المُبشَّرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه ومع هذا يقول أحدُ السلف: "والله ما سبَقَكم أبو بكرٍ بكثرة صلاةٍ ولا صيامٍ ولكن بشيءٍ وقرَ في القلب" وقرَ في القلب حبُّ الله، تعظيم الله ،تعظيم هذا الدين، الخوفُ من الله، الوجَل، الخشية، المُراقبة، الإنابة، التوكل، كلُّ هذا محلُّه القلب، فالقلب إذا لم يصلُح، فهو سبب كل مصيبة في هذه الأرض ،عندما نرى السرِقات تنتشر، والشحناء بين المُسلمين والبغضاء وقطعُ الأرحام وإيذاء المُسلمين وغير ذلك من الأعمال سببُها فسادُ القلب وفسادُ النيَّة.
لماذا القلب إخوة الإيمان؟ لماذا ينبغي أن نُصلِح هذا القلب؟ لأن القلب هو موضعُ النيَّة، فالنيَّة هي أساسُ قبول الأعمال، فلا يُقبَل أيُّ عملٍ إلا بالنيَّة، من شروط الوضوء النيَّة، من شروط الصلاة النيَّة، أي شيء تعمله لا بد من نية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح من حديث عمر قال: (إنما الأعمال بالنيَّات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه فهجرتُه إلى الله ورسولِه ومن كانت هجرتُه لدنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُه إلى ما هاجرَ إليه) متفق عليه، فالقلب هو موضعُ النيَّة، والنيَّة هي أساسَ الأعمال، يقول أحد السلف: "ربَّ عملٍ صغير تُعظِّمُه النيَّة وربَّ عملٍ كبير تُصغِرُه النيَّة"، كما قال الله عن الكفار ﴿وَقَدِمۡنَاۤ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا۟ مِنۡ عَمَلࣲ فَجَعَلۡنَـٰهُ هَبَاۤءࣰ مَّنثُورًا﴾ [الفرقان ٢٣].
لماذا القلب؟ لأن القلب موضعُ نظر الله جل جلاله الله ينظر إلى قلبك يا ابن آدم، ينبغي أن تتعهد هذا القلب حتى إذا نظر الله إلى قلبك، وجد فيه الحب والخوف منه وتعظيمه، وجد المحبة وجد الصدق وجد الإيمان، كما في الحديث الصحيح قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ) رواه مسلم.
فلماذا القلب؟ لأن القلب موضع نظر الله عز وجل، جل جلاله، ولهذا قال سبحانه، وهو يُبيِّن على أن من اهتم بقلبه وأصلح قلبه هو من المسارعين، وهو من المُقرَّبين إلى الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ﴾ [المؤمنون ٥٧]، من أين تأتي الخشية والخوف من القلب إذا لم يصلح القلب؟ {إن الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:57-60].
معاشر المسلمين لماذا القلب؟ لأن القلب إذا صلُح صلُحَت الأعمال وصلُحَت الجوارِح، وإذا فسدَ القلب فسدَت الأعمال، وفسدَت الجوارِح نعم إخوة الإيمان، في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مُضغَة إذا صلُحت صلُحَ الجسد كله وإذا فسدَت فسدَ الجسد كله ألا وهي القلب). متفق عليه فصلاح القلب طريقٌ إلى صلاح الأعمال، وسبب إلى صلاح الأعمال، ولهذا الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من أحدٍ يتوضَّأُ فيحسنُ الوضوءَ ويُصلِّي ركعتَينِ يُقبِلُ بقلبِه ووجهِه عليهما إلا وجبتْ له الجنَّةُ). رواه مسلم
لماذا الاهتمام بالقلب؟ ولماذا هذا القلب؟ لماذا صلاح القلب؟ لأن صاحب القلب معرض للفتن والمحن ، فيحتاج إلى صقل، يحتاج إلى إصلاح دائماً، إذا كان صاحب القلب فاسِدا لا يتحمَّل الفتن يزيغ، يضل يبتعد، يدور مع الفتن حيث دارَت، لا يثبُت أبداً، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كالحصيرِ عودًا عودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشربَها نكتَتْ فيه نكتةٌ سوداءُ فيصيرُ أسودَ مربادًّا كالكوزِ مُجَخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا ينكرُ إلا ما أُشرِبَ من هَواه).
فالقلب يحتاج دائمًا إلى عناية لأنه عُرضة للفتن.
لماذا القلب؟ لأن القلب إذا أصلحناه وكان سليمًا نفعَنا يوم القيامة يوم الحسرة والندامة ، لا ينفعُ الإنسان لا المال ولا الجاه ولا السلطان ولا العشيرة ولا القبيلة في ذلك اليوم إلا من كان قلبُه سليمًا، إلا من كان قلبُه صحيحا، سليم من الشرك، من الغل من الحق من الحسد من البغضاء، ولهذا كان من دعاء أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم أنه قال كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ [الشعراء ٨٧]، ما أحوجنا إلى هذا الدعاء؟ أعظم خزي هو الخزي يوم القيامة، وأعظم حسرة هي حسرة يوم القيامة، يوم لا ينفعُ الندم، ويوم لا تنفع الحسرة؛ قال الله عز وجل حاكيًا عن أبينا إبراهيم الخليل قال: ﴿وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ﴾ ﴿یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ﴾ [الشعراء:88-89] إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأموال والأولاد لا تُقرِّبنا من الله عز وجل أبداً، لا تُقرِّبنا إذا لم يُوجِد هناك إيمان وقلب سليم صحيح، قال تعالى:﴿وَمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَلَاۤ أَوۡلَـٰدُكُم بِٱلَّتِی تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰۤ إِلَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَزَاۤءُ ٱلضِّعۡفِ بِمَا عَمِلُوا۟ وَهُمۡ فِی ٱلۡغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ﴾ [سبأ ٣٧].
إخوة الإيمان؟ لماذا الاهتمام بالقلب؟ لأن القلب هو موضع التذكر موضع الخشية، إذا لم يُوجِد قلب صحيح، ففمهما خطب الخطباء، ومهما وعظ الوعاظ، لا يتأثر أبداً، لكن إذا صلح القلب تجد المسلم يتأثر من كلام الله، يتأثر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿سَیَذَّكَّرُ مَن یَخۡشَىٰ﴾ [الأعلى ١٠]، وقال: ﴿إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ﴾ [ق ٣٧]، إذا أردت أخي المسلم أن تكون من المفلحين وأن يتقبل الله صلاتك،. لابد أن تخشع، والخشوع من القلب، والمصلي الذي يخشع في صلاته يكون من المفلحين؛ قال الله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ﴾ [المؤمنون:1- ٢].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
إخوة الإيمان، لا شك أن كل واحد منا يتمنى أن يكون قلبه صحيحاً، أن يكون قلبه سليماً، ينبغي أخي المسلم أن تتعاهد، وأن نتعاهد جميعاً هذا القلب بكثرة الاستغفار والتوبة الصادقة ، أعظم وسيلة وأفضل وسيلة لإصلاح القلوب كثرة الاستغفار يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنه لا يغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة). رواه مسلم
فلنكثر من ذكر الله لتطمئن قلوبنا، وحتى يا إخواني لا نكون من الذين قال الله عنهم: ( فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ﴾ [الزمر ٢٢]، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، رباه نشكو إليك قسوة قلوبنا، فلنكثر من ذكر الله عز وجل لتطمئن القلوب، كذلك إخوة الإيمان حتى تصلح حال القلوب، ينبغي أن نكثر من الدعاء، أن نكثر من الدعاء بأن يصلح الله عز وجل قلوبنا، كان النبي دائماً يقول:( يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك).
اللهم آتِ نفوسنا تقوَها اللهم آتِ نفوسنا تقوَها، زكِّها أنت خيرُ من زكَّها، أنت ولي ومولاها، اللهم أصلِح قلوبنا وأعمالنا يا رب العالمين، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير واجعَل الموتَ راحةً لنا من كل شر، اللهم أبرِم لأمة محمدٍ أمرَ رشد يُعزُّ في أهلُ طاعتِك ويُهدَى في أهلُ معصيتِك ويُذلُّ فيها أعداءُ دينِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصُر عبادك المُستضعفين في كل مكان اللهم انصُر عبادك المظلومين والمُضطهدين في فلسطين، اللهم عليك بالمُتآمِرين على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والمنافقين، اللهم أرِنَا فيهم عجَابَ قُدرتِك يا من أنت على كل شيءٍ قدير، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد ديننا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فاشغله بنفسه اجعل تدبيره في تدميره رد كيده إلى نحره يا من أنت على كل شيء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين غيث الإيمان في قلوبنا وغيث الرحمة في أوطاننا يا من أنت على كل شيء قدير، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
إن الله يأمركم بثلاث فقوموا بها وينهاكم عن ثلاث فاجتنبوها، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة..