أمير ديوان الزكاة (نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين) موضحا لكثير من ...
منذ 2025-01-15
أمير ديوان الزكاة
(نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين)
موضحا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة واداءها في الدولة الإسلامية.
ومبينا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دوواينها.
وكاشفا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين.
- الدولة الإسلامية في حرب مع دول الشرك كلها، ألم يكن ممكنا تأجيل تطبيق الزكاة حتى الانتهاء من هذه الحرب؟
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
لقد شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين، وجعل الزكاة من شروط التمكين الشرعي، قال تعالى (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، فنحن لم نجاهد لمجرد الاستيلاء على الأرض، وامتلاك السلطة فيها، وإنما لنقيم فيها دين الله.
والمجاهدون إنما يرابطون على الجبهات ويبذلون دماءهم هناك وهم حريصون أن يروا شريعة الله تقام في الأرض التي يفتحونها كاملة غير منقوصة.
ونحن بإذن الله ما إن يمكننا الله من قطعة من الأرض مهما صغرت، ولو لفترة محدودة، فإننا سنطبق شرع الله فيها، فنقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.
- وهل جباية الزكاة وتوزيعها من تطبيق الشريعة؟ الكثير من الناس يظنون أن ذلك ينحصر بفتح المحاكم التي تحكم بشرع الله، وتقيم الحدود على الجناة؟
كل ما بلغنا به رسول الله عليه الصلاة والسلام هو من شريعة الله، فما بالك بالزكاة التي هي أحد أركان الإسلام، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)، فالمحاكم قد تمر عليها فترات طويلة دون أن تقضي في قضية واحدة إذا لما ترفع إليها خصومة، والحدود قد لا تقام لشهور أو سنوات إذا انصلح الناس ولم ينتهكوا حدود الله، ولكن الزكاة تقام في كل حال ما دام هناك أغنياء لديهم مال يتجاوز النصاب.
- ولماذا لا تتركون الناس يدفعون زكاة أموالهم بأنفسهم للفقراء؟ لماذا يتولى ديوان الزكاة مهمة جباية الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء؟
لأن هذا هو الأصل في أداء الزكاة، أن يؤدي الأغنياء الزكاة للإمام، ويتولى هو ردّها على الفقراء، قال تعالى لإمام المسلمين عليه الصلاة والسلام (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)، وفي وصيّة النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن (فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس) فالنبي عليه الصلاة والسلام يأمر عامله أن يأخذ الزكاة من غنيهم ويردّها على فقيرهم، وكذلك لنا في فعل الصحابة سنّة حسنة، حيث قاتل الصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة لأنهم رفضوا أداءها، ولم يقروهم على أدائها بأيديهم، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)، ومن كل ذلك يتبين أن أخذ الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء إنما هو من مهام الإمام الذي هو خليفة المسلمين، أو من ينوب عنه في ذلك، وفي حال وجوده وتمكنه من أخذ الزكاة، فلا يجوز الافتئات عليه بالتصرف فيها.
وفي الدولة الإسلامية يقوم ديوان الزكاة نيابة عن أمير المؤمنين حفظه الله بالقيام على هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام.
والجانب الآخر الذي يزيد من فرضية إشراف الديوان على أخذ الزكاة وأداءها هو كثرة الفقراء في أراضي الدولة الإسلامية وقلة الأغنياء، وخاصة بسبب الحرب وما تفرضها من تهجير للمسلمين وتدمير لممتلكاتهم وتعطيل لأشغالهم، وذلك إعراض الكثير من أغنياء المسلمين عن أداء زكاتهم كما ينبغي، فالبعض لا يؤدي زكاته إطلاقا، والبعض الآخر يؤخرها عن وقتها، وآخرون لا يؤدون كل ما عليهم منها، وهذا ما يحرم الفقراء من أخذ حقهم الذي كتبه الله لهم في أموال الأغنياء، لذلك يجتهد ديوان الزكاة في تحصيل هذا الحق بكل وسيلة مشروعة، من أجل إيصاله للفقراء، ومن أجل ضمان قيام المسلمين بهذه الفريضة.
فإذا وجد الإمام أن حاجة الفقراء والمساكين قد تم سدّها من أموال الزكاة أو من سواها، وأن المسلمين يؤدون هذه الفريضة، وأجاز لهم أداءها بأنفسهم وكلاء عنه، فعند ذلك يجب على من ملك النصاب أن يؤديها بنفسه إلى من يحتاجها، ونسأل الله أن يكون هذا اليوم قريبا، فيتحقق فينا وصف حال الأمة في آخر الزمان أن يطوف المسلم بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.
- مالسبب برأيك في امتناع الأغنياء عن أداء الزكاة رغم أن وجوبها من المعلوم من الدين بالضرورة؟
السبب الأول ولا شك هو قلة الدين وحب المال ولا ننسى أن الكثير من المرتدين في عهد أبي بكر رضي الله عنه تركوا الإسلام رغبة في ترك هذه الفريضة، ومن أمثلة قلة الدين أن بعض من كان يخرج الزكاة قبل أن يمكن الله للدولة الإسلامية كان لا يؤديها بالصورة الشرعية فتراهم يعطونها لمن لا يستحقها، ويحرمون منها الفقراء، فيخصون بهذا المال من يودّون مساعدته من قريب أو صديق، بل وسمعنا أن البعض كان يعطي هذا المال للموظفين ولضباط النظام النصيري على سبيل الرشوة، والله المستعان.
ولذلك تجد أن البعض يحاولون التهرب من أداءها إلى الديوان لأن ديوان الزكاة سيأخذ منهم كامل الحق المفروض في مالهم وفي وقته المحدد وسيتولى هو إيصاله للفقراء ولو علم هؤلاء أننا بذلك ننجيهم من عذاب الله الذي سيصيبهم بعدم أداءهم لهذه الركن لحمدوا الله أن هيئ لهم من يحمل عنهم هذا العبء ويؤدي عنهم هذه الفريضة بالشكل الصحيح.
- لاحظت أنك في كلامك تركز أن الزكاة حق الفقير، بالرغم من أن الله عز وجل جعل مصارف الزكاة سبعة،فما هو نصيب المستحقين الآخرين للزكاة منها؟
إن الأصل في الزكاة أنها حق الفقير لقوله عليه الصلاة والسلام (تؤخذ من غنيهم وتردّ إلى فقيرهم)، وعلى هذا الأساس يعمل ديوان الزكاة، فالسعي الآن لسد حاجة الفقراء والمساكين بالدرجة الأولى، خاصة في الظرف الذي نعيشه اليوم والذي تزداد فيه حاجتهم.
وتوزيع أموال الزكاة على مصارفها الشرعية إنما يخضع لاجتهاد الإمام أولا فيوزعها بحسب حاجة كل باب، وبناء على هذا فقد تم تفعيل الأبواب كلها في وقت من الأوقات ولكن عندما وجدنا شدة حاجة الفقراء والمساكين فقد استحصلنا من اللجنة العامة المشرفة على الإذن بتحويل الأموال من بعض الأبواب بشكل جزئي أو كلي ليوزع على أسهم الفقراء والمساكين فأخذنا كامل حصة سهم (في سبيل الله) الذي يخصص عادة للجهاد وتقوية الثغور، وثلاثة أرباع سهم (الغارمين) وجزءا من سهم (العاملين عليها) كما تقرر أخذ كل ما يفيض شهريا من حاجة سهم (ابن السبيل).
ولكن كما قلت لك القضية تخضع للحاجة والاجتهاد فأينما زادت الحاجة يتم توجيه المال وفي الأمر سعة والحمد لله وعلى سبيل المثال فسهما (في الرقاب) و(المؤلفة قلوبهم) موجودان وندفع الأموال منهما بحسب الحاجة حيث نُعلِم الإخوة في هيئة الأسرى بشكل دوري بمقدار الموجود لدينا من مال مخصص لفكاك أسرى المسلمين وهم يأخذون من هذا المال بحسب حاجتهم بناء على تفويض من اللجنة العامة المشرفة، وقد خرج بحمد الله الكثير من الأسرى من المجاهدين وعامة المسلمين بعدما فداهم الإخوة بهذا المال وكذلك الأمر بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) إذ يدفع منه بقدر الحاجة إلى ذلك نصرة للدين وتثبيتا للمسلمين.
وكما يتبين لك فالقسم الغالب من الأموال التي يجبيها ديوان الزكاة اليوم إنما تذهب لسهمي الفقراء والمساكين، ونسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين وأن يغنيهم الله بفضله.
- يوجد اضطراب كبير في تعريف كل من الفقراء والمساكين في أذهان الناس، فما هي المعايير التي تبنون عليها تحديدكم لهتين الفئتين من الناس، وحجم ما يأخذونه من مال الزكاة؟
ما يبني عليه ديوان الزكاة في الدولة الإسلامية في تعريف الفقير والمسكين هو مقدار الكفاية فمن ملك أكثر من نصف كفايته ولم يحقق الكفاية يكون مسكينا ومن ملك أقل من نصف الكفاية فهو الفقير، وما ندفعه للفقير والمسكين هو لإيصاله إلى حد الكفاية فيكون بذلك غنيا وهذا ما سنصل إليه بإذن الله إذا أدى كل الأغنياء في الدولة الإسلامية زكاتهم على وجهها.
أما حد الكفاية فهو كما تعلم مفهوم نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان وباختلاف حال الناس ومن يعولون ونعمل الآن على إنجاز دراسة لتحديد مقادير كمية لحد الكفاية تتضمن أرقاما مالية لقيمة احتياجاتهم الأساسية وعلى أساس حجم الأسرة سيتم وضع حدود متعددة للكفاية، بحيث يمكننا من خلال ذلك تصنيف الناس إلى فقراء ومساكين وأغنياء ويتم إعطاء الفقراء والمساكين بمقدار ما يسد كفايتهم سواء بتقديم الأموال لهم نقدا ليكفوا حاجتهم من الطعام والشراب والمسكن ومواد التنظيف وغاز الطبخ أو بواسطة وذلك بسداد قيمة ما يستهلكونه من خدمات صحية وتعليمية وخدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي وكذلك قيمة وقود التدفئة بدفع هذا الجزء من المال لدواوين الدولة الإسلامية ذات العلاقة لتقوم بتقديم خدماتها للفقراء والمساكين دون أن تتقاضى منهم مقابلا لذلك أسوة بالأغنياء.
- بالنسبة للعلاقة مع باقي دوواين الدولة الإسلامية، وخاصة العلاقات المالية منها كيف تتم؟ وهل تشترك كلها في بيت مال واحد يوزع عليها احتياجاتها، وينقل بينها مستحقات كل منها على الآخر؟
دعنا نخصص الأمر بموضوع ديوان الزكاة، ولنترك كل ديوان يفصل في شؤونه الخاصة، فالزكاة كما بينا في الإجابات السابقة لها مصارف محدّدة تختلف عن باقي مصارف الدولة الإسلامية، وبناء على ذلك فإن أموال الزكاة لا تختلط بباقي أموالها، ولذلك لدينا بيت مال للزكاة منفصل تماما عن بيت مال المسلمين العام، سواء من حيث الواردات وهي الجبايات، أو الخارج وهو المال الموزع في مصارف الزكاة، وإن كان الأمر يتم تحت إشراف الإخوة اللجنة العامة المشرفة حفظهم الله، فهم ينوبون عن أمير المؤمنين في ذلك.
ولم يكن يخرج من بيت مال الزكاة إلى بيت مال المسلمين سوى سهم (في سبيل الله) وقد أعاده الإخوة إلينا لنصرفه على الفقراء والمساكين، بل وزادوا على ذلك أن تكفلوا بدفع جزء كبير من نفقات الديوان التي يفترض أن تدفع من سهم (العاملين عليها) لتوفير المال للفقراء والمساكين.
وقد ذكرت لك أننا ندفع من بيت مال الزكاة للإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء ما يحتاجون لفداء أسارى المسلمين، وكذلك الحال بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) نعطي منه بمقدار الحاجة لذلك، وكذلك ما تحدثنا عنه من مستحقات للدواوين التي تقدم الخدمات للفقراء والمساكين فإننا نؤدي حقوقها من بيت مال الزكاة.
أما عن علاقة الدواوين الأخرى بالزكاة، فتكاد لا تجد – بحمد الله – ديوان من دواوين دولة الخلافة إلا وهو يساهم في إقامة شعيرة الزكاة، وهذا من فضل الله على الإخوة المجاهدين.
فالإخوة في ديواني الإعلام والدعوة والمساجد يقومون بدور كبير في تذكير المسلمين بهذا الواجب، وحث الناس على القيام به من خلال الخطب والدروس والإصدارات والمطبوعات، كما يشرف أئمة المساجد على تسجيل المحتاجين للزكاة كل في منطقته.
والإخوة في ديوان الحسبة يساهمون معنا في متابعة أداء المسلمين للزكاة، وفي مكافحة التسول عن طريق إحالة المتسولين إلى الديوان لسد حاجة المحتاج منهم ومعاقبة من يثبت أنه يسأل الناس من غير حاجة.
وإخواننا في الولايات يقومون على تسهيل أداء مراكز الزكاة لوظيفتها وإزالة العوائق التي تعترضهم، ومتابعة أداء المسلمين للزكاة عن طريق الحواجز والدوريات على الطرق التي تتحقق من قوافل التجار وشاحناتهم.
وديوان الزراعة يشاركنا العمل في جباية زكاة الزروع، ووضع الضوابط التي تضمن التزام المزارعين بأدائها، كما يشرفون على بيع ما يتم جبايته من زكاة الزروع لتحويله إلى أموال نقدية يسهل التعامل معها بشكل أكبر.
وكذلك فإن قضايا الممتنعين عن أداء الزكاة، أو من يثبت تلاعبه في أدائها بتغيير المال أو إخفاؤه، أو من يحاول رشوة العاملين عليها، أو من يأخذها من غير المستحقين، كلها يتم إحالتها إلى ديوان القضاء ليقوموا بمحاسبتهم كل بحسب جريمته.
فيما يعمل الإخوة في هيئة البحوث والإفتاء إلى جانب القسم الشرعي في الديوان على إعداد البحوث في نوازل الزكاة لبيان الحكم الشرعي فيها، فيتم العمل في ضوءه.
وقد ذكرت لك ما تقوم به دواوين الخدمات العامة، والتعليم، والصحة، والركاز في خدمة الفقراء والمساكين، وما يقوم به الإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء والعلاقات العامة في أداء سهمي (في الرقاب) و (المؤلفة قلوبهم).
ولا يفوتنا طبعا أن نذكر أن المجاهدين والمرابطين في ديوان الجند لهم الفضل بعد الله في قيام هذا الشعيرة وبقاء أداءها، إذ لولا القتال في سبيل الله لما قامت دولة الخلافة الإسلامية، ولا أقيم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.
- نتوقف عند هذه النقطة أخانا الحبيب، ونسأل الله أن يجزيكم كل خير على توضيحاتكم لنا ولإخواننا القراء، وسنكمل معكم الحوار في جلسة لاحقة لتبينوا لنا كيف يدير ديوان الزكاة عملية جمع الزكاة وتوزيعها في ولايات الدولة الإسلامية، والآلية المطبقة لتحقيق ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 هـ
من:
حوار مع أمير ديوان الزكاة
(نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين)
موضحا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة واداءها في الدولة الإسلامية.
ومبينا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دوواينها.
وكاشفا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين.
- الدولة الإسلامية في حرب مع دول الشرك كلها، ألم يكن ممكنا تأجيل تطبيق الزكاة حتى الانتهاء من هذه الحرب؟
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
لقد شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين، وجعل الزكاة من شروط التمكين الشرعي، قال تعالى (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، فنحن لم نجاهد لمجرد الاستيلاء على الأرض، وامتلاك السلطة فيها، وإنما لنقيم فيها دين الله.
والمجاهدون إنما يرابطون على الجبهات ويبذلون دماءهم هناك وهم حريصون أن يروا شريعة الله تقام في الأرض التي يفتحونها كاملة غير منقوصة.
ونحن بإذن الله ما إن يمكننا الله من قطعة من الأرض مهما صغرت، ولو لفترة محدودة، فإننا سنطبق شرع الله فيها، فنقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.
- وهل جباية الزكاة وتوزيعها من تطبيق الشريعة؟ الكثير من الناس يظنون أن ذلك ينحصر بفتح المحاكم التي تحكم بشرع الله، وتقيم الحدود على الجناة؟
كل ما بلغنا به رسول الله عليه الصلاة والسلام هو من شريعة الله، فما بالك بالزكاة التي هي أحد أركان الإسلام، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)، فالمحاكم قد تمر عليها فترات طويلة دون أن تقضي في قضية واحدة إذا لما ترفع إليها خصومة، والحدود قد لا تقام لشهور أو سنوات إذا انصلح الناس ولم ينتهكوا حدود الله، ولكن الزكاة تقام في كل حال ما دام هناك أغنياء لديهم مال يتجاوز النصاب.
- ولماذا لا تتركون الناس يدفعون زكاة أموالهم بأنفسهم للفقراء؟ لماذا يتولى ديوان الزكاة مهمة جباية الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء؟
لأن هذا هو الأصل في أداء الزكاة، أن يؤدي الأغنياء الزكاة للإمام، ويتولى هو ردّها على الفقراء، قال تعالى لإمام المسلمين عليه الصلاة والسلام (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)، وفي وصيّة النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن (فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس) فالنبي عليه الصلاة والسلام يأمر عامله أن يأخذ الزكاة من غنيهم ويردّها على فقيرهم، وكذلك لنا في فعل الصحابة سنّة حسنة، حيث قاتل الصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة لأنهم رفضوا أداءها، ولم يقروهم على أدائها بأيديهم، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)، ومن كل ذلك يتبين أن أخذ الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء إنما هو من مهام الإمام الذي هو خليفة المسلمين، أو من ينوب عنه في ذلك، وفي حال وجوده وتمكنه من أخذ الزكاة، فلا يجوز الافتئات عليه بالتصرف فيها.
وفي الدولة الإسلامية يقوم ديوان الزكاة نيابة عن أمير المؤمنين حفظه الله بالقيام على هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام.
والجانب الآخر الذي يزيد من فرضية إشراف الديوان على أخذ الزكاة وأداءها هو كثرة الفقراء في أراضي الدولة الإسلامية وقلة الأغنياء، وخاصة بسبب الحرب وما تفرضها من تهجير للمسلمين وتدمير لممتلكاتهم وتعطيل لأشغالهم، وذلك إعراض الكثير من أغنياء المسلمين عن أداء زكاتهم كما ينبغي، فالبعض لا يؤدي زكاته إطلاقا، والبعض الآخر يؤخرها عن وقتها، وآخرون لا يؤدون كل ما عليهم منها، وهذا ما يحرم الفقراء من أخذ حقهم الذي كتبه الله لهم في أموال الأغنياء، لذلك يجتهد ديوان الزكاة في تحصيل هذا الحق بكل وسيلة مشروعة، من أجل إيصاله للفقراء، ومن أجل ضمان قيام المسلمين بهذه الفريضة.
فإذا وجد الإمام أن حاجة الفقراء والمساكين قد تم سدّها من أموال الزكاة أو من سواها، وأن المسلمين يؤدون هذه الفريضة، وأجاز لهم أداءها بأنفسهم وكلاء عنه، فعند ذلك يجب على من ملك النصاب أن يؤديها بنفسه إلى من يحتاجها، ونسأل الله أن يكون هذا اليوم قريبا، فيتحقق فينا وصف حال الأمة في آخر الزمان أن يطوف المسلم بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.
- مالسبب برأيك في امتناع الأغنياء عن أداء الزكاة رغم أن وجوبها من المعلوم من الدين بالضرورة؟
السبب الأول ولا شك هو قلة الدين وحب المال ولا ننسى أن الكثير من المرتدين في عهد أبي بكر رضي الله عنه تركوا الإسلام رغبة في ترك هذه الفريضة، ومن أمثلة قلة الدين أن بعض من كان يخرج الزكاة قبل أن يمكن الله للدولة الإسلامية كان لا يؤديها بالصورة الشرعية فتراهم يعطونها لمن لا يستحقها، ويحرمون منها الفقراء، فيخصون بهذا المال من يودّون مساعدته من قريب أو صديق، بل وسمعنا أن البعض كان يعطي هذا المال للموظفين ولضباط النظام النصيري على سبيل الرشوة، والله المستعان.
ولذلك تجد أن البعض يحاولون التهرب من أداءها إلى الديوان لأن ديوان الزكاة سيأخذ منهم كامل الحق المفروض في مالهم وفي وقته المحدد وسيتولى هو إيصاله للفقراء ولو علم هؤلاء أننا بذلك ننجيهم من عذاب الله الذي سيصيبهم بعدم أداءهم لهذه الركن لحمدوا الله أن هيئ لهم من يحمل عنهم هذا العبء ويؤدي عنهم هذه الفريضة بالشكل الصحيح.
- لاحظت أنك في كلامك تركز أن الزكاة حق الفقير، بالرغم من أن الله عز وجل جعل مصارف الزكاة سبعة،فما هو نصيب المستحقين الآخرين للزكاة منها؟
إن الأصل في الزكاة أنها حق الفقير لقوله عليه الصلاة والسلام (تؤخذ من غنيهم وتردّ إلى فقيرهم)، وعلى هذا الأساس يعمل ديوان الزكاة، فالسعي الآن لسد حاجة الفقراء والمساكين بالدرجة الأولى، خاصة في الظرف الذي نعيشه اليوم والذي تزداد فيه حاجتهم.
وتوزيع أموال الزكاة على مصارفها الشرعية إنما يخضع لاجتهاد الإمام أولا فيوزعها بحسب حاجة كل باب، وبناء على هذا فقد تم تفعيل الأبواب كلها في وقت من الأوقات ولكن عندما وجدنا شدة حاجة الفقراء والمساكين فقد استحصلنا من اللجنة العامة المشرفة على الإذن بتحويل الأموال من بعض الأبواب بشكل جزئي أو كلي ليوزع على أسهم الفقراء والمساكين فأخذنا كامل حصة سهم (في سبيل الله) الذي يخصص عادة للجهاد وتقوية الثغور، وثلاثة أرباع سهم (الغارمين) وجزءا من سهم (العاملين عليها) كما تقرر أخذ كل ما يفيض شهريا من حاجة سهم (ابن السبيل).
ولكن كما قلت لك القضية تخضع للحاجة والاجتهاد فأينما زادت الحاجة يتم توجيه المال وفي الأمر سعة والحمد لله وعلى سبيل المثال فسهما (في الرقاب) و(المؤلفة قلوبهم) موجودان وندفع الأموال منهما بحسب الحاجة حيث نُعلِم الإخوة في هيئة الأسرى بشكل دوري بمقدار الموجود لدينا من مال مخصص لفكاك أسرى المسلمين وهم يأخذون من هذا المال بحسب حاجتهم بناء على تفويض من اللجنة العامة المشرفة، وقد خرج بحمد الله الكثير من الأسرى من المجاهدين وعامة المسلمين بعدما فداهم الإخوة بهذا المال وكذلك الأمر بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) إذ يدفع منه بقدر الحاجة إلى ذلك نصرة للدين وتثبيتا للمسلمين.
وكما يتبين لك فالقسم الغالب من الأموال التي يجبيها ديوان الزكاة اليوم إنما تذهب لسهمي الفقراء والمساكين، ونسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين وأن يغنيهم الله بفضله.
- يوجد اضطراب كبير في تعريف كل من الفقراء والمساكين في أذهان الناس، فما هي المعايير التي تبنون عليها تحديدكم لهتين الفئتين من الناس، وحجم ما يأخذونه من مال الزكاة؟
ما يبني عليه ديوان الزكاة في الدولة الإسلامية في تعريف الفقير والمسكين هو مقدار الكفاية فمن ملك أكثر من نصف كفايته ولم يحقق الكفاية يكون مسكينا ومن ملك أقل من نصف الكفاية فهو الفقير، وما ندفعه للفقير والمسكين هو لإيصاله إلى حد الكفاية فيكون بذلك غنيا وهذا ما سنصل إليه بإذن الله إذا أدى كل الأغنياء في الدولة الإسلامية زكاتهم على وجهها.
أما حد الكفاية فهو كما تعلم مفهوم نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان وباختلاف حال الناس ومن يعولون ونعمل الآن على إنجاز دراسة لتحديد مقادير كمية لحد الكفاية تتضمن أرقاما مالية لقيمة احتياجاتهم الأساسية وعلى أساس حجم الأسرة سيتم وضع حدود متعددة للكفاية، بحيث يمكننا من خلال ذلك تصنيف الناس إلى فقراء ومساكين وأغنياء ويتم إعطاء الفقراء والمساكين بمقدار ما يسد كفايتهم سواء بتقديم الأموال لهم نقدا ليكفوا حاجتهم من الطعام والشراب والمسكن ومواد التنظيف وغاز الطبخ أو بواسطة وذلك بسداد قيمة ما يستهلكونه من خدمات صحية وتعليمية وخدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي وكذلك قيمة وقود التدفئة بدفع هذا الجزء من المال لدواوين الدولة الإسلامية ذات العلاقة لتقوم بتقديم خدماتها للفقراء والمساكين دون أن تتقاضى منهم مقابلا لذلك أسوة بالأغنياء.
- بالنسبة للعلاقة مع باقي دوواين الدولة الإسلامية، وخاصة العلاقات المالية منها كيف تتم؟ وهل تشترك كلها في بيت مال واحد يوزع عليها احتياجاتها، وينقل بينها مستحقات كل منها على الآخر؟
دعنا نخصص الأمر بموضوع ديوان الزكاة، ولنترك كل ديوان يفصل في شؤونه الخاصة، فالزكاة كما بينا في الإجابات السابقة لها مصارف محدّدة تختلف عن باقي مصارف الدولة الإسلامية، وبناء على ذلك فإن أموال الزكاة لا تختلط بباقي أموالها، ولذلك لدينا بيت مال للزكاة منفصل تماما عن بيت مال المسلمين العام، سواء من حيث الواردات وهي الجبايات، أو الخارج وهو المال الموزع في مصارف الزكاة، وإن كان الأمر يتم تحت إشراف الإخوة اللجنة العامة المشرفة حفظهم الله، فهم ينوبون عن أمير المؤمنين في ذلك.
ولم يكن يخرج من بيت مال الزكاة إلى بيت مال المسلمين سوى سهم (في سبيل الله) وقد أعاده الإخوة إلينا لنصرفه على الفقراء والمساكين، بل وزادوا على ذلك أن تكفلوا بدفع جزء كبير من نفقات الديوان التي يفترض أن تدفع من سهم (العاملين عليها) لتوفير المال للفقراء والمساكين.
وقد ذكرت لك أننا ندفع من بيت مال الزكاة للإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء ما يحتاجون لفداء أسارى المسلمين، وكذلك الحال بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) نعطي منه بمقدار الحاجة لذلك، وكذلك ما تحدثنا عنه من مستحقات للدواوين التي تقدم الخدمات للفقراء والمساكين فإننا نؤدي حقوقها من بيت مال الزكاة.
أما عن علاقة الدواوين الأخرى بالزكاة، فتكاد لا تجد – بحمد الله – ديوان من دواوين دولة الخلافة إلا وهو يساهم في إقامة شعيرة الزكاة، وهذا من فضل الله على الإخوة المجاهدين.
فالإخوة في ديواني الإعلام والدعوة والمساجد يقومون بدور كبير في تذكير المسلمين بهذا الواجب، وحث الناس على القيام به من خلال الخطب والدروس والإصدارات والمطبوعات، كما يشرف أئمة المساجد على تسجيل المحتاجين للزكاة كل في منطقته.
والإخوة في ديوان الحسبة يساهمون معنا في متابعة أداء المسلمين للزكاة، وفي مكافحة التسول عن طريق إحالة المتسولين إلى الديوان لسد حاجة المحتاج منهم ومعاقبة من يثبت أنه يسأل الناس من غير حاجة.
وإخواننا في الولايات يقومون على تسهيل أداء مراكز الزكاة لوظيفتها وإزالة العوائق التي تعترضهم، ومتابعة أداء المسلمين للزكاة عن طريق الحواجز والدوريات على الطرق التي تتحقق من قوافل التجار وشاحناتهم.
وديوان الزراعة يشاركنا العمل في جباية زكاة الزروع، ووضع الضوابط التي تضمن التزام المزارعين بأدائها، كما يشرفون على بيع ما يتم جبايته من زكاة الزروع لتحويله إلى أموال نقدية يسهل التعامل معها بشكل أكبر.
وكذلك فإن قضايا الممتنعين عن أداء الزكاة، أو من يثبت تلاعبه في أدائها بتغيير المال أو إخفاؤه، أو من يحاول رشوة العاملين عليها، أو من يأخذها من غير المستحقين، كلها يتم إحالتها إلى ديوان القضاء ليقوموا بمحاسبتهم كل بحسب جريمته.
فيما يعمل الإخوة في هيئة البحوث والإفتاء إلى جانب القسم الشرعي في الديوان على إعداد البحوث في نوازل الزكاة لبيان الحكم الشرعي فيها، فيتم العمل في ضوءه.
وقد ذكرت لك ما تقوم به دواوين الخدمات العامة، والتعليم، والصحة، والركاز في خدمة الفقراء والمساكين، وما يقوم به الإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء والعلاقات العامة في أداء سهمي (في الرقاب) و (المؤلفة قلوبهم).
ولا يفوتنا طبعا أن نذكر أن المجاهدين والمرابطين في ديوان الجند لهم الفضل بعد الله في قيام هذا الشعيرة وبقاء أداءها، إذ لولا القتال في سبيل الله لما قامت دولة الخلافة الإسلامية، ولا أقيم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.
- نتوقف عند هذه النقطة أخانا الحبيب، ونسأل الله أن يجزيكم كل خير على توضيحاتكم لنا ولإخواننا القراء، وسنكمل معكم الحوار في جلسة لاحقة لتبينوا لنا كيف يدير ديوان الزكاة عملية جمع الزكاة وتوزيعها في ولايات الدولة الإسلامية، والآلية المطبقة لتحقيق ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 هـ
من:
حوار مع أمير ديوان الزكاة