يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ [2/3] روى البخاري في «باب فضل من جهّز غازيا أو خلفه بخير» ...
منذ 2025-02-07
يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ
[2/3]
روى البخاري في «باب فضل من جهّز غازيا أو خلفه بخير» عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا)؛ وهذا ما فقهه أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فتاجر مع الرحمن تجارة أورثته الجنان، ولم يجهّز غازيا واحدا فحسب بل جيشا بأكمله لغزوة تبوك، هو جيش العسرة وما أدراك ما جيش العسرة، ذاك الجيش الذي ما سمي بالعسرة إلا لأنه كان في أيام عسيرة وأوقات عصيبة على المسلمين، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي ﷺ بألف دينار، حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي ﷺ يقلّبها في حجره ويقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) مرتين. [رواه الترمذي].
بل لقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية لطيفة فقهية نفيسة تبيّن منزلة الجهاد بالمال وتقديمه على عموم الصدقات، فقال رحمه الله: «لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه، قدّمنا الجهاد وإن مات الجياع، كما في مسألة التترس وأولى، فإن هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله» [الفتاوى الكبرى].
وإنّا إن تأملنا في حال بعض النساء اليوم، نلحظ إسرافا منهن على متاع الدنيا الزائلة، من لباس وزينة وولائم وما إلى ذلك، وفي المقابل نجد تقتيرا وشحا على دين الله تعالى وهو الغني ونحن الفقراء: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، فهل تكون المسلمة طويلة اليد إلى أمور الدنيا، قصيرة اليد إلى ما ينفعها في آخرتها؟ وهل من متأسية بسودة زوج النبي وأم المؤمنين؟ فعن عائشة، رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي ﷺ قلن للنبي ﷺ: «أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: (أطولكن يدا)، فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة» [رواه البخاري ومسلم].
ولا تظن المسلمة أن الله تعالى لا يقبل إلا الكثير والوفير، بل رُب درهم سبق ألف درهم، ورب نصف تمرة يتصدق بها صاحبها في الدنيا تقيه نار الآخرة، فعن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: «كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: ({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}) إلى آخر الآية، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18]. (تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره) -حتى قال- (ولو بشق تمرة) قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله ﷺ: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)» [رواه مسلم].
* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 هـ
◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
[2/3]
روى البخاري في «باب فضل من جهّز غازيا أو خلفه بخير» عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (من جهّز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا)؛ وهذا ما فقهه أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فتاجر مع الرحمن تجارة أورثته الجنان، ولم يجهّز غازيا واحدا فحسب بل جيشا بأكمله لغزوة تبوك، هو جيش العسرة وما أدراك ما جيش العسرة، ذاك الجيش الذي ما سمي بالعسرة إلا لأنه كان في أيام عسيرة وأوقات عصيبة على المسلمين، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: جاء عثمان إلى النبي ﷺ بألف دينار، حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره، قال عبد الرحمن: فرأيت النبي ﷺ يقلّبها في حجره ويقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) مرتين. [رواه الترمذي].
بل لقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية لطيفة فقهية نفيسة تبيّن منزلة الجهاد بالمال وتقديمه على عموم الصدقات، فقال رحمه الله: «لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه، قدّمنا الجهاد وإن مات الجياع، كما في مسألة التترس وأولى، فإن هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله» [الفتاوى الكبرى].
وإنّا إن تأملنا في حال بعض النساء اليوم، نلحظ إسرافا منهن على متاع الدنيا الزائلة، من لباس وزينة وولائم وما إلى ذلك، وفي المقابل نجد تقتيرا وشحا على دين الله تعالى وهو الغني ونحن الفقراء: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، فهل تكون المسلمة طويلة اليد إلى أمور الدنيا، قصيرة اليد إلى ما ينفعها في آخرتها؟ وهل من متأسية بسودة زوج النبي وأم المؤمنين؟ فعن عائشة، رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي ﷺ قلن للنبي ﷺ: «أيّنا أسرع بك لحوقا؟ قال: (أطولكن يدا)، فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة» [رواه البخاري ومسلم].
ولا تظن المسلمة أن الله تعالى لا يقبل إلا الكثير والوفير، بل رُب درهم سبق ألف درهم، ورب نصف تمرة يتصدق بها صاحبها في الدنيا تقيه نار الآخرة، فعن المنذر بن جرير، عن أبيه، قال: «كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: ({يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}) إلى آخر الآية، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18]. (تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره) -حتى قال- (ولو بشق تمرة) قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل، كأنه مذهبة، فقال رسول الله ﷺ: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)» [رواه مسلم].
* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 هـ
◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at