[2/1] أعظم الناس إيماناً (قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها) • وبعد هذا، ليتدبر مريد ...
منذ 2025-01-05
[2/1]
أعظم الناس إيماناً (قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها)
• وبعد هذا، ليتدبر مريد العلم بعض الأحاديث والآثار في التحذير من علماء السوء:
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لغير الدجال أخوفني على أمتي)، قالها ثلاثا، قال: قلت: يا رسول الله، ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك؟ قال: (أئمةً مضلين) [رواه الإمام أحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) [رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما].
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود» [رواه البيهقي في «شعب الإيمان»].
فإذا مات العلماء ولم يبق منهم إلا قليل بين مرابط في الثغور وأسير في السجون ومطارد في الكهوف، لم يُعظَّم طلب العلم عند «المشايخ» إلا من جهل حقيقة العلم الشريف، فالعلم النافع هو المثمر في القلوب وعلى الجوارح، قال عبادة بن الصامت، رضي الله عنه: «إن شئت لأحدثنك بأول علم يُرفع من الناس؟ الخشوع، يوشك أن تَدخُل مسجد جماعةٍ فلا ترى فيه رجلا خاشعا» [رواه الترمذي].
قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «إن الفقيه حق الفقيه، من لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله، ولم يَدَع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها» [رواه الدارمي في سننه].
وقال مجاهد، رحمه الله: «إنما الفقيه من يخاف الله تعالى» [رواه الدارمي في سننه].
قيل للحسن البصري، رحمه الله: «ليس هكذا يقول الفقهاء»، فأجاب: «ويحك ورأيت أنت فقيها قط؟! إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه» [رواه الدارمي في سننه].
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمُه عملَه، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملُهم علمَهم، وتخالف سريرتُهم علانيتَهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم، تلك إلى الله تعالى» [رواه الدارمي في سننه].
نعم، حقيقة العلم خشية الله، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فمن لم يخف اللهَ فيترك ما يُغضب اللهَ وما يبغضه، فليس بعالم ولا فقيه، ولو درس ودرّس وزعم أنه عالم، ومن لم يدعُ الناس إلى عزائم الأمور ويحذّرهم من رخص الفجور فليس بعالم.
فطلب العلم عند «شر من تحت أديم السماء» وعند «دعاة على أبواب جهنم»، ليس طلبا محمودا، وأما طلبه عن طريق الورق في قرن غاب فيه العلماء إلا في الثغور والسجون والكهوف فمحمود بالآثار، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وليحذر المرء من العجب والكبر إن ابتلاه الله بصحبة علماء السوء، وليتذكر ما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، حتى عدَّ تسعة، فمن أنت لا أُمَّ لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام. قال: فأوحى الله إلى موسى (عليه السلام): أنّ هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة) [المسند].
فهل يفتخر طالب العلم بترجمة مليئة بالجلوس في حلق أهل الفجور والبدع والارتداد؟!
أما بعد تجديد الخلافة، فالحمد لله الذي منّ على ولاة أمور المسلمين -حفظهم الله- بفتح باب واسع لعامة الجنود والرعية ليطلبوا العلم في المعاهد والمساجد والمعسكرات، فصار بإمكان مريد العلم أخذه من أفواه الرجال دون حرج ولا افتتان بإذن الله تعالى، فلا ينبغي للطالب المستطيع أن يُعرض عن هذه الوسيلة السلفية في ظل الخلافة، علما أن فضل المدرسين من المهاجرين والأنصار لم يكن بصحبة علماء السوء في دار الكفر والقعود، وإنما كان ذلك بالورق وجعل ما في الورق سلوكا في الاعتقاد والمنهاج.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 27
السنة السابعة - الثلاثاء 11 رجب 1437 هـ
مقتطف من مقال:
أعظم الناس إيماناً
(قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها)
أعظم الناس إيماناً (قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها)
• وبعد هذا، ليتدبر مريد العلم بعض الأحاديث والآثار في التحذير من علماء السوء:
عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لغير الدجال أخوفني على أمتي)، قالها ثلاثا، قال: قلت: يا رسول الله، ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك؟ قال: (أئمةً مضلين) [رواه الإمام أحمد].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) [رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما].
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود» [رواه البيهقي في «شعب الإيمان»].
فإذا مات العلماء ولم يبق منهم إلا قليل بين مرابط في الثغور وأسير في السجون ومطارد في الكهوف، لم يُعظَّم طلب العلم عند «المشايخ» إلا من جهل حقيقة العلم الشريف، فالعلم النافع هو المثمر في القلوب وعلى الجوارح، قال عبادة بن الصامت، رضي الله عنه: «إن شئت لأحدثنك بأول علم يُرفع من الناس؟ الخشوع، يوشك أن تَدخُل مسجد جماعةٍ فلا ترى فيه رجلا خاشعا» [رواه الترمذي].
قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «إن الفقيه حق الفقيه، من لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله، ولم يَدَع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها» [رواه الدارمي في سننه].
وقال مجاهد، رحمه الله: «إنما الفقيه من يخاف الله تعالى» [رواه الدارمي في سننه].
قيل للحسن البصري، رحمه الله: «ليس هكذا يقول الفقهاء»، فأجاب: «ويحك ورأيت أنت فقيها قط؟! إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه» [رواه الدارمي في سننه].
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: «يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم ووافق علمُه عملَه، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملُهم علمَهم، وتخالف سريرتُهم علانيتَهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم، تلك إلى الله تعالى» [رواه الدارمي في سننه].
نعم، حقيقة العلم خشية الله، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فمن لم يخف اللهَ فيترك ما يُغضب اللهَ وما يبغضه، فليس بعالم ولا فقيه، ولو درس ودرّس وزعم أنه عالم، ومن لم يدعُ الناس إلى عزائم الأمور ويحذّرهم من رخص الفجور فليس بعالم.
فطلب العلم عند «شر من تحت أديم السماء» وعند «دعاة على أبواب جهنم»، ليس طلبا محمودا، وأما طلبه عن طريق الورق في قرن غاب فيه العلماء إلا في الثغور والسجون والكهوف فمحمود بالآثار، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وليحذر المرء من العجب والكبر إن ابتلاه الله بصحبة علماء السوء، وليتذكر ما رواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان، حتى عدَّ تسعة، فمن أنت لا أُمَّ لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام. قال: فأوحى الله إلى موسى (عليه السلام): أنّ هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة) [المسند].
فهل يفتخر طالب العلم بترجمة مليئة بالجلوس في حلق أهل الفجور والبدع والارتداد؟!
أما بعد تجديد الخلافة، فالحمد لله الذي منّ على ولاة أمور المسلمين -حفظهم الله- بفتح باب واسع لعامة الجنود والرعية ليطلبوا العلم في المعاهد والمساجد والمعسكرات، فصار بإمكان مريد العلم أخذه من أفواه الرجال دون حرج ولا افتتان بإذن الله تعالى، فلا ينبغي للطالب المستطيع أن يُعرض عن هذه الوسيلة السلفية في ظل الخلافة، علما أن فضل المدرسين من المهاجرين والأنصار لم يكن بصحبة علماء السوء في دار الكفر والقعود، وإنما كان ذلك بالورق وجعل ما في الورق سلوكا في الاعتقاد والمنهاج.
اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 27
السنة السابعة - الثلاثاء 11 رجب 1437 هـ
مقتطف من مقال:
أعظم الناس إيماناً
(قوم يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بها)