دين الإسلام وجماعة المسلمين (2) بينا في الحلقة السابقة أن حقيقة الإسلام لغة وشرعا هي ...

منذ يوم
دين الإسلام
وجماعة المسلمين (2)


بينا في الحلقة السابقة أن حقيقة الإسلام لغة وشرعا هي السلامة (أي الإخلاص) والاستسلام (أي الانقياد) لله، وأن المرء لا يكون مسلما ما لم يكن مستسلما لله، سالما له...

ومما يجب على المرء معرفته أن الله -جل وعلا- فرض على طوائف الناس السلامة والاستسلام له كما فرض ذلك على أفرادهم، ففرض عليهم الحكم بشرعه وحده، والتحاكم إليه وحده، والاحتساب على من خالفه، وقتال من امتنع عن بعضه، فيقاتلون الناس كافة على هذا الدين بهذين المعنيين: السلامة والاستسلام لله، ولا يتركون قتالهم ما لم يلتزموا شرائع الإسلام طوعا، إلا إن قبلوا الجزية وخضعوا لحكم الإسلام كرها.
قال الله، جل وعلا: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفورٌ رحيمٌ} [سورة التوبة: 5]، وقال جل وعلا: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقومٍ يعلمون} [سورة التوبة: 11]، وقال جل وعلا: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [سورة البقرة: 193]، وقال جل وعلا: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصيرٌ} [سورة الأنفال: 39]، وقال جل وعلا: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} [سورة النساء: 76]، وقال جل وعلا: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [سورة التوبة: 29].
وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتال الناس حتى يلتزموا أركان الإسلام الظاهرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن رأس هذا الأمر أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله، إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) [رواه أحمد عن معاذ]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا، عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر].

وأمر خليفته شيخ الإسلام أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بمثله، فعن حنظلة بن علي بن الأسقع أن أبا بكر -رضي الله عنه- بعث خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وأمره أن يقاتل الناس على خمس، فمن ترك واحدة من خمس، فقاتله عليها كما تقاتل على الخمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان [وحج البيت] [السنة للخلال وتاريخ الإسلام للذهبي].

وإنما كان الفرض أن يقاتل أهل الإسلام أهل الإشراك من وراء راية واحدة، لا بفرق وأحزاب بلا جماعة ولا إمام، {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ} [سورة الصف: 4]، ولا يكون الصف الواحد والتمكين لدينه من غير ولاء وبراء، قال جل وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيزٌ حكيمٌ} [سورة التوبة: 72]، وقال جل وعلا: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعضٍ إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ} [سورة الأنفال: 73]، وقال جل وعلا: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين} [سورة البقرة: 251]، وقال جل وعلا: {ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائمٍ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليمٌ} [سورة المائدة: 54].

وهذه الجماعة التي فُرضت على المسلمين هي الخلافة القرشية التي أُمر حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- بالتزامها، وقد بُنيت على أركان كما بُني الإسلام على أركان، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثا جهنم)، فقال رجل: «يا رسول الله، وإن صلى وصام؟» قال: (وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سمّاكم المسلمين، المؤمنين، عباد الله) [رواه الترمذي عن الحارث الأشعري]، فجماعة المسلمين التي أُمرنا بالاعتصام بها والتزامها والعض عليها بالنواجذ والتي لا يظهر حكم الإسلام في الأرض إلا بها بُنيت على خمسة أركان بعد أركان الإسلام: الهجرة والسمع والطاعة والجماعة والجهاد، ولا سمع ولا طاعة ولا جماعة من غير بيعة وإمام، ولا هجرة من غير إيواء ونصرة، ولا جهاد من غير إعداد ورباط وقتال.

وقال المهدي المُحدَّث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة» [سنن الدارمي].

ولأهمية جماعة المسلمين في ظهور دين الإسلام، كانت الدعوة إلى أركانها بعد الدعوة إلى أركان الإسلام، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين) [رواه مسلم عن بريدة]، فمن لم يهاجر، كان كالأعراب، و{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [سورة التوبة: 97]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الأنفال: 72]، وقال جلّ وعلا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} الآية [سورة الأنفال: 74-75].

ولأهمية جماعة المسلمين حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج منها فقال صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية) [رواه مسلم عن أبي هريرة]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتة جاهلية) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) [رواه مسلم عن ابن عمر]

بل لأهمية جماعة المسلمين، أباح النبي صلى الله عليه سلم دم من شق صفها فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان) [رواه مسلم عن عرفجة]، وفي رواية: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما) [رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود]

ومن نعمة المولى على الموحدين أن جدد لهم هذه الجماعة -من غير حول منهم ولا وقوة- بعد قرون من غيابها، وكانت حقا قبل ذلك الفريضة الغائبة في عنق كل مسلم، يحاسب على تفريطه في السعي لتجديدها، فعلى كل موحد أن يشكر ربه قولا وعملا، بالتحدث بهذه النعمة في المجالس الخاصة والعامة، {وأما بنعمة ربك فحدث} [سورة الضحى: 11]، وبالحفاظ على هذه النعمة والدفاع عنها والقتال دونها والتزام أركانها -الهجرة والسمع والطاعة والجماعة والجهاد- ولوازم هذه الأركان -الإيواء والنصرة والبيعة والإعداد والرباط- ليزيدهم الله من فضله،قال جل وعلا: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} [سورة إبراهيم: 7].

اللهم افتح على أيدينا القسطنطينية ورومية، واجعلنا من عبادك الصابرين الشاكرين، آمين.


* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 39
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

66827433edad6

  • 4
  • 0
  • 8

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً