تعدّدُ الزّوجاتِ من منهاجِ النبوّةِ إن منهاج النبوة الذي ما نفتأ نردده جميعنا كلما ذكرنا ...
منذ يوم
تعدّدُ الزّوجاتِ من منهاجِ النبوّةِ
إن منهاج النبوة الذي ما نفتأ نردده جميعنا كلما ذكرنا الخلافة، في بيوتنا ومجالسنا، قياما وقعودا، ليس مجرد عبارات فضفاضة ينطق بها اللسان، ولا يؤمن بها الجَنان، بل هي كلمات عظيمة علينا أن نفهمها ونعي مكنونها، ومنهاج النبوة أن تُساس الأمة وتُقاد الرعية وفق ما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- من قرآن وسنة نبوية، ولا يجوز لمسلم أو مسلمة بحال أن يرضى من منهاج النبوة بما يوافق هواه، ويردّ ما جاء خلافا لما يحبه ويهواه.
وإن تعدد الزوجات من منهاج نبوته صلى الله عليه وسلم، فعن أنس، أن نفرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) [رواه مسلم].
وقد شرع الله تعالى تعدد الزوجات لحكم كثيرة، عَلِمْنا منها ما عَلِمْنا وجَهِلْنا منها ما جَهِلْنا، فقال تعالى في محكم التنزيل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء: 3]، فبدأ سبحانه بالمَثنى وعليه بنى بعض أهل العلم على أن الأصل في الزواج التعدد وليس الإفراد.
كما وقد راعى إسلامنا الحنيف الفطرة التي جُبل عليها الرجل والمرأة، فالرجل عموما قد عُرف عنه حبه للنساء وهذا ليس عيبا في حق الرجل، فتلك جِبِلَّة وضعها خالقه فيه، والله -عز وجل- يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [سورة آل عمران: 14]، وها هو آدم -عليه السلام- وهو في الجنة رغم ما فيه من النعيم، إلا أن ربه تعالى ذكره خلق له من ضلعه أنثى ليسكن إليها وتسكن إليه، وها هو سيد المرسلين وخاتم النبيين -صلوات ربي وسلامه عليه- فيما يرويه عنه أنس -رضي الله عنه- يقول: (حُبِّبَ إليَّ النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة) [رواه أحمد والنسائي]. قال سهل بن عبد الله: «قد حُبِّبْنَ -أي النساء- إلى سيد المرسلين، فكيف يُزهد فيهن؟».
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «خير هذه الأمة أكثرها نساء» [رواه البخاري].
لذلك فإنه ليس من العيب أن يقال أن الرجال قد جُبلوا على محبة أكثر من امرأة حليلة، فهذه من فطرة الله تعالى التي فطرهم عليها.
ولا يجب على المسلمة العاقلة أن تلقي بالا لما يروّج له أعداء الله من أن التعدد ظلم للمرأة، وتَعَدٍ على حقوقها، وأن المعدد ليس سوى رجلا أنانيا يركض وراء شهوته ولا يقيم لزوجته الأولى وَزْناً، وإن هذا البلاء الذي أصاب بعض النساء حتى بتن ينتقصن مما أحله الله تعالى، لهو مما رسّخته المسلسلات الساقطة والتمثيليات الماجنة التي دخلت بيوت المسلمين وأفسدت الدين والعقول، فأصبح المرء يرى في تعدد الزوجات خرابا لبيت الزوجية الأول، وفي الزوجة الثانية خائنة تبني سعادتها على حساب دمار أسرة!
وحاشا لله تعالى أن يشرّع أمرا فيه ظلم أو جور أو مفاسد محضة لعبيده، بل إن من حكمة الله -عز وجل- ورحمته بإمائه أن أباح للرجل اتخاذ أكثر من زوجة، فبزواج الزوج تجد الزوجة متسعا من الوقت لعبادة ربها وطلب العلم الشرعي، والاعتناء بنفسها وبأطفالها وتعليمهم أمور دينهم.
ومعلوم أن المرأة تمر بفترات لا يمكنها فيها تلبية حاجيات زوجها، كأيام الحيض والنفاس، فأيهما أنقى وأتقى، أن تكون له زوجة أخرى تعفه أو أن يطلق بصره في الحرام والعياذ بالله؟
وعلى الأخت المسلمة أن تراعي جيدا هذه النقطة وتتخلى قليلا عن أنانية النساء اللاتي إن حضن حاض الزوج وإن نفسن نفس الزوج.
ومن حِكَم التعدد العظيمة أيضا تكثير النسل المسلم الموحد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) [رواه أبو داود والنسائي]، فالتعدد من أسباب نصرة الحق، وتكثير سواد أهله.
وأيضا فمن الملاحظ ازدياد عدد النساء وتراجع عدد الرجال بسبب الحروب وما قد يعتري المجتمع المسلم من نوازل، وما ذاك إلا ليتم الله أمره الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (من أشراط الساعة: أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القَيِّم الواحد) [رواه البخاري].
وإنا اليوم قد بتنا أقرب ما يكون من ذاك الزمان الذي يقل فيه الرجال وتكثر فيه النساء، فمن يعف الأرامل ويكفل الأيتام، ومن يحصن الأيامى (والأَيِّم هي المرأة التي لا زوج لها)؟ ولقد كان الصحابة الكرام يسارعون إلى إحصان من قتل عنها زوجها أو مات، ولتعلم المسلمة أن لها أخوات مسلمات أرامل لا يجدن من يقوم على حوائجهن، ويرعى مصالحهن، ويكفيهن شر السؤال، مما قد يضطر إحداهن أحيانا لسؤال الغريب، وهذا باب فتنة حريّ بالمؤمنة الموحدة أن تساهم في غلقه.
ثم إن هناك من النساء من قد يبتليها الله تعالى بالعقم، فأيهما أفضل، أن يجبر الزوج بخاطرها فيبقيها على ذمته ويتزوج من أخرى تأتيه بالولد، فتعيش الأولى في كنفه يرعاها ويحسن إليها، أو أن يبقى أبدا دون ذرية مغلبا مراعاة مشاعرها، مع تغليبها لهواها على أن يكون له من يدعو له ولها؟!
هذا غيض من فيض من الحكم الجليلة والمعاني النبيلة والتي لأجلها شرع الله -عز وجل- التعدد.
غير أن بعض النساء -أصلحهن الله- ممن يعارضن أن يتزوج أزواجهن عليهن، عادة ما يدندن حول شبهات باهتة، ويتحججن بحجج واهية، كالغيرة والخوف من ظلم الزوج والمشاكل الزوجية، وهذا كله من تلبيس إبليس على المرأة المسلمة.
فأما الغيرة فهي شعور جِبِلِّي فطرت عليه جميع النساء، ولو كانت المرأة لا تستطيع العيش مع وجود هذا الشعور الغريزي، لما حمّلها الله فوق ما تطيق، ولكنه سبحانه يعلم وهو العليم الخبير أن المرأة تستطيع تحمّل هذا الشعور، وها هي أم المؤمنين الصدّيقة بنت الصدّيق عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- يروى عن غيرتها الشيء الكثير، غير أن غيرتها غيرة طبيعية محمودة يضبطها الشرع وتقوى الله والخشية من عقابه، وإن كانت الأخت المسلمة مقتدية ولا بد، فلتكن عائشة قدوتها، عائشة التي صبرت واحتسبت وهي ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتزوج عليها سبعا من النساء، ولم تعارض شرع ربها ولم تعاند زوجها وتطلب منه الطلاق كما تفعل بعض المسلمات بحجة الغيرة، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذّر النساء من أمر خطير، حيث قال: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة) [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]، فلتحذر المسلمة من مغبة طلب الطلاق أو السعي إلى الخلع لمجرد أن زوجها يريد حقه الشرعي وهو الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة.
وتأملي يا رعاك الله هذا القول العظيم: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم: 5]، هل تعلمين لمن وُجِّه هذا الخطاب الرباني؟ لأمهات المؤمنين سيدات بيت النبوة أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وفي الجنة! فهلا عَرَفتْ من هي دونهن من النساء قدرها، واتقت ربها، وأطاعت زوجها في غير معصية ربّها!
وأما الخوف من ظلم الزوج والخشية من عدم عدله بين الزوجات وسوء الظن به، فلا يبيح للمسلمة معارضة زوجها فيما أباحه له الله ربه وربها، الذي يحذّر الرجال بقول واضح صريح: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: 3]، وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) [أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه].
وجلّ النساء -إلا من رحم الله- دليلهن أنّ الرجل المُعدد سيظلم ويجور الآية الكريمة: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء: 129]، وهذا فهم خاطئ لأن العدل المذكور هنا إنما هو العدل فيما يخص المشاعر والميول القلبية، التي لا يملك منها العبد شيئا وهي بيد الله تعالى، وقد نزلت هذه الآية بعد آية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، فرفعت الحرج عن المؤمنين الذين ظنوا أن العدل المقصود إنما هو العدل بإطلاقه، فجاءت رحمة الله تعالى لتبين المقصود وترفع الحرج.
علما بأن المسلمة متى ما انقادت لأمر الله تعالى وأذعنت لشرعه، فلن يترها الله عملها ولن يخيبها ولن يظلمها زوجها بإذن الله تعالى، إلا أن يشاء الله ابتلاءها ليعلم مدى صبرها وإيمانها.
وأما تحجج بعض المسلمات بحدوث مشاكل وخصومات إثر زواج الزوج فليس أهون من الرد عليهن بسؤالهن، هل خَلَت بيوتكن قبل أن يفكر الزوج في الزواج من المشاكل؟! ثم هل إذا تحلّت كل زوجة بتقوى الله ستزيد المشاكل والمشاحنات أم ستقل؟ بل ستقل حتما ولربما غابت واضمحلت.
أختي المسلمة أحذرك من مغبة الانسياق وراء ما يوسوس به شيطانك لك وبعض الصويحبات من القول بأن زوجك إنما يريد الزواج لنقص في محبته لك، أو لتقصير بحقه منك، فهل يقال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تزوج على عائشة وبقية أمهات المؤمنين زهدا فيهن أو لتقصيرهن؟ حتما لا، بل إن عائشة -رضي الله عنها- كانت أحب النساء إليه ولم يمنعه ذلك من الزواج عليها، واعلمي أن محبة زوجك لك قد تزيد بعد زواجه لما قد يراه منك من طاعة ورضا وصبر.
أختي المسلمة، إن الله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [سورة الأحزاب: 36]، فاحذري أن تكوني بما تفعلين ممن يعصي الله ورسوله فيضل ضلالا مبينا، بل كوني من أهل هذه الآية: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (*) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور: 51 – 52].
◼ صحيفة النبأ - العدد 35
الثلاثاء 9 رمضان 1437 هـ
من مقال:
تعدّدُ الزّوجاتِ من منهاجِ النبوّةِ
إن منهاج النبوة الذي ما نفتأ نردده جميعنا كلما ذكرنا الخلافة، في بيوتنا ومجالسنا، قياما وقعودا، ليس مجرد عبارات فضفاضة ينطق بها اللسان، ولا يؤمن بها الجَنان، بل هي كلمات عظيمة علينا أن نفهمها ونعي مكنونها، ومنهاج النبوة أن تُساس الأمة وتُقاد الرعية وفق ما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- من قرآن وسنة نبوية، ولا يجوز لمسلم أو مسلمة بحال أن يرضى من منهاج النبوة بما يوافق هواه، ويردّ ما جاء خلافا لما يحبه ويهواه.
وإن تعدد الزوجات من منهاج نبوته صلى الله عليه وسلم، فعن أنس، أن نفرا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) [رواه مسلم].
وقد شرع الله تعالى تعدد الزوجات لحكم كثيرة، عَلِمْنا منها ما عَلِمْنا وجَهِلْنا منها ما جَهِلْنا، فقال تعالى في محكم التنزيل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء: 3]، فبدأ سبحانه بالمَثنى وعليه بنى بعض أهل العلم على أن الأصل في الزواج التعدد وليس الإفراد.
كما وقد راعى إسلامنا الحنيف الفطرة التي جُبل عليها الرجل والمرأة، فالرجل عموما قد عُرف عنه حبه للنساء وهذا ليس عيبا في حق الرجل، فتلك جِبِلَّة وضعها خالقه فيه، والله -عز وجل- يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [سورة آل عمران: 14]، وها هو آدم -عليه السلام- وهو في الجنة رغم ما فيه من النعيم، إلا أن ربه تعالى ذكره خلق له من ضلعه أنثى ليسكن إليها وتسكن إليه، وها هو سيد المرسلين وخاتم النبيين -صلوات ربي وسلامه عليه- فيما يرويه عنه أنس -رضي الله عنه- يقول: (حُبِّبَ إليَّ النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة) [رواه أحمد والنسائي]. قال سهل بن عبد الله: «قد حُبِّبْنَ -أي النساء- إلى سيد المرسلين، فكيف يُزهد فيهن؟».
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «خير هذه الأمة أكثرها نساء» [رواه البخاري].
لذلك فإنه ليس من العيب أن يقال أن الرجال قد جُبلوا على محبة أكثر من امرأة حليلة، فهذه من فطرة الله تعالى التي فطرهم عليها.
ولا يجب على المسلمة العاقلة أن تلقي بالا لما يروّج له أعداء الله من أن التعدد ظلم للمرأة، وتَعَدٍ على حقوقها، وأن المعدد ليس سوى رجلا أنانيا يركض وراء شهوته ولا يقيم لزوجته الأولى وَزْناً، وإن هذا البلاء الذي أصاب بعض النساء حتى بتن ينتقصن مما أحله الله تعالى، لهو مما رسّخته المسلسلات الساقطة والتمثيليات الماجنة التي دخلت بيوت المسلمين وأفسدت الدين والعقول، فأصبح المرء يرى في تعدد الزوجات خرابا لبيت الزوجية الأول، وفي الزوجة الثانية خائنة تبني سعادتها على حساب دمار أسرة!
وحاشا لله تعالى أن يشرّع أمرا فيه ظلم أو جور أو مفاسد محضة لعبيده، بل إن من حكمة الله -عز وجل- ورحمته بإمائه أن أباح للرجل اتخاذ أكثر من زوجة، فبزواج الزوج تجد الزوجة متسعا من الوقت لعبادة ربها وطلب العلم الشرعي، والاعتناء بنفسها وبأطفالها وتعليمهم أمور دينهم.
ومعلوم أن المرأة تمر بفترات لا يمكنها فيها تلبية حاجيات زوجها، كأيام الحيض والنفاس، فأيهما أنقى وأتقى، أن تكون له زوجة أخرى تعفه أو أن يطلق بصره في الحرام والعياذ بالله؟
وعلى الأخت المسلمة أن تراعي جيدا هذه النقطة وتتخلى قليلا عن أنانية النساء اللاتي إن حضن حاض الزوج وإن نفسن نفس الزوج.
ومن حِكَم التعدد العظيمة أيضا تكثير النسل المسلم الموحد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) [رواه أبو داود والنسائي]، فالتعدد من أسباب نصرة الحق، وتكثير سواد أهله.
وأيضا فمن الملاحظ ازدياد عدد النساء وتراجع عدد الرجال بسبب الحروب وما قد يعتري المجتمع المسلم من نوازل، وما ذاك إلا ليتم الله أمره الذي أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (من أشراط الساعة: أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القَيِّم الواحد) [رواه البخاري].
وإنا اليوم قد بتنا أقرب ما يكون من ذاك الزمان الذي يقل فيه الرجال وتكثر فيه النساء، فمن يعف الأرامل ويكفل الأيتام، ومن يحصن الأيامى (والأَيِّم هي المرأة التي لا زوج لها)؟ ولقد كان الصحابة الكرام يسارعون إلى إحصان من قتل عنها زوجها أو مات، ولتعلم المسلمة أن لها أخوات مسلمات أرامل لا يجدن من يقوم على حوائجهن، ويرعى مصالحهن، ويكفيهن شر السؤال، مما قد يضطر إحداهن أحيانا لسؤال الغريب، وهذا باب فتنة حريّ بالمؤمنة الموحدة أن تساهم في غلقه.
ثم إن هناك من النساء من قد يبتليها الله تعالى بالعقم، فأيهما أفضل، أن يجبر الزوج بخاطرها فيبقيها على ذمته ويتزوج من أخرى تأتيه بالولد، فتعيش الأولى في كنفه يرعاها ويحسن إليها، أو أن يبقى أبدا دون ذرية مغلبا مراعاة مشاعرها، مع تغليبها لهواها على أن يكون له من يدعو له ولها؟!
هذا غيض من فيض من الحكم الجليلة والمعاني النبيلة والتي لأجلها شرع الله -عز وجل- التعدد.
غير أن بعض النساء -أصلحهن الله- ممن يعارضن أن يتزوج أزواجهن عليهن، عادة ما يدندن حول شبهات باهتة، ويتحججن بحجج واهية، كالغيرة والخوف من ظلم الزوج والمشاكل الزوجية، وهذا كله من تلبيس إبليس على المرأة المسلمة.
فأما الغيرة فهي شعور جِبِلِّي فطرت عليه جميع النساء، ولو كانت المرأة لا تستطيع العيش مع وجود هذا الشعور الغريزي، لما حمّلها الله فوق ما تطيق، ولكنه سبحانه يعلم وهو العليم الخبير أن المرأة تستطيع تحمّل هذا الشعور، وها هي أم المؤمنين الصدّيقة بنت الصدّيق عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- يروى عن غيرتها الشيء الكثير، غير أن غيرتها غيرة طبيعية محمودة يضبطها الشرع وتقوى الله والخشية من عقابه، وإن كانت الأخت المسلمة مقتدية ولا بد، فلتكن عائشة قدوتها، عائشة التي صبرت واحتسبت وهي ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتزوج عليها سبعا من النساء، ولم تعارض شرع ربها ولم تعاند زوجها وتطلب منه الطلاق كما تفعل بعض المسلمات بحجة الغيرة، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذّر النساء من أمر خطير، حيث قال: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة) [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]، فلتحذر المسلمة من مغبة طلب الطلاق أو السعي إلى الخلع لمجرد أن زوجها يريد حقه الشرعي وهو الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة.
وتأملي يا رعاك الله هذا القول العظيم: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم: 5]، هل تعلمين لمن وُجِّه هذا الخطاب الرباني؟ لأمهات المؤمنين سيدات بيت النبوة أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا وفي الجنة! فهلا عَرَفتْ من هي دونهن من النساء قدرها، واتقت ربها، وأطاعت زوجها في غير معصية ربّها!
وأما الخوف من ظلم الزوج والخشية من عدم عدله بين الزوجات وسوء الظن به، فلا يبيح للمسلمة معارضة زوجها فيما أباحه له الله ربه وربها، الذي يحذّر الرجال بقول واضح صريح: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: 3]، وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل) [أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه].
وجلّ النساء -إلا من رحم الله- دليلهن أنّ الرجل المُعدد سيظلم ويجور الآية الكريمة: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة النساء: 129]، وهذا فهم خاطئ لأن العدل المذكور هنا إنما هو العدل فيما يخص المشاعر والميول القلبية، التي لا يملك منها العبد شيئا وهي بيد الله تعالى، وقد نزلت هذه الآية بعد آية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، فرفعت الحرج عن المؤمنين الذين ظنوا أن العدل المقصود إنما هو العدل بإطلاقه، فجاءت رحمة الله تعالى لتبين المقصود وترفع الحرج.
علما بأن المسلمة متى ما انقادت لأمر الله تعالى وأذعنت لشرعه، فلن يترها الله عملها ولن يخيبها ولن يظلمها زوجها بإذن الله تعالى، إلا أن يشاء الله ابتلاءها ليعلم مدى صبرها وإيمانها.
وأما تحجج بعض المسلمات بحدوث مشاكل وخصومات إثر زواج الزوج فليس أهون من الرد عليهن بسؤالهن، هل خَلَت بيوتكن قبل أن يفكر الزوج في الزواج من المشاكل؟! ثم هل إذا تحلّت كل زوجة بتقوى الله ستزيد المشاكل والمشاحنات أم ستقل؟ بل ستقل حتما ولربما غابت واضمحلت.
أختي المسلمة أحذرك من مغبة الانسياق وراء ما يوسوس به شيطانك لك وبعض الصويحبات من القول بأن زوجك إنما يريد الزواج لنقص في محبته لك، أو لتقصير بحقه منك، فهل يقال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد تزوج على عائشة وبقية أمهات المؤمنين زهدا فيهن أو لتقصيرهن؟ حتما لا، بل إن عائشة -رضي الله عنها- كانت أحب النساء إليه ولم يمنعه ذلك من الزواج عليها، واعلمي أن محبة زوجك لك قد تزيد بعد زواجه لما قد يراه منك من طاعة ورضا وصبر.
أختي المسلمة، إن الله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [سورة الأحزاب: 36]، فاحذري أن تكوني بما تفعلين ممن يعصي الله ورسوله فيضل ضلالا مبينا، بل كوني من أهل هذه الآية: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (*) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور: 51 – 52].
◼ صحيفة النبأ - العدد 35
الثلاثاء 9 رمضان 1437 هـ
من مقال:
تعدّدُ الزّوجاتِ من منهاجِ النبوّةِ