{أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} الافتقار والتذلل إلى الله صفة جميلة وحقيقة جليلة، قد ...

منذ 2025-01-05
{أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}

الافتقار والتذلل إلى الله صفة جميلة وحقيقة جليلة، قد استوطنت قلوب المتجردين لله تعالى، أنبيائه وأصفيائه والصالحين، فكم لاذ بها إلى الله الطالبون ولجأ إلى حصنها الخائفون وكم عزت بها النفوس المؤمنة المفتقرة، فالسعادة والحياة الطيبة تكمن في تذلل وافتقار العبد إلى مولاه وخالقه والشقاء كل الشقاء في الاستغناء عن من بيده خزائن الأرض والسماء، وإن الحديث عن هذه العبادة الجليلة تتقاصر الأسطر عن أداء حقها في مقال، لكننا سنقف وإياكم بعض الوقفات لعل الله أن ينفعنا وإياكم ويجعلنا من الخاضعين المتذللين المفتقرين له سبحانه وتعالى.

• نداء وإعلام

ينادي المولى سبحانه الناس كل الناس، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، أقوياء أو ضعفاء، سادة كرماء في أقوامهم أو عبيدا أذلاء، نداء شاملا لا يستثني عزيزا فيهم أو مرؤوسا، عالما كان أو جاهلا حيث يقول عز وجل في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر]، قال الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس أنتم أولوا الحاجة والفقر إلى ربكم فإياه فاعبدوا، وفي رضاه فاسارعوا، يغنكم من فقركم، وتُنْجح لديه حوائجكم (وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ) عن عبادتكم إياه وعن خدمتكم، وعن غير ذلك من الأشياء؛ منكم ومن غيركم، (الْحَمِيدُ) يعني: المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فله الحمد والشكر بكل حال" [التفسير].

• دوام الفقر إلى الله

قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - مبينا حقيقة فقر العبد إلى الله تعالى: "فحقيقة الفقر أن لا تكون لنفسك، ولا يكون لها منك شيء، بحيث تكون كلك لله، وإذا كنت لنفسك فثم ملك واستغناء مناف للفقر.
وهذا الفقر الذي يشيرون إليه: لا تنافيه الجدة ولا الأملاك. فقد كان رسل الله وأنبياؤه في ذروته مع جدتهم، وملكهم، كإبراهيم الخليل ﷺ كان أبا الضيفان، وكانت له الأموال والمواشي، وكذلك كان سليمان وداود عليهما السلام. وكذلك كان نبينا ﷺ كان كما قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ} [الضحى]، فكانوا أغنياء في فقرهم. فقراء في غناهم" [مدارج السالكين].

• الفقر الحقيقي

وتابع ابن القيم واصفا الفقر الحقيقي: "فالفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كلّ حال، وأن يشهد العبد في كلّ ذرّة من ذرّاته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه، فالفقر ذاتيّ للعبد، وإنّما يتجدّد له لشهوده ووجوده حالا، وإلّا فهو حقيقة" [المدارج].

• والقلب فقير

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا افتقار القلب: "والقلب فقير بالذات إلى الله من وجهين: من جهة العبادة الغائية، ومن جهة الاستعانة والتوكل، فالقلب لا يصلح ولا يفلح، ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ، ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات: لم يطمئن ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده، ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعمة والسكون والطمأنينة، وهذا لا يحصل له إلا باعانة الله له؛ فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله، فهو دائماً مفتقر إلى حقيقة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}" [العبودية].

• باب الافتقار الأعظم

إن في إيجاب الله تعالى على العبد وقوفه بين يدي ربه متذللا خاشعا ومنقطعا عن كل العلائق الدنيوية في اليوم والليلة خمس مرات، لدلالة على شدة فاقته وافتقاره إلى خالقه، فالصلاة هي باب الافتقار الأعظم لو أقامها العبد ظاهرا وباطنا، فقد اشتملت على هيئات وأقوال وأدعية تظهر مدى حاجة العبد وفقره، فالعبد يسأل الله تعالى هدايته وجوبا خلا السنن سبع عشرة مرة في اليوم والليلة، في إشارة إلى مدى افتقاره للهداية جميع أحواله، وأما عن الهيئات مثل الركوع والسجود ففيها من الانكسار والافتقار والتذلل ما فيهما؛ ولهذا كانتا من أركان الصلاة ولا تتم الصلاة إلا بهما، فحري بالعبد أن يعظم هذه الشعيرة ويقيمها ظاهرا وباطنا ويستشعر مدى فاقته وحاجته وهو واقف بين يدي مولاه جل وعلا، مقبلا عليها بقلبه وجوارحه، فإذا ما أقامها على هذا الوجه فقد أفلح وكانت له نورا وبرهانا.


◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 475
الخميس 25 جمادى الآخرة 1446هـ

مقتطف من مقال:
{أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ}

6775d63d38a0f

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً