بسم الله الرحمن الرحيم عاقبة الظالم والمظلوم الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

منذ 2025-01-08
بسم الله الرحمن الرحيم
عاقبة الظالم والمظلوم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله كتب العزة والرفعة للمستضعفين، وكتب الذلة والصغار على المجرمين الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أيد بالعدل أولياءه المؤمنين، وخذل بالظلم أعداءه الكافرين المجرمين الظالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه، فصلوات ربي وسلامه عليه في الأولين، وصلوات ربي وسلامه عليه في الآخرين، وصلوات ربي وسلامه عليه في الملإ الأعلى إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾ [التوبة ١١٩]، أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة أجارنِ الله وإياكم من البدع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله إن الظلم ذنب عظيم، إن الظلم ذنبٌ عظيم وكبير ما فشَا في أمةٍ من الأمم إلا آذَنَ الله برحيلها، وما انتشر في دولةٍ من الدول إلا كان هذا الظلم سببًا في هلاكها.
الظلمُ ظلمات، الظلمُ ظلمات يوم القيامة، الله عز وجل يقول: ﴿فَكَأَیِّن مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَا وَهِیَ ظَالِمَةࣱ فَهِیَ خَاوِیَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئۡرࣲ مُّعَطَّلَةࣲ وَقَصۡرࣲ مَّشِیدٍ﴾ [الحج ٤٥]، وقال جل وعلا: ﴿فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبࣰا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾ [العنكبوت ٤٠] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح القدسي الذي رواه مسلم، فيما يرويه عن ربه جل جلاله يقول عز وجل: ( يا عِبادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظالَمُوا).
عباد الله، للظلم أثر كبير على الظالم، وعاقبته وخيمة، يكفي الظالم أنه مطرود من رحمة الله، أنه ملعون، وإذا طردك الله عز وجل من رحمته، إلى من تلجأ؟ إلى من تشكوا؟ إلى من تتذلل إذا طردك الله عز وجل من رحمته؟ من الذي سيرحمك؟ من الذي سيعفو عنك؟ من الذي يكشف البلوى؟ ألم يقل الله ﴿أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [هود ١٨]؟، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. قالَ: ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢]).
الظالم لا يُفلح أبدا، يظن أنه سيفلح إذا ظلم إنسانا أو أخاه المسلم، يظن أنه قد أفلح وقد نجح وقد فاز ويظن أن هذا من كمال المروءة، ومن كمال رجاحة العقل، لا والله لا يفلح أبدا، الذي يظلم الناس، الذي يظلم إخوانه المسلمين لا يفلح أبدا، ألم يقل الله في أكثر من موقع في كتابه العزيز ﴿إِنَّهُۥ لَا یُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [الأنعام ٢١]؟ لا يوفق، مخذول، ألم يقل الله عن النمرود: ﴿..فَبُهِتَ ٱلَّذِی كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [البقرة ٢٥٨]؟ واللهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ، الظالم لا نصير له ولا شفيع ولا معين له أبدا، يقول الله تعالى: ﴿مَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ حَمِیمࣲ وَلَا شَفِیعࣲ یُطَاعُ﴾ [غافر ١٨]، ويقول عز وجل: ﴿وَهُمۡ یَصۡطَرِخُونَ فِیهَا رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا غَیۡرَ ٱلَّذِی كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا یَتَذَكَّرُ فِیهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاۤءَكُمُ ٱلنَّذِیرُۖ فَذُوقُوا۟ فَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِن نَّصِیرٍ﴾ [فاطر ٣٧].
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أَما وَاللَهُ إِنَّ الظُلمَ شُؤمٌ وَلا زالَ المُسيءُ هُوَ الظَلومُ
إِلى الديّانِ يَومُ الدينِ نَمضي وَعِندَ اللَهِ تَجتَمِعُ الخُصومُ
وقال: لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ.
﴿وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا﴾ [الفرقان ٢٧]، وأعظم من هذا كله إخوة الإيمان، أنه في سكرات الموت يعاني ويتألم من السكرات، كربات وأي كربات، حالته لا يعلمها إلا الله، وهو في سكرات الموت يظن أنه يفلح، لا والله ،عذاب في الدنيا والآخرة، ألم يقل الله ﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِیَ إِلَیَّ وَلَمۡ یُوحَ إِلَیۡهِ شَیۡءࣱ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰ⁠تِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [الأنعام ٩٣]؟.
ينبغي أن نتنبه إخوة الإيمان، وأن نحذر من الظلم، وأعظم الظلم هو الشرك بالله، ومن أعظم الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، أن يظلم الإنسان زوجته، أن يظلم الإنسان أولاده، أن يظلم الإنسان جيرانه، أن يظلم الإنسان أقاربه، أن يظلم الإنسان خدمه، الظلم عاقبته وخيمة، قد يُبتلى الإنسان بشقى في قلبه، قد يُبتلى بمرض، لا يدري من أين يأتي، قد يكون من دعوة مظلوم، الإنسان ننظر إليه كأنه إنسان عادي، لكنه لو أقسم على الله لأبره، لو رفع يديه إلى السماء لاستجاب الله دعوته، فنسأل الله عز وجل إخوة الإيمان أن يجنبنا الظلم إنه ولي ذاتك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وبعد إخوة الإيمان، تحدثنا عن أثر الظلم على الظالم، فدعونا نتحدث عن أثر الظلم على المظلوم، هل يؤثر عليه؟ قد يحزن، قد يتألم، لكن الله معه، لكن الله ناصره، لكن الله مؤيده، فالله ولي المظلوم، كما في الحديث وهو في صحيح الجامع عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتَّقوا دعوةَ المظلومِ فإنَّها تصعدُ إلى السَّماءِ كأنَّها شرارةٌ)، فالله وليه، والله عز وجل قد وعد المظلوم بالنصر المبين، بالنصر العظيم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام، يقول الله عز وجل: (اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلومِ؛ فإنَّها تُحْمَلُ على الغَمامِ)، ويقولُ اللهُ كذلك في الحديث القدسي: (وعزَّتي وجَلالِي لأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حِينٍ) رواه الطبراني، والألباني في صحيح الترغيب.
عباد الله، المظلوم دعوته مستجابة، ولهذا حذر النبي عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل عندما قال له: (...واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجابٌ) البخاري.
ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويهزم الدولة الظالمة وان كانت مسلمة".
ما حل بالمسلمين اليوم تظنون انه من فراغ؟ كثير من الدول في شتات وتفرق وفقر وجوع وهزائم وذل، كم من مظلومين في تلك الدول التي حلت بها النكبات إلا من رحم الله؟ كم من ظلم؟ ونريد ان ينصرنا الله؟!..
أُسود على بعضنا، نفترس بعضنا بعضا إلا ما رحم ربي، لكنا أمام أعدائنا كالنعامة، أمام أعدائنا نتذلل لهم، يسيل لعابنا، نخضع لهم، لا نستعرض عضلاتنا الا لبعضنا للأسف الشديد، ونريد نصراً؟،ونريد عزة؟ ونريد كرامة؟ لا والله، الله يقول: ﴿...وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ﴾ [القصص ٨٣]، لكن اين المتقون؟ اين المتقون؟ قليل، وإذا وُجد المتقون، أين المُصلحون؟ لابد ان نعود الى الله عز وجل، ونقوي صلتنا بالله، إذا أردنا إن تكون لنا الكرامة، كما كانت من قبل.
أحبابي الكرام، العاقبة للمظلوم والفرج، ألم يقل الله: ﴿وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَ ٰ⁠رِثِینَ﴾ [القصص ٥]؟.
أيها المظلوم لا تيأس، لا تحزن، لا تظن أن الله غافل عما يعمل الظالمون، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلًا عَمَّا یَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا یُؤَخِّرُهُمۡ لِیَوۡمࣲ تَشۡخَصُ فِیهِ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ﴾ [إبراهيم ٤٢].
فالله الله يا إخواني..فلنحذر من الظلم، ولنحذر من الطرق التي توصلنا الى ظلم بعضنا البعض، لان عاقبته وخيمة، وسنندم في الدنيا قبل الآخرة، فلنراجع أنفسنا، ولنقف مع أنفسنا وقفات علّ الله أن يرحمنا، وأن يكشف كرباتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
يا أكرم الأكرمين، يا رحيم يا رحمن، يا كريم يا منان، امنن على إخوائنا المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في غزة بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللهم يا عزيز يا جبار يا قوي يا قهار، اللهم عليك بالمتآمرين على الإسلام والمسلمين بالليل والنهار. اللهم لا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، اللهم لا ترفع لهم راية، اجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية. يا من أنت على كل شيء قدير.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦]،، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما عدد ما أحاط به علمك، وخط به قلمك، وأحصاه كتابك وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرم، عباد الله، إن الله يأمر بثلاث فقوموا بها، وينهى عن ثلاث فاجتنبوها، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل ٩٠]، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، اشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
  • 6
  • 0
  • 22

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً