الخشية من الله، أم الخوف من الحسبة؟! • ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعلها أئمة ...

منذ 2025-01-03
الخشية من الله، أم الخوف من الحسبة؟!

• ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعلها أئمة المسلمين ولاية دينية (وظيفة رسمية من وظائف الدولة المسلمة) تحت مسمى (الحسبة)، وعينوا لها رجالا (محتسبين)، واجبهم الأساس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنحوهم سلطة عظيمة، ليتمكنوا من خلالها إلزام المخالف للشرع بالقوة.

لذا كان ديوان الحسبة من أول الدواوين التي أنشأتها الدولة الإسلامية، حفظها الله، ومن يوم إنشائه حمل رجاله على عاتقهم أمانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخذهم في الله لومة لائم، يرغّبون الناس تارة ويرهّبونهم تارة، ويعاقبون من لم ينفع معه الترغيب ولا الترهيب، حتى صار بعض الرعية اليوم يهابون رجال الحسبة، فيستخفون منهم، ولا يستخفون من الله! فتراهم يعصون الله -جل جلاله- في السر لا في العلن، وهو سبحانه بحلمه يسترهم! فما خافوا الملك الجبار، ولكنهم خافوا عبادا لله ضعفاء! فلا حول ولا قوة إلا بالله.

فيا عبد الله العاصي: لِم لا يكون تركك للمعصية خوفا من الله لا خشية من الحسبة؟!

يا عبد الله: من حرّم عليك الخبائث كالسجائر والخمر؟

من نهاك عن سماع المحرمات كالغناء والمعازف؟

من أمرك برفع إزارك وإطلاق اللحية والصلاة في وقتها؟

أليس ربك وإلهك؟

فما لك تخشى ممن يلزمك بما أمرك به ربك، ولا تخاف من الآمر نفسه جل وعلا؟!

ويا أمة الله: ما لك تلتفتين يمنة ويسرة ترقبين خائفة، فإذا رأيت محتسبا أصلحت خمارك! هلا جعلت حجابك خشية من ربك؟!

من الذي أمرك بستر وجهك عن الأجانب؟

ومن الذي نهاك عن الخلوة بغير محرم؟

الله أم الحسبة؟!

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت، ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ما يرى ... ولا أن ما تخفي عليه يغيب

واعلم -رحمك الله- أن الله أجزل لك الأجر العظيم إذا راقبته وخشيته، والتزمت شرعه طاعة له لا خوفا من بشر، قال الحق سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ} [سورة النازعات: 40-41]، وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [سورة الرحمن: 46].

قال ابن القيم: «من راقب الله في سره، حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته، والمراقبة: هي التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقل هذه الأسماء، وتعبد بمقتضاها، حصلت له المراقبة» [مدارج السالكين].

وقال ابن الجوزي: «يا أرباب المعاملة! بالله عليكم، لا تكدروا المشرب! قفوا على باب المراقبة وقوف الحراس! وادفعوا ما لا يصلح أن يلج فيفسد!».

وقال أيضا: «قلوب الجهال تستشعر البعد [عن الله]، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر، لكفوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه، فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط» [صيد الخاطر].

فتيقن -هداك الله- أن المحتسب بشر مثلك، فلا تكن خشيتك منه أعظم من خشيتك لربك الذي خلقك وهو الذي نهاك وأمرك.

وكن ذكيا فطنا! ثم تفكر! أنت في دولة الإسلام، التي فيها الكفر والبدع والمعاصي مقموعة لا محالة، وهيهات هيهات يرضى بها المجاهدون الذي ما بذلوا أرواحهم رخيصة إلا لإزالتها وتطبيق شرع الله، فاحسبها حسابا صحيحا، واترك المحرمات لله تعالى، ولك الأجر والثواب على ذلك، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فاترك المحرمات قبل أن تجبر على تركها، فليس لك حينئذ أجر، وعليك الوزر.

رزقنا الله وإياك مراقبته وخشيته، والحمد لله رب العالمين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 28
السنة السابعة - الثلاثاء 18 رجب 1437 هـ

مقتطف من مقال:
الخشية من الله، أم الخوف من الحسبة؟!

671c2d4603ce0

  • 1
  • 0
  • 7

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً