وَسَتُسْأَلِينَ عَنْ عُمْرِكِ فِيمَا أَفنَيْتِهِ [1/2] كم من الوقت يقضيه الناس بين قيل وقال، ...
منذ 2025-02-03
وَسَتُسْأَلِينَ عَنْ عُمْرِكِ فِيمَا أَفنَيْتِهِ
[1/2]
كم من الوقت يقضيه الناس بين قيل وقال، وكم من الفراغ يمضونه بين سفاسف الأعمال، وكم من العمر يهدرونه بين تفريط وتقصير، وكم من النعم يضيعونها دونما شكر أو تقدير!
ولعل الرجال في هذا الشأن أهون حالا من النساء، إذ إنهم وبحكم القوامة التي ألزمهم الله بها، والتكاليف التي فُرضت عليهم دون النساء، هم بين عمل وجهاد ورباط -هكذا حالهم في دولة الإسلام- أما النساء فيا لطول فراغهن، فراغ ستسأل عنه المرأة كما الرجل، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، قال المباركفوري: «المغبون أي الخاسر في التجارة مأخوذ من الغبن في البيع. والمعنى: لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها ولا ينفعهم الندم» [تحفة الأحوذي].
قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: «ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحذق لئلا يُغبَن، فالصحة والفراغ رأس مال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان، ومجاهدة النفسِ وعدوِ الدين، ليربح خيري الدنيا والآخرة» [فتح الباري]، فلتحذر المسلمة فإن عمرها رأس مالها، وأنَّى لتاجر ضيع رأس ماله أن يفوز ويربح!
فالفراغ إذن نعمة لا يثمنها كثير من النسوة، إذ نجد الواحدة منهن تهدر وقتها في أمور قد تعمر بها دنياها، ولكنها حتما تخرب بها أخراها؛ من جلسة إلى جلسة، ومن حديث إلى حديث، ومن اتصال إلى اتصال، وكل ذلك لا يكاد يخلو من غيبة، أو نميمة، أو إرجاف، أو تناقل إشاعة كاذبة وإذاعتها بين الناس، إلا من رحم ربي وهن قليلات.
وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه) [رواه الترمذي].
فهلّا تأملتْ المسلمة في عمرها فيما أفنته؟ وهلا حاسبت نفسها الأمارة بالسوء عن وقتها فيما أضاعته؟ والله تعالى يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93]، وقال الحسن البصري، رحمه الله: «يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يحدث فيها خيرا تقطعت نفسه عليها حسرات».
هذه ساعات لم يحدِث المرء فيها خيرا تتقطع نفسه عليها حسرات، فكيف بساعات يحدثِ فيها شرا؟ كيف بساعات أسخط فيها ربه وأفرح الشيطان ولم يكُ من المفلحين؟
أيتها الأخت المسلمة إن الناس لم يُخلقوا عبثا حتى يفنوا أعمارهم فيما يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم، كيف والله تبارك وتعالى يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، بل خُلقوا ليعبدوا الله -عز وجل- وحده ويعمروا هذه الأرض وفق ما أراده الخالق وشاء، إذ يقول الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فكيف ستتحقق هذه العبادة للمرأة المسلمة إن هي أهدرت عمرها تلهث وراء الشهوات والملذات، وكانت من اللاهيات الغافلات؟
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعِظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه الحاكم].
قال المناوي: «(اغتنم خمسا قبل خمس)، أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء؛ (حياتك قبل موتك)، يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه وتوالى همه، فاقترض منك لك، (وصحتك قبل سقمك)، أي اغتنم العمل حال الصحة، فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد، (وفراغك قبل شغلك)، أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر، فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان، (وشبابك قبل هرمك)، أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله، (وغناك قبل فقرك)، أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها» [فيض القدير].
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 هـ
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
[1/2]
كم من الوقت يقضيه الناس بين قيل وقال، وكم من الفراغ يمضونه بين سفاسف الأعمال، وكم من العمر يهدرونه بين تفريط وتقصير، وكم من النعم يضيعونها دونما شكر أو تقدير!
ولعل الرجال في هذا الشأن أهون حالا من النساء، إذ إنهم وبحكم القوامة التي ألزمهم الله بها، والتكاليف التي فُرضت عليهم دون النساء، هم بين عمل وجهاد ورباط -هكذا حالهم في دولة الإسلام- أما النساء فيا لطول فراغهن، فراغ ستسأل عنه المرأة كما الرجل، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، قال المباركفوري: «المغبون أي الخاسر في التجارة مأخوذ من الغبن في البيع. والمعنى: لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها ولا ينفعهم الندم» [تحفة الأحوذي].
قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: «ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحذق لئلا يُغبَن، فالصحة والفراغ رأس مال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان، ومجاهدة النفسِ وعدوِ الدين، ليربح خيري الدنيا والآخرة» [فتح الباري]، فلتحذر المسلمة فإن عمرها رأس مالها، وأنَّى لتاجر ضيع رأس ماله أن يفوز ويربح!
فالفراغ إذن نعمة لا يثمنها كثير من النسوة، إذ نجد الواحدة منهن تهدر وقتها في أمور قد تعمر بها دنياها، ولكنها حتما تخرب بها أخراها؛ من جلسة إلى جلسة، ومن حديث إلى حديث، ومن اتصال إلى اتصال، وكل ذلك لا يكاد يخلو من غيبة، أو نميمة، أو إرجاف، أو تناقل إشاعة كاذبة وإذاعتها بين الناس، إلا من رحم ربي وهن قليلات.
وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه) [رواه الترمذي].
فهلّا تأملتْ المسلمة في عمرها فيما أفنته؟ وهلا حاسبت نفسها الأمارة بالسوء عن وقتها فيما أضاعته؟ والله تعالى يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93]، وقال الحسن البصري، رحمه الله: «يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يحدث فيها خيرا تقطعت نفسه عليها حسرات».
هذه ساعات لم يحدِث المرء فيها خيرا تتقطع نفسه عليها حسرات، فكيف بساعات يحدثِ فيها شرا؟ كيف بساعات أسخط فيها ربه وأفرح الشيطان ولم يكُ من المفلحين؟
أيتها الأخت المسلمة إن الناس لم يُخلقوا عبثا حتى يفنوا أعمارهم فيما يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم، كيف والله تبارك وتعالى يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، بل خُلقوا ليعبدوا الله -عز وجل- وحده ويعمروا هذه الأرض وفق ما أراده الخالق وشاء، إذ يقول الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فكيف ستتحقق هذه العبادة للمرأة المسلمة إن هي أهدرت عمرها تلهث وراء الشهوات والملذات، وكانت من اللاهيات الغافلات؟
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعِظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه الحاكم].
قال المناوي: «(اغتنم خمسا قبل خمس)، أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء؛ (حياتك قبل موتك)، يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه وتوالى همه، فاقترض منك لك، (وصحتك قبل سقمك)، أي اغتنم العمل حال الصحة، فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد، (وفراغك قبل شغلك)، أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر، فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان، (وشبابك قبل هرمك)، أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله، (وغناك قبل فقرك)، أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها» [فيض القدير].
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 هـ
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at