أكفّاركم خير من أولئكم (1/2) وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا ...
منذ 2025-01-19
أكفّاركم خير من أولئكم
(1/2)
وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا للعذاب والعقاب من الله، لذلك أنزل لقريش يحذرهم وبال شركهم ومعصيتهم، بعدما قصّ عليهم نبأ من ناله العذاب قبلهم من أقوام نوح وصالح ولوط جزاء لما فعلوه من المعاصي: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [سورة القمر: 43]، قال القرطبي: «أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدّم من الأمم الذين أُهلكوا بكفرهم» [الجامع لأحكام القرآن]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن اللّه أخبر أن سنّته لن تُبَدّل ولن تتحول، وسنّته عادته التي يسوِّي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي، وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة» [مجموع الفتاوى].
ومن المصائب التي ابتلي بها المسلمون في هذا الزمان وفي كل زمان، ما يرونه من تسلط بعض السفهاء على دين الإسلام، واتخاذه هزوا ولعبا، يقبلون منه ما اشتهوا، ويردّون منه ما كرهوا، بل والمصيبة الأكبر أنهم يجيزون لأنفسهم من المعاصي والضلال ما يحرّمونه على غيرهم، ويكفّرون أعداءهم ببعضها، فإن فعلوها هم أو من يحبّونهم صارت أعمالا صالحة يُتقرّب بها إلى الله.
وقد كان هذا دأب أهل الضلال في كل حين، فنجد أن المشركين كانوا يفعلون الفواحش من البدع ثم ينسبونها إلى الله، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف: 28]، ونجد الضالين من بني إسرائيل يأمرون الناس بالطاعات ولا يفعلونها، كما في قوله تعالى: (أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة: 44]، ونجد من زنادقة الصوفية من كان يكذب على الناس فيزعم أنه غير مكلف بالعبادات لأنه أقرب إلى الله من باقي العباد، واليوم صرنا نرى من الفصائل والأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام العجب العجاب في هذا الباب.
فتجدهم يقاتلون بعض الطواغيت، ويكفّرونهم على أفعالهم، ثم تجدهم يفعلون نفس أفعال الطواغيت، دون أن ينكر بعضهم على بعض، بل تجدهم يبرّرون لأنفسهم ولأحبابهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه ليجعلوا أفعالهم الكفرية موافقة للشريعة، بل ويجعلونها من الأعمال الصالحات، إن لم تصبح من الواجبات في بعض الأحيان، التي يؤثّمون تاركها.
وهذا التناقض الحاصل لدى القوم مردّه إلى أنهم لا يطبّقون الحكم الواحد على الحالتين بمنهج واحد، فالقانون الوضعي الذي تحكم به المحاكم في مناطق الضفة الغربية من فلسطين تحت حكم الطاغوت محمود عباس هو القانون الوضعي ذاته الذي تحكم به المحاكم في قطاع غزة تحت حكم طواغيت الإخوان من أمثال إسماعيل هنية وحزبه.
فعلى أي أساس إذن تكون الحكومة في الضفة الغربية طاغوتية مرتدة، وتكون الحكومة في قطاع غزة حكومة «شرعية»؟!
والحال مشابه في مصر، فالطاغوت حسني مبارك كان كافر مرتدا في نظر الأحزاب والفصائل، لأنه يحكم بغير ما أنزل الله، فلما نزع الله منه الملك، وصار الطاغوت محمد مرسي حاكما لمصر، حكم بالقانون الوضعي ذاته الذي كان يحكم به مبارك، ولكن الأحزاب والفصائل أعطت لمرسي وحكومته وصف «الشرعية»، بالرغم أن هذا الفعل المكفر الذي هو الحكم بالقانون الوضعي قد وقع من الطاغوتين كليهما.
فعلى أي أساس يكون الطاغوت (حسني) مرتدا يجب على المسلمين الخروج عليه وجهاده وخلعه، ويكون الطاغوت (مرسي) «مسلما» يجب على المسلمين تأييده ومناصرته، والدعاء له، والعمل على تثبيت حكمه، أو إعادته إليه بعد نزعه منه؟!
وإذا تابعنا نظرة كثير من تلك الفصائل والأحزاب إلى الديموقراطية نجد أنهم في الغالب يصرّحون بأن المجالس التشريعية أو البرلمانات هي مجالس كفرية لأنها تشرّع القوانين الوضعيّة التي يحكم بها الطواغيت، من حكام بغير ما أنزل الله، وقضاة في المحاكم الوضعية، وما شابه، وعليه فإنهم يكفّرون من يدخل تلك البرلمانات من الأحزاب العلمانية، والقوميين والعشائريين، وفي الوقت نفسه تتهافت تلك الفصائل والأحزاب على الترشح للدخول في تلك البرلمانات، وتخرج في مظاهرات، وتقوم بالثورات إذا منعت من ذلك، بل وتعطي لمشاركتها في هذا الشرك لقب «الجهاد السياسي» أو «جهاد الكلمة»، ومن يُقتل من أتباعها على يد الطواغيت وهو يطالب بالديموقرطية تعطيه لقب «الشهادة»!
◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 هـ
مقتطف من مقال:
أكفّاركم خير من أولئكم
(1/2)
وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا للعذاب والعقاب من الله، لذلك أنزل لقريش يحذرهم وبال شركهم ومعصيتهم، بعدما قصّ عليهم نبأ من ناله العذاب قبلهم من أقوام نوح وصالح ولوط جزاء لما فعلوه من المعاصي: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [سورة القمر: 43]، قال القرطبي: «أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدّم من الأمم الذين أُهلكوا بكفرهم» [الجامع لأحكام القرآن]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن اللّه أخبر أن سنّته لن تُبَدّل ولن تتحول، وسنّته عادته التي يسوِّي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي، وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة» [مجموع الفتاوى].
ومن المصائب التي ابتلي بها المسلمون في هذا الزمان وفي كل زمان، ما يرونه من تسلط بعض السفهاء على دين الإسلام، واتخاذه هزوا ولعبا، يقبلون منه ما اشتهوا، ويردّون منه ما كرهوا، بل والمصيبة الأكبر أنهم يجيزون لأنفسهم من المعاصي والضلال ما يحرّمونه على غيرهم، ويكفّرون أعداءهم ببعضها، فإن فعلوها هم أو من يحبّونهم صارت أعمالا صالحة يُتقرّب بها إلى الله.
وقد كان هذا دأب أهل الضلال في كل حين، فنجد أن المشركين كانوا يفعلون الفواحش من البدع ثم ينسبونها إلى الله، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف: 28]، ونجد الضالين من بني إسرائيل يأمرون الناس بالطاعات ولا يفعلونها، كما في قوله تعالى: (أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة: 44]، ونجد من زنادقة الصوفية من كان يكذب على الناس فيزعم أنه غير مكلف بالعبادات لأنه أقرب إلى الله من باقي العباد، واليوم صرنا نرى من الفصائل والأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام العجب العجاب في هذا الباب.
فتجدهم يقاتلون بعض الطواغيت، ويكفّرونهم على أفعالهم، ثم تجدهم يفعلون نفس أفعال الطواغيت، دون أن ينكر بعضهم على بعض، بل تجدهم يبرّرون لأنفسهم ولأحبابهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه ليجعلوا أفعالهم الكفرية موافقة للشريعة، بل ويجعلونها من الأعمال الصالحات، إن لم تصبح من الواجبات في بعض الأحيان، التي يؤثّمون تاركها.
وهذا التناقض الحاصل لدى القوم مردّه إلى أنهم لا يطبّقون الحكم الواحد على الحالتين بمنهج واحد، فالقانون الوضعي الذي تحكم به المحاكم في مناطق الضفة الغربية من فلسطين تحت حكم الطاغوت محمود عباس هو القانون الوضعي ذاته الذي تحكم به المحاكم في قطاع غزة تحت حكم طواغيت الإخوان من أمثال إسماعيل هنية وحزبه.
فعلى أي أساس إذن تكون الحكومة في الضفة الغربية طاغوتية مرتدة، وتكون الحكومة في قطاع غزة حكومة «شرعية»؟!
والحال مشابه في مصر، فالطاغوت حسني مبارك كان كافر مرتدا في نظر الأحزاب والفصائل، لأنه يحكم بغير ما أنزل الله، فلما نزع الله منه الملك، وصار الطاغوت محمد مرسي حاكما لمصر، حكم بالقانون الوضعي ذاته الذي كان يحكم به مبارك، ولكن الأحزاب والفصائل أعطت لمرسي وحكومته وصف «الشرعية»، بالرغم أن هذا الفعل المكفر الذي هو الحكم بالقانون الوضعي قد وقع من الطاغوتين كليهما.
فعلى أي أساس يكون الطاغوت (حسني) مرتدا يجب على المسلمين الخروج عليه وجهاده وخلعه، ويكون الطاغوت (مرسي) «مسلما» يجب على المسلمين تأييده ومناصرته، والدعاء له، والعمل على تثبيت حكمه، أو إعادته إليه بعد نزعه منه؟!
وإذا تابعنا نظرة كثير من تلك الفصائل والأحزاب إلى الديموقراطية نجد أنهم في الغالب يصرّحون بأن المجالس التشريعية أو البرلمانات هي مجالس كفرية لأنها تشرّع القوانين الوضعيّة التي يحكم بها الطواغيت، من حكام بغير ما أنزل الله، وقضاة في المحاكم الوضعية، وما شابه، وعليه فإنهم يكفّرون من يدخل تلك البرلمانات من الأحزاب العلمانية، والقوميين والعشائريين، وفي الوقت نفسه تتهافت تلك الفصائل والأحزاب على الترشح للدخول في تلك البرلمانات، وتخرج في مظاهرات، وتقوم بالثورات إذا منعت من ذلك، بل وتعطي لمشاركتها في هذا الشرك لقب «الجهاد السياسي» أو «جهاد الكلمة»، ومن يُقتل من أتباعها على يد الطواغيت وهو يطالب بالديموقرطية تعطيه لقب «الشهادة»!
◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 هـ
مقتطف من مقال:
أكفّاركم خير من أولئكم