الجهادُ بالدُّعاء الدعاء سلاحٌ قويٌّ ماضٍ فتاك، به تُكشف المصائب ويُمنع الهلاك، وبه يدافعُ ...
منذ 2025-02-18
الجهادُ بالدُّعاء
الدعاء سلاحٌ قويٌّ ماضٍ فتاك، به تُكشف المصائب ويُمنع الهلاك، وبه يدافعُ المؤمن البلاء ويدفع كيد الأعداء، وبه تُستجلبُ النعم وتُستدفعُ النقم، وبه تفرَّجُ الهموم وتزول الغموم، والدعاء أخصُّ سمات العبادة، بل إن الدعاء هو العبادة، ففيه كمال الحب وكمال الذل، لله الواحد الحكم العدل، فيه يناجي العبدُ ربَّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وهو سلوانٌ للقلوب شفاءٌ للصدور بلسمٌ للجروح تيسيرٌ للأمور، والدعاء حرزٌ ضليع وحصنٌ منيع، ولا شيء أكرم على الله من الدعاء وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، فهو عبادة يسيرة، ميسورةٌ في الليل والنهار مبذولةٌ في البر والبحر مشروعةٌ في الإقامة والسفر، الداعون يفرُّون إلى الرحيم الرحمن العلام، ويتعلقون بربهم الملك القدوس السلام، فتراهم حال الدعاء منطرحين بين يدي أكرم الأكرمين، قاطعين صِلاتهم بالعالَم متوجهين لرب العالمين، متخلصين من رقِّ حاجة الناس ومِنَّتهم، مخلصين لربهم في التماسهم، طامعين بفضله عليهم...
هذا هو الدعاء، فما أحوج المسلم إليه في هذه الأيام التي تداعت فيها على جماعة المسلمين كل أمم الكفر وملله ونحله! فلْينتبه المجاهد في سبيل الله إلى أهمية هذا السلاح وضرورة الاهتمام به ووجوب إتقانه وترك التعلق بغير السميع المجيب، كما ولْيشارك كل مسلم ومسلمة في مجاهدة أعداء الله بهذا السلاح الرباني الناجع، قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي]، ولا يقتصر الجهاد باللسان على التحريض على الجهاد ومدح المجاهدين وذم القعود وهجو الكافرين؛ بل إنَّ من أهمِّ أنواع جهاد اللسان: الدعاء، بأن يدعو المسلم على المشركين بالهزيمة وللمؤمنين بالنصر.
ويتأكد هذا النوع من الجهاد (الجهاد بالدعاء) بحق من لم ييسر الله لهم القتال في سبيله لأي عذرٍ من الأعذار الشرعية، كالمرأة والمريض والعاجز والمحبوس... فعلى هؤلاء الدعاء للغزاة في سبيل الله، لأن الله تعالى عندما عذرهم من القتال، اشترط عليهم لقبول عذرهم أن ينصحوا لله ولرسوله، ومن ذلك الدعاء لأولياء الله، أتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91].
بل إنَّ دعاء هؤلاء الضعفة من أهم أسباب انتصار المسلمين وهزيمة الكافرين، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لسعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما ظنَّ أن له فضلٌ على من سواه من ضعفاء المسلمين: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم) [رواه البخاري]، وفي رواية النسائي: (إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).
قال ابن حجر العسقلاني: «قال السهيلي: الجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء» [فتح الباري]، وهذا من الأمور الظاهرة الثابتة، إلا أن في هذه الأيام بعض المهزوزين المنهزمين الذين استسلموا لهبل التكنولوجيا العسكرية وسلَّموا مقدَّماً بانتصار الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية، تركوا الدعاء، وكأنَّه لا يجدي نفعاً، والعياذ بالله! وذلك السلوك الخاطئ لدى بعض الناس إنما سببه الجهل بهذا السلاح، فإنهم لو علموا أهمية الدعاء وعظيم آثاره وكيفيته وآدابه وسمعوا قصص استجابة الله تعالى لعباده، لما زهدوا فيه وتمسكوا بغيره.
وعلى العبد أن يعلم أن للدعاء ثمراتٍ عديدة وفضائل كثيرة تعزُّ على الحصر، منها: أنه امتثال لأمر الله عزَّ وجلَّ القائل: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56]، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، وأن فيه كمال التوكل والذل والتواضع لله تعالى القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ومنها: أنه سبب لدفع البلاء قبل نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يرد القدر إلا الدعاء) [حديث حسن رواه ابن ماجه وابن حبّان والحاكم] كما أنه سببٌ لرفع البلاء بعد نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) [حديث حسن رواه الحاكم]، ومنها: أنه سبب لحصول المطلوب في الدعاء، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها) [حديث صحيح رواه أحمد والحاكم]، وهكذا فإن للدعاء شأنٌ عظيم!
ولعل من أهم ثمرات الدعاء أنه سببٌ للثبات والنصر والظفر على العدو، وذلك ثابتٌ في الكتاب والسنّة متواترٌ من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة صحابته -رضي الله عنهم- ومن آثار السلف الصالح -رحمهم الله- ففي قصة قتال طالوت وجنوده المؤمنين وجالوت وجنوده الكافرين، ماذا فعل المؤمنون آنذاك وماذا كانت العاقبة؟ قال تعالى: {ولمّا برزُوا لِجالُوت وجُنُودِهِ قالُوا ربّنا أفْرِغْ عليْنا صبْرًا وثبِّتْ أقْدامنا وانْصُرْنا على الْقوْمِ الْكافِرِين} [البقرة: 250]، دعاءٌ دعاه الموحدون قبيل وأثناء التحامهم بالمشركين، فاستجاب لهم الله تعالى فوراً، قال سبحانه: {فهزمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة: 251].
وفي معركة بدر الكبرى، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بدر يصلي، ويكثر في سجوده من الدعاء ويسأل الله النصر [البداية والنهاية]، ولما كان يوم بدر نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل القبلة ثمّ قال: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض)، فما زال يستغيث ربّه ويدعوه، حتى سقط رداؤه عن منكبيه [رواه مسلم].
أما حال الصحابة في بدر فقد وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يستغيثون بالله ويدعونه، فقال سبحانه: {إِذْ تسْتغِيثُون ربّكُمْ فاسْتجاب لكُمْ} [الأنفال: 9]، وبعد هذا الدعاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن الصحابة -رضوان الله عليهم- ماذا كانت النتيجة؟ أمدّهم الله بألفٍ من الملائكة مردفين، وأنزل السكينة عليهم، وثبت أقدامهم، وغشّاهم بأمنة من النعاس، وأنزل عليهم من السماء ماءً طهرهم به، وأذهب عنهم رجز الشيطان، وربط على قلوبهم، وقذف الرعب في قلوب المشركين، فهزموهم بإذن الله.
وفي معركة الأحزاب (الخندق)، عندما حاصر المشركون المدينة حصاراً شديداً، واشتد على المسلمين الجوع والعطش والخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وبلغت القلوب الحناجر، ابتهل النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه وألح بالدعاء، وكان من دعائه عند حفر الخندق، قوله صلوات الله وسلامه عليه: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الأعداء قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا) [رواه البخاري]، ومن دعائه في محنة الحصار: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم) [رواه البخاري ومسلم].
أما المسلمون فقد كانوا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- بماذا يدعون ربهم، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: (نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)» [رواه أحمد].
فماذا حصل بعد هذه الأدعية المباركة؟! هبت ريح هوجاء في ليلة ظلماء، قلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم، فما كان منهم إلا أن نادوا بالرحيل، وفي ذلك يقول الله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا اذْكُرُوا نِعْمة اللّهِ عليْكُمْ إِذْ جاءتْكُمْ جُنُودٌ فأرْسلْنا عليْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لّمْ تروْها وكان اللّهُ بِما تعْملُون بصِيراً} [الأحزاب: 9].
فإلى المسلمين المستضعفين في كل مكان، عليكم بالدعاء، عليكم بالدعاء، عليكم بالدعاء، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وسينجز الله وعده، ويهزم الأحزاب وحده، بحوله وقوته، تحقيقاً لا تعليقا.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 هـ
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
الدعاء سلاحٌ قويٌّ ماضٍ فتاك، به تُكشف المصائب ويُمنع الهلاك، وبه يدافعُ المؤمن البلاء ويدفع كيد الأعداء، وبه تُستجلبُ النعم وتُستدفعُ النقم، وبه تفرَّجُ الهموم وتزول الغموم، والدعاء أخصُّ سمات العبادة، بل إن الدعاء هو العبادة، ففيه كمال الحب وكمال الذل، لله الواحد الحكم العدل، فيه يناجي العبدُ ربَّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وهو سلوانٌ للقلوب شفاءٌ للصدور بلسمٌ للجروح تيسيرٌ للأمور، والدعاء حرزٌ ضليع وحصنٌ منيع، ولا شيء أكرم على الله من الدعاء وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، فهو عبادة يسيرة، ميسورةٌ في الليل والنهار مبذولةٌ في البر والبحر مشروعةٌ في الإقامة والسفر، الداعون يفرُّون إلى الرحيم الرحمن العلام، ويتعلقون بربهم الملك القدوس السلام، فتراهم حال الدعاء منطرحين بين يدي أكرم الأكرمين، قاطعين صِلاتهم بالعالَم متوجهين لرب العالمين، متخلصين من رقِّ حاجة الناس ومِنَّتهم، مخلصين لربهم في التماسهم، طامعين بفضله عليهم...
هذا هو الدعاء، فما أحوج المسلم إليه في هذه الأيام التي تداعت فيها على جماعة المسلمين كل أمم الكفر وملله ونحله! فلْينتبه المجاهد في سبيل الله إلى أهمية هذا السلاح وضرورة الاهتمام به ووجوب إتقانه وترك التعلق بغير السميع المجيب، كما ولْيشارك كل مسلم ومسلمة في مجاهدة أعداء الله بهذا السلاح الرباني الناجع، قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي]، ولا يقتصر الجهاد باللسان على التحريض على الجهاد ومدح المجاهدين وذم القعود وهجو الكافرين؛ بل إنَّ من أهمِّ أنواع جهاد اللسان: الدعاء، بأن يدعو المسلم على المشركين بالهزيمة وللمؤمنين بالنصر.
ويتأكد هذا النوع من الجهاد (الجهاد بالدعاء) بحق من لم ييسر الله لهم القتال في سبيله لأي عذرٍ من الأعذار الشرعية، كالمرأة والمريض والعاجز والمحبوس... فعلى هؤلاء الدعاء للغزاة في سبيل الله، لأن الله تعالى عندما عذرهم من القتال، اشترط عليهم لقبول عذرهم أن ينصحوا لله ولرسوله، ومن ذلك الدعاء لأولياء الله، أتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91].
بل إنَّ دعاء هؤلاء الضعفة من أهم أسباب انتصار المسلمين وهزيمة الكافرين، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لسعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما ظنَّ أن له فضلٌ على من سواه من ضعفاء المسلمين: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم) [رواه البخاري]، وفي رواية النسائي: (إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).
قال ابن حجر العسقلاني: «قال السهيلي: الجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء» [فتح الباري]، وهذا من الأمور الظاهرة الثابتة، إلا أن في هذه الأيام بعض المهزوزين المنهزمين الذين استسلموا لهبل التكنولوجيا العسكرية وسلَّموا مقدَّماً بانتصار الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية، تركوا الدعاء، وكأنَّه لا يجدي نفعاً، والعياذ بالله! وذلك السلوك الخاطئ لدى بعض الناس إنما سببه الجهل بهذا السلاح، فإنهم لو علموا أهمية الدعاء وعظيم آثاره وكيفيته وآدابه وسمعوا قصص استجابة الله تعالى لعباده، لما زهدوا فيه وتمسكوا بغيره.
وعلى العبد أن يعلم أن للدعاء ثمراتٍ عديدة وفضائل كثيرة تعزُّ على الحصر، منها: أنه امتثال لأمر الله عزَّ وجلَّ القائل: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56]، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، وأن فيه كمال التوكل والذل والتواضع لله تعالى القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ومنها: أنه سبب لدفع البلاء قبل نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يرد القدر إلا الدعاء) [حديث حسن رواه ابن ماجه وابن حبّان والحاكم] كما أنه سببٌ لرفع البلاء بعد نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) [حديث حسن رواه الحاكم]، ومنها: أنه سبب لحصول المطلوب في الدعاء، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها) [حديث صحيح رواه أحمد والحاكم]، وهكذا فإن للدعاء شأنٌ عظيم!
ولعل من أهم ثمرات الدعاء أنه سببٌ للثبات والنصر والظفر على العدو، وذلك ثابتٌ في الكتاب والسنّة متواترٌ من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرة صحابته -رضي الله عنهم- ومن آثار السلف الصالح -رحمهم الله- ففي قصة قتال طالوت وجنوده المؤمنين وجالوت وجنوده الكافرين، ماذا فعل المؤمنون آنذاك وماذا كانت العاقبة؟ قال تعالى: {ولمّا برزُوا لِجالُوت وجُنُودِهِ قالُوا ربّنا أفْرِغْ عليْنا صبْرًا وثبِّتْ أقْدامنا وانْصُرْنا على الْقوْمِ الْكافِرِين} [البقرة: 250]، دعاءٌ دعاه الموحدون قبيل وأثناء التحامهم بالمشركين، فاستجاب لهم الله تعالى فوراً، قال سبحانه: {فهزمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة: 251].
وفي معركة بدر الكبرى، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بدر يصلي، ويكثر في سجوده من الدعاء ويسأل الله النصر [البداية والنهاية]، ولما كان يوم بدر نظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل القبلة ثمّ قال: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض)، فما زال يستغيث ربّه ويدعوه، حتى سقط رداؤه عن منكبيه [رواه مسلم].
أما حال الصحابة في بدر فقد وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يستغيثون بالله ويدعونه، فقال سبحانه: {إِذْ تسْتغِيثُون ربّكُمْ فاسْتجاب لكُمْ} [الأنفال: 9]، وبعد هذا الدعاء من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن الصحابة -رضوان الله عليهم- ماذا كانت النتيجة؟ أمدّهم الله بألفٍ من الملائكة مردفين، وأنزل السكينة عليهم، وثبت أقدامهم، وغشّاهم بأمنة من النعاس، وأنزل عليهم من السماء ماءً طهرهم به، وأذهب عنهم رجز الشيطان، وربط على قلوبهم، وقذف الرعب في قلوب المشركين، فهزموهم بإذن الله.
وفي معركة الأحزاب (الخندق)، عندما حاصر المشركون المدينة حصاراً شديداً، واشتد على المسلمين الجوع والعطش والخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وبلغت القلوب الحناجر، ابتهل النبي -صلى الله عليه وسلم- لربه وألح بالدعاء، وكان من دعائه عند حفر الخندق، قوله صلوات الله وسلامه عليه: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الأعداء قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا) [رواه البخاري]، ومن دعائه في محنة الحصار: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم) [رواه البخاري ومسلم].
أما المسلمون فقد كانوا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- بماذا يدعون ربهم، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: (نعم، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا)» [رواه أحمد].
فماذا حصل بعد هذه الأدعية المباركة؟! هبت ريح هوجاء في ليلة ظلماء، قلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم، فما كان منهم إلا أن نادوا بالرحيل، وفي ذلك يقول الله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا اذْكُرُوا نِعْمة اللّهِ عليْكُمْ إِذْ جاءتْكُمْ جُنُودٌ فأرْسلْنا عليْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لّمْ تروْها وكان اللّهُ بِما تعْملُون بصِيراً} [الأحزاب: 9].
فإلى المسلمين المستضعفين في كل مكان، عليكم بالدعاء، عليكم بالدعاء، عليكم بالدعاء، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، وسينجز الله وعده، ويهزم الأحزاب وحده، بحوله وقوته، تحقيقاً لا تعليقا.
* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 هـ
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at