فضل عشر ذي الحجة والعبادة الواردة فيها [2/2] 1. الإكثار من الذكر: قال تعالى: {لِيشهدُوا ...
منذ 2025-02-07
فضل عشر ذي الحجة والعبادة الواردة فيها
[2/2]
1. الإكثار من الذكر: قال تعالى: {لِيشهدُوا منافِع لهُم ويذكُرُوا اسم اللّهِ فِي أيّامٍ معلُوماتٍ} [الحج: 28]، قال ابن رجب: «جمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي: عشر ذي الحجة» [اللطائف].
لذا فقد ندب النبي ﷺ المسلمين في هذه الأيام لكثرة التهليل والتكبير والتحميد، كما في قوله ﷺ: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد وغيره].
قال البخاري في صحيحه: «وكان عمر -رضي الله عنه- يكبّر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبّرون، ويكبّر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرا، وكان ابن عمر يكبّر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعا».
إذاً، من أخص الأعمال المسنونة في هذه العشر التكبير، وهو هنا نوعان: تكبير مطلق وتكبير مقيد، فأما المطلق ففي سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق، وأما التكبير المقيد فهو المقيد بأدبار الصلوات الخمس (بعد السلام من الصلوات المفروضة)، ويبدأ من فجر يوم عرفة -لغير الحاج- إلى عصر آخر أيام التشريق، كما جاء عن بعض الصحابة، أما الحاج فيبدأ تكبيره من حين يرمي جمرة العقبة يوم العيد.
وصيغة التكبير هي: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)، وورد غيرها في الآثار.
2. الصـيام: يسـن للمسـلم أن يصـوم تسـع ذي الحـجة (كلها أو ما تيسر له منها)، فعن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: «كان رسول الله ﷺ يصوم تسع ذي الحجة» [رواه أبو داود]، وأكثر العلماء على أن صيام التسع من ذي الحجة مستحب استحبابا شديدا [شرح صحيح مسلم للنووي].
3. ذبح الأضاحي: ومن أعمال هذه العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، والأضحية سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، فينبغي للمسلم المستطيع أن لا يفرط فيها، لأن رسول الله ﷺ واظب عليها، وكذا الصحابة -رضي الله عنهم- من بعده.
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «أقام رسول الله ﷺ بالمدينة عشر سنين يضحي» [رواه الترمذي وحسنه]، وقال ابن القيم: «ولم يكن ﷺ يدع الأضحية» [زاد المعاد].
4- الحج والعمرة: إن من أفضل ما يعمله العبد في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام إن استطاع، فمن وفّقه ربه تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب؛ فله نصيب من قول نبيه ﷺ: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) [متفق عليه].
نسأل الله تعالى أن يمكن لمجاهدي الدولة الإسلامية، ويفكـوا أسر مكـة والمدينة من طواغـيت آل سلول، أخزاهم الله، وأن يرزقنا سبحانه حجة وعمرة في ظل حكم الشريعة.
هذا، وقد يسأل سائل: كيف نجمع بين حديث النبي ﷺ الذي فضّل فيه أعمال العشر من ذي الحجة على سائر الأعمال، وبين الأحاديث الكثيرة المتواترة التي أثبتت فضيلة الجهاد في سبيل الله على سائر الأعمال وجعلته ذروة سنام الإسلام؟! كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي سُئل فيه رسول الله ﷺ: «أي الأعمال أفضل؟» فأجاب: (إيمان بالله ورسوله)، فقيل: «ثم ماذا؟» قال: (الجهاد في سبيل الله) [متفق عليه].
وللجمع بين هذه النصوص يقول صاحب «فيض الباري»: «هذا كله إذا لم يكن الجهاد فرضا، فإن الكلام في الفضائل دون الفرائض»، ويقول ابن رجب: «فرائض عشر ذي الحجة أفضل من فرائض سائر الأعشار، ونوافله أفضل من نوافلها، فأما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره... فصيام عشر رمضان أفضل من صيام عشر ذي الحجة، لأن الفرض أفضل من النفل» [فتح الباري].
وما هو متقرر لدى أهل العلم أن الجهاد -وإن كان جهاد طلب- أفضل الطاعات، ولا يعدله شيء قط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «اتفق العلماء -فيما أعلم- على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد، فهو أفضل من الحج [التطوع]، وأفضل من الصوم التطوع، وأفضل من الصلاة التطوع» [مجموع الفتاوى].
فكيف إذا كان الجهاد جهاد دفع وتعيّن على كل مسلم كما هو حاله اليوم؟! قال ابن تيمية عن جهاد دفع التتار: «حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، حاضرين في هذا الزمان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين» [مجموع الفتاوى].
إذاً، فالجهاد إن كان فرض عين (كما في جهاد الدفع)، كان أفضل من كل العبادات (الواجبة والمستحبة)، وإن كان الجهاد فرض كفاية (كما في جهاد الطلب) ووقع في عشر ذي الحجة؛ كان أفضل من أي تطوع يقدّمه العبد على الإطلاق.
فالغنيمة الغنيمة -أيها المسلمون- لهذه الأيام العظيمة، فإنها والله لا تقدّر بقيمة، والمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، فاليوم عمل بلا حساب، وغدا حساب بلا عمل.
اللهم بلغنا العشر من ذي الحجة، وأعنا فيها على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 هـ
◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
[2/2]
1. الإكثار من الذكر: قال تعالى: {لِيشهدُوا منافِع لهُم ويذكُرُوا اسم اللّهِ فِي أيّامٍ معلُوماتٍ} [الحج: 28]، قال ابن رجب: «جمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي: عشر ذي الحجة» [اللطائف].
لذا فقد ندب النبي ﷺ المسلمين في هذه الأيام لكثرة التهليل والتكبير والتحميد، كما في قوله ﷺ: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [رواه أحمد وغيره].
قال البخاري في صحيحه: «وكان عمر -رضي الله عنه- يكبّر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبّرون، ويكبّر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيرا، وكان ابن عمر يكبّر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعا».
إذاً، من أخص الأعمال المسنونة في هذه العشر التكبير، وهو هنا نوعان: تكبير مطلق وتكبير مقيد، فأما المطلق ففي سائر الوقت من أول العشر إلى آخر أيام التشريق، وأما التكبير المقيد فهو المقيد بأدبار الصلوات الخمس (بعد السلام من الصلوات المفروضة)، ويبدأ من فجر يوم عرفة -لغير الحاج- إلى عصر آخر أيام التشريق، كما جاء عن بعض الصحابة، أما الحاج فيبدأ تكبيره من حين يرمي جمرة العقبة يوم العيد.
وصيغة التكبير هي: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)، وورد غيرها في الآثار.
2. الصـيام: يسـن للمسـلم أن يصـوم تسـع ذي الحـجة (كلها أو ما تيسر له منها)، فعن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: «كان رسول الله ﷺ يصوم تسع ذي الحجة» [رواه أبو داود]، وأكثر العلماء على أن صيام التسع من ذي الحجة مستحب استحبابا شديدا [شرح صحيح مسلم للنووي].
3. ذبح الأضاحي: ومن أعمال هذه العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي، والأضحية سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، فينبغي للمسلم المستطيع أن لا يفرط فيها، لأن رسول الله ﷺ واظب عليها، وكذا الصحابة -رضي الله عنهم- من بعده.
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «أقام رسول الله ﷺ بالمدينة عشر سنين يضحي» [رواه الترمذي وحسنه]، وقال ابن القيم: «ولم يكن ﷺ يدع الأضحية» [زاد المعاد].
4- الحج والعمرة: إن من أفضل ما يعمله العبد في هذه العشر المباركة حج بيت الله الحرام إن استطاع، فمن وفّقه ربه تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب؛ فله نصيب من قول نبيه ﷺ: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) [متفق عليه].
نسأل الله تعالى أن يمكن لمجاهدي الدولة الإسلامية، ويفكـوا أسر مكـة والمدينة من طواغـيت آل سلول، أخزاهم الله، وأن يرزقنا سبحانه حجة وعمرة في ظل حكم الشريعة.
هذا، وقد يسأل سائل: كيف نجمع بين حديث النبي ﷺ الذي فضّل فيه أعمال العشر من ذي الحجة على سائر الأعمال، وبين الأحاديث الكثيرة المتواترة التي أثبتت فضيلة الجهاد في سبيل الله على سائر الأعمال وجعلته ذروة سنام الإسلام؟! كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي سُئل فيه رسول الله ﷺ: «أي الأعمال أفضل؟» فأجاب: (إيمان بالله ورسوله)، فقيل: «ثم ماذا؟» قال: (الجهاد في سبيل الله) [متفق عليه].
وللجمع بين هذه النصوص يقول صاحب «فيض الباري»: «هذا كله إذا لم يكن الجهاد فرضا، فإن الكلام في الفضائل دون الفرائض»، ويقول ابن رجب: «فرائض عشر ذي الحجة أفضل من فرائض سائر الأعشار، ونوافله أفضل من نوافلها، فأما نوافل العشر فليست أفضل من فرائض غيره... فصيام عشر رمضان أفضل من صيام عشر ذي الحجة، لأن الفرض أفضل من النفل» [فتح الباري].
وما هو متقرر لدى أهل العلم أن الجهاد -وإن كان جهاد طلب- أفضل الطاعات، ولا يعدله شيء قط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «اتفق العلماء -فيما أعلم- على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد، فهو أفضل من الحج [التطوع]، وأفضل من الصوم التطوع، وأفضل من الصلاة التطوع» [مجموع الفتاوى].
فكيف إذا كان الجهاد جهاد دفع وتعيّن على كل مسلم كما هو حاله اليوم؟! قال ابن تيمية عن جهاد دفع التتار: «حتى والله لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، حاضرين في هذا الزمان لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين» [مجموع الفتاوى].
إذاً، فالجهاد إن كان فرض عين (كما في جهاد الدفع)، كان أفضل من كل العبادات (الواجبة والمستحبة)، وإن كان الجهاد فرض كفاية (كما في جهاد الطلب) ووقع في عشر ذي الحجة؛ كان أفضل من أي تطوع يقدّمه العبد على الإطلاق.
فالغنيمة الغنيمة -أيها المسلمون- لهذه الأيام العظيمة، فإنها والله لا تقدّر بقيمة، والمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل، فاليوم عمل بلا حساب، وغدا حساب بلا عمل.
اللهم بلغنا العشر من ذي الحجة، وأعنا فيها على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 هـ
◾ لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at