الشيخ كمال زروق التونسي الداعية المجاهد [3/3] وقد استمر على سيرته تلك بعد هجرته الأولى والثانية، ...

منذ يوم
الشيخ كمال زروق التونسي الداعية المجاهد
[3/3]
وقد استمر على سيرته تلك بعد هجرته الأولى والثانية، حيث أمضى كل وقته متنقلا بين ولايات العراق والشام، يدرس في مختلف المعسكرات بعد أن أخذ تفويضا عاما من ديوان الجند بدخولها والدعوة فيها، ويزور المجاهدين في أشد مناطق الاشتباك سخونة كما في جبهات الرمادي والفلوجة وبعشيقة وحلب والرقة وغيرها، بالإضافة إلى عدة دروس في مدينة الرقة خلال الأسبوع والتزامه بخطبة الجمعة في أحد مساجدها.

ويروي من صحبه في الرباط أنه كان يختار لنفسه ساعات الرباط في الليل، ثم يخرج في النهار رغم التعب ليدور على نقاط الرباط الأخرى ليذكر الإخوة بالله، ويؤانسهم بقصص من السيرة وعبر من مآثر السلف الصالح.

أما الجانب الأهم في حياة الشيخ كمال زروق كداعية فهي أنه كان يعمل بما يدعو إليه، ولا أدلّ على ذلك من أنه طبق بنفسه ما أمضى عمره في الدعوة إليه من التوحيد والجهاد، فصدع بالتوحيد وهاجر في سبيل الله، وجاهد في صفوف الدولة الإسلامية التي كان ينصح الشباب بالنفير إليها، ولم يكتف بنصرتها بالكلام والخطب.

كان -رحمه الله- يرى نفسه على منهج الدولة الإسلامية قبل أن ينفر إليها، ويحض الشباب على ذلك فيقول لهم «عليكم بالدولة الإسلامية، عليكم بمنهج الشيخ أبي مصعب الزرقاوي، تقبله الله»، وكان يوصي المهاجرين للجهاد في الشام أن يلتحقوا بصفوفها حين كان عملها باسم «جبهة النصرة»، فلما كانت غدرة الجولاني صار ينهاهم عن الدخول في صفه، ويربطهم بالمنسقين التابعين للدولة الإسلامية، وعلى رأسهم الأخ الفاضل محرض الاستشهاديين أبو عمر التونسي (طارق الحرزي) تقبله الله.

ولما وصل إلى أرضها زاد تعلقه بها، ونصرته لها، ودعوته إلى بيعة أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي، حفظه الله، ولم يصدّه عن ذلك أن كان جنديا من عامة جنودها رغم شهرته وذيوع صيته وإقبال قلوب الناس إليه، فلم يطلب فيها إمارة، ولم يسع فيها إلى منصب، بل ولم يفتنه كلام أهل الفتن فيه بعدما زلّ لسانه بعبارةٍ أراد أن يوضح فيها أن الخلافة على نهج النبي، صلى الله عليه وسلم، فصاغ عبارته المرتجلة بطريقة خاطئة، بل حمد الله أن وجد من الدولة الإسلامية حرصا على استقصاء الأمر والتحقيق فيه، ومحاكمته على ما اتهم به، والذي تبين قصده وخطأ تعبيره بعدها، وأنه كان كالذي قال من شدة الفرح: «اللهم أنت عبدي وأنا ربك».

الصفة الأخرى التي ميّزت الشيخ عن كثير من أقرانه هي زهده الشديد بما في أيدي الناس، وعفة نفسه رغم ضعف حاله، وقلة ذات يده، بل وكرمه وبذله لإخوانه كل ما يملك، فكان لا يأكل إلا من كدّ يمينه، ولا ينفق على دعوته إلا من ماله الخاص، فيذهب إلى دروسه غالبا سيرا على أقدامه أو يستأجر وسيلة النقل إن لم يخضع لإلحاح إخوانه بمشاركتهم له في الأجر، ويروي أحدهم أنه جمع له مبلغا من المال يستعين به في حياته وفي الإنفاق على الدعوة، فأبى قبوله وتمنّع طالبا من الأخ أن يوزعه على الإخوة المحتاجين، ثم قبله حياء منه بعد إلحاحه عليه، ليكتشف بعد حين أنه أنفقها كلها في سبيل الله، متصدقا بها على إخوانه المحتاجين.

ويروي من عاشره في الشام أنه كان رافضا لاستلام كفالته الشهرية التي يأخذها كل جنود الدولة الإسلامية حتى تاريخ وفاته حرصا منه أن لا ينقص ذلك من أجر جهاده شيئا.

يوم مقتله خطب الجمعة في جامع الحسين في الرقة، ويروي من سمع خطبته أنه كان يكرّر في خطبته كلمة «الجنة» بشكل غريب، حيث ردّدها تكرارا ودون توقف عدة مرات، وهو يحض الناس على الحرص عليها، ثم خرج إلى مدينة الطبقة بصحبة بعض إخوانه.

وفي طريق العودة كان يحدث من معه في السيارة عن الاستشهاد والعمليات الاستشهادية، ثم صار ينشد ويردّدون معه أبياتا من قصيدة فيها:

أوليس موتي في حياتي مرةً
لم لا يكون ختامها استشهاديَ

وفي هذا الوقت كانت تتربص بهم طائرة صليبية، قصفت سيارتهم بصاروخ غادر، فمزقت جسد الشيخ كمال زروق وحولت جسد أخيه أبي صفية الجزائري إلى أشلاء، ونجّى الله الأخ الثالث من القتل ليصل المستشفى وهو فاقد الوعي.

عند استيقاظه روى لمن جاء يعوده أنه رأى في غيبوبته الشيخ كمال وأخاه أبا صفية الجزائري، وأنهما قالا له في منامه:

«نحن أحياء نرزق... والله لم نمت... والله لم نمت...».

قُتل العالم، العابد، الزاهد، الداعي إلى الله، المجاهد في سبيله، الشيخ كمال زروق قبل أن يحقق حلمه بالعودة إلى أرض تونس ليجاهد الطواغيت على أرضها، ويحرر الإخوة والأخوات من سجونهم.

قُتل وهو يرقب إخوانا له لا زالوا قاعدين عن الجهاد أن يخرجوا ليثأروا لدينهم وأعراضهم.

قُتل وهو حريص على الجماعة، كاره للفرقة، محرض على العمليات الاستشهادية.

فرحمك الله يا أبا ليلى وجمعنا بك في جنات النعيم.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 29
السنة السابعة - الثلاثاء 25 رجب 1437 هـ

مقتطف من قصة شهيد:
الشيخ كمال زروق التونسي الداعية المجاهد

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً