الأشهر الحرم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد ...

منذ 23 ساعة
الأشهر الحرم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36]، وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: (الزمان قد استدار كهيئة يوم خَلَق السماواتِ والأرضَ، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان).

تعيين الأشهر الحُرُم

قال ابن رجب الحنبلي: «فأخبر سبحانه أنه منذ خلق السماوات والأرض وخلق الليل والنهار يدوران في الفلك وخلق ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وجعل الشمس والقمر يسبحان في الفلك وينشأ منهما ظلمة الليل وبياض النهار؛ فمن حينئذ جعل السنة اثني عشر شهرا حسب الهلال، فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله أهل الكتاب، وجعل الله تعالى من هذه الأشهر أربعة أشهر حرما، وقد فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث وذكر أنها ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد فرد وهو شهر رجب» [لطائف المعارف].

قال الشوكاني: «وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السماوات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب، وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين يوما وبعضها أكثر وبعضها أقل» [فتح القدير].

سبب تسميتها الحُرُم

قال ابن رجب: «اختلف العلماء في سبب تسمية هذه الأشهر الأربعة حرما، فقيل: لِعِظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، قال ابن عباس، رضي الله عنه: اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرما وعظَّم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم وجعل العمل الصالح والأجر أعظم، وقال كعب: اختار الله الزمان فأحبه إلى الله الأشهر الحرم... وقيل: إنما سميت الأشهر الأربعة حرما لتحريم القتال فيها، وكان ذلك معروفا في الجاهلية، وذلك لأجل التمكن من الحج والعمرة، فحرمت العرب شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه وحرمت معه شهر ذي القعدة، وسمّوه كذلك لقعودهم عن القتال، للسير فيه إلى الحج، وحرمت شهر المحرم للرجوع فيه من الحج، حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه وحرمت شهر رجب للاعتمار فيه في وسط السنة فيعتمر فيه من كان قريباً من مكة» [لطائف المعارف - باختصار وتصرف]

الإثم في الأشهر الحرم

على المسلمين فعل الطاعات وترك المنكرات في كل الشهور عامة وفي الحرم منها خاصة، ذلك لأن الذنوب والمعاصي أعظم وزرا في هذه الشهور لقوله تعالى {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}.

قال القرطبي في تفسيره للظلم هنا: «في الظلم قولان: أحدهما لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال... الثاني: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب لأن الله سبحانه إذا عظّم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح».

وقال ابن كثير: «{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في هذه الأشهر المحرمة لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وكذلك الشهر الحرام تغلّظ فيه الآثام، ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي، وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قتل في الحرم أو قتل ذا محرم».

العمل الصالح فيها

ولعظيم هذه الأشهر وزيادة أجر العمل الصالح فيهن، شرّع الله تعالى لنا عبادات مخصوصة في أيام عظيمة، كيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الأوائل من ذي الحجة، والأعمال الفاضلة في هذه الأشهر كثيرة ومتنوعة، والله أعلم.

حكم القتال في الأشهر الحرم

ذهب الجمهور من فقهاء المسلمين إلى القول بأن القتال في الأشهر الحرم كان محرماً في الإسلام إلا في حالة رد العدوان ثم نُسخ هذا الحكم وحل محله مشروعية الجهاد، والبدء بقتال الكفار في كل وقت بما يشمل الأشهر الحرم.

قال ابن القيم: «لا خلاف في جواز القتال في الأشهر الحرم إذا بدأ العدو، إنما الخلاف أن يقاتل في ابتداء، فالجمهور جوّزوه وقالوا تحريم القتال منسوخ لقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} وقوله تعالى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله» [زاد المعاد].
وقال ابن رجب: «واستدل الجمهور بأن الصحابة اشتغلوا بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بفتح البلاد ومواصلة القتال والجهاد ولم ينقل عن أحد منهم أنه توقف عن القتال وهو طالب له في شيء من الأشهر الحرم وهذا يدل على إجماعهم على نسخ ذلك والله أعلم» [اللطائف].

اللهم يسّر لنا حسنَ عبادتك في الأشهر الحرم، وجنّبنا فيها الفواحش والإثم والظلم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 29
السنة السابعة - الثلاثاء 25 رجب 1437 هـ

مقال:
الأشهر الحرم

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً