إذا أتاكم مجاهد ترضون خلقه ودينه فزوّجوه (2/2) وأما ما يروّج له بعض ضعاف الأنفس من شبهات حول ...

منذ 2025-01-17
إذا أتاكم مجاهد ترضون خلقه ودينه فزوّجوه
(2/2)
وأما ما يروّج له بعض ضعاف الأنفس من شبهات حول المجاهد تزهّد المسلمات فيه وتثنيهم عن الزواج منه، من أنه شخص مقتول لا محالة، ولا يطول به المقام عادة في هذه الدنيا إذ ما يلبث حتى يقتل، فهؤلاء ليس أهون من الرد عليهم بقول الله عز وجل: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} [سورة النساء: 78]، وقوله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الّذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} [سورة آل عمران: 154]، وقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزًّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل اللّه ذلك حسرةً في قلوبهم واللّه يحيي ويميت واللّه بما تعملون بصيرٌ} [سورة آل عمران: 156].

قال ابن كثير في تفسيره: «ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار وفي الحروب: لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم... ثم قال تعالى ردا عليهم: {واللّه يحيي ويميت} أي: بيده الخلق وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت إلا بمشيئته وقدره، ولا يزاد في عمر أحد ولا ينقص منه إلا بقضائه وقدره».

وكم من ميت في بيته وعلى فراشه، وكم من مجاهد قد مضت على جهاده السنين الطوال وما قتل رغم أن الموت مبتغاه والشهادة مناه، ولكن الآجال بيد الله وحده، لا يقدمها قتال ولا يؤخرها قعود، فليت شعري هل مثل المجاهد في سبيل ربه يردّ إذا استأذن أو شفع أو استنكح؟!

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة، كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع).

وعليه، فإن المسلمة المؤمنة بقضاء ربها وقدره خيره وشره، لا يجب أن تتأثر بكلمات الصادّين عن الحق وأهله، بل الأولى بها أن تقبل بمن ترضى ووليّها خلقه ودينه، وعلى الولي أن يتقي الله فيمن هن تحت ولايته من مسلمات، فلا يعضلهن بحجج واهية وشبهات سقيمة إن هن أردن العفاف والزواج من مجاهد، قال ابن قدامة: «ومعنى العضل منع المرأة من التزويج بكفئها إذا طلبت ذلك، ورغب كل واحد منهما في صاحبه، قال معقل بن يسار: زوّجت أختا لي من رجل، فطلّقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك، وأفرشتك، وأكرمتك، فطلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {فلا تعضلوهنّ}. فقلت: الآن أفعل يا رسول الله. قال: فزوجها إياه، رواه البخاري» [المغني].

إن الزواج من مجاهد رفعة للمسلمة في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا يصونها ويحسن عشرتها ويعلمها أمور دينها، وفي الآخرة يشفع لها بإذن الله إن هي أخلصت توحيدها لله، فعن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه) [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه].

ولعل بعض المسلمات لا يعرفن قصة أبي عبد الرحمن فرّوخ (وهو أحد المجاهدين) والد ربيعة الرأي (وهو أحد العلماء، توفي سنة 136هـ)، حيث ذكر الذهبي: أن فرّوخ والد ربيعة، خرج في البعوث إلى خراسان، أيام بني أمية غازيا، وربيعة حمل في بطن أمّه، وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار.

فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة، وهو راكب فرسٍ، في يده رمح، فنزل عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه، فخرج ربيعة، فقال: يا عدو الله! أتهجم على منزلي؟
فقال: لا.
وقال فرّوخ: يا عدو الله! أنت رجل دخلت على حرمتي.
فتواثبا، وتلبث كل واحد منهما بصاحبه، حتى اجتمع الجيران.
فبلغ مالك بن أنس والمشيخة، فأتوا يعينون ربيعة، فجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان.
وجعل فرّوخ يقول كذلك، ويقول: وأنت مع امرأتي.
وكثر الضجيج، فلما أبصروا بمالك، سكت الناس كلهم.
فقال مالك: أيها الشيخ! لك سعة في غير هذه الدار.
فقال الشيخ: هي داري، وأنا فرّوخ مولى بني فلان.
فسمعت امرأته كلامه، فخرجت، فقالت: هذا زوجي، وهذا ابني الذي خلفته وأنا حامل به.
فاعتنقا جميعا، وبكيا... اهـ [سير أعلام النبلاء].
نعم خرج زوجها غازيا فقدّر الله أن يغيب عنها سبعا وعشرين سنة، فلاقت غيابه بالصبر وحسن تربية ابنه.

فلله درك يا زوجة المجاهد إن أنت رضيت به وكنت له سكنا وسندا، وعلى الله أجرك يا أرملة الشهيد إن أنت صبرت واحتسبت وعلى قدر المشقة تكون المنفعة.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 33
1437 ه‍ـ

6775d63d38a0f

  • 2
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً