الخشية من الله، أم الخوف من الحسبة؟! الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ...

منذ 2025-01-03
الخشية من الله، أم الخوف من الحسبة؟!

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن من أهم مراتب الإسلام مرتبة الإحسان، وهو كما عرّفه النبي، صلى الله عليه وسلم: (أن تخشى الله كأنك تراه، فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك) [رواه مسلم]، وهذا المقام هو الذي ينبغي أن يكون عليه العبد المسلم المؤمن دائما، والذي لن يصل إليه إلا إذا علِم عِلْم اليقين وآمن إيمانا قاطعا بأن الله تعالى رقيب عليه، يراه ويسمعه، وأن الملائكة تسجّل كل ما يصدر عنه من حسنات وسيئات.

فإذا تلا المسلم قوله تعالى: {الّذِي يراك حِين تقُومُ} [سورة الشعراء: 218]، وقوله: {وهُو معكُمْ أيْن ما كُنتُمْ} [سورة الحديد: 4] وقوله: {إِنّ اللّه لا يخْفىٰ عليْهِ شيْءٌ فِي الْأرْضِ ولا فِي السّماءِ} وقوله: {يعْلمُ خائِنة الْأعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة آل عمران: 5] وقوله: {أمْ يحْسبُون أنّا لا نسْمعُ سِرّهُمْ ونجْواهُم بلىٰ ورُسُلُنا لديْهِمْ يكْتُبُون} [سورة الزخرف: 80] وقوله: {مّا يلْفِظُ مِن قوْلٍ إِلّا لديْهِ رقِيبٌ عتِيدٌ} [سورة ق: 18]؛ وأمثالها من الآيات العظيمة، إذا تلاها استشعر عظيم قدرة الله تعالى، وقربه من عباده.

إذاً، من عرف ذلك وآمن به، استبعدت منه المعاصي، ولكن لمّا كانت النفوس تميل بطبعها إلى الهوى، شُرِع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليردّ النفوس العاصية إلى الطاعة، قال تعالى: {ولْتكُن مِّنكُمْ أُمّةٌ يدْعُون إِلى الْخيْرِ ويأْمُرُون بِالْمعْرُوفِ وينْهوْن عنِ الْمُنكرِ وأُولٰئِك هُمُ الْمُفْلِحُون} [سورة آل عمران: 104]، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينجو الآمر والمأمور، قال تعالى: {وإِذْ قالتْ أُمّةٌ مِّنْهُمْ لِم تعِظُون قوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مُعذِّبُهُمْ عذابًا شدِيدًا قالُوا معْذِرةً إِلىٰ ربِّكُمْ ولعلّهُمْ يتّقُون * فلمّا نسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أنجيْنا الّذِين ينْهوْن عنِ السُّوءِ وأخذْنا الّذِين ظلمُوا بِعذابٍ بئِيسٍ بِما كانُوا يفْسُقُون} [سورة الأعراف: 164-165]، وبه تنال الأمة الخيرية التي قال عنها الله تعالى: {كُنتُمْ خيْر أُمّةٍ أُخْرِجتْ لِلنّاسِ تأْمُرُون بِالْمعْرُوفِ وتنْهوْن عنِ الْمُنكرِ} [سورة آل عمران: 110]، وبتركه هلاك ولعنة، قال تعالى: {لُعِن الّذِين كفرُوا مِن بنِي إِسْرائِيل علىٰ لِسانِ داوُود وعِيسى ابْنِ مرْيم ذٰلِك بِما عصوا وّكانُوا يعْتدُون * كانُوا لا يتناهوْن عن مُّنكرٍ فعلُوهُ لبِئْس ما كانُوا يفْعلُون} [سورة المائدة: 78-79]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن].

لهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم].

ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعلها أئمة المسلمين ولاية دينية (وظيفة رسمية من وظائف الدولة المسلمة) تحت مسمى (الحسبة)، وعينوا لها رجالا (محتسبين)، واجبهم الأساس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنحوهم سلطة عظيمة، ليتمكنوا من خلالها إلزام المخالف للشرع بالقوة.

لذا كان ديوان الحسبة من أول الدواوين التي أنشأتها الدولة الإسلامية، حفظها الله، ومن يوم إنشائه حمل رجاله على عاتقهم أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذهم في الله لومة لائم، يرغّبون الناس تارة ويرهّبونهم تارة، ويعاقبون من لم ينفع معه الترغيب ولا الترهيب، حتى صار بعض الرعية اليوم يهابون رجال الحسبة، فيستخفون منهم، ولا يستخفون من الله! فتراهم يعصون الله -جل جلاله- في السر لا في العلن، وهو سبحانه بحلمه يسترهم! فما خافوا الملك الجبار، ولكنهم خافوا عبادا لله ضعفاء! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

فيا عبد الله العاصي: لِم لا يكون تركك للمعصية خوفا من الله لا خشية من الحسبة؟!

يا عبد الله: من حرّم عليك الخبائث كالسجائر والخمر؟

من نهاك عن سماع المحرمات كالغناء والمعازف؟

من أمرك برفع إزارك وإطلاق اللحية والصلاة في وقتها؟

أليس ربك وإلهك؟

فما لك تخشى ممن يلزمك بما أمرك به ربك، ولا تخاف من الآمر نفسه جل وعلا؟!

ويا أمة الله: ما لك تلتفتين يمنة ويسرة ترقبين خائفة، فإذا رأيت محتسبا أصلحت خمارك! هلا جعلت حجابك خشية من ربك؟!

من الذي أمرك بستر وجهك عن الأجانب؟

ومن الذي نهاك عن الخلوة بغير محرم؟

الله أم الحسبة؟!

◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 28
السنة السابعة - الثلاثاء 18 رجب 1437 هـ

مقتطف من مقال:
الخشية من الله، أم الخوف من الحسبة؟!

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً