وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [1/2] • قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز بين طاعته ...

منذ 2025-02-19
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

[1/2]
• قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز بين طاعته وعدم الإشراك به وشكره وبين بر الوالدين والإحسان إليهما، كما في قوله سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، فقرن بين شكره على نعمه، وشكر والديه على معروفهما، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83]، وقوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، فقرن سبحانه بين توحيده وعبادته والإحسان إلى الوالدين.

كما إن كثيرا من الأحاديث النبوية حثت على بر الوالدين، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)» [متفق عليه].

وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)».

وإن هذا البر الواجب بحق الوالدين يكون أوكد في حالة بلوغهما أو أحد منهما سن الكبر، وذلك لأن الإنسان إذا هرم زادت حاجته إلى من يعوله ويقوم على حوائجه، كما تزداد الحاجة إلى الصبر عليه لما يعتريه من ضعف في الفهم والعقل، كما قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]، وقال سبحانه: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5].

ولذلك نجد أن الله تعالى قد خص حالة الكبر بالذكر، فقال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24]؛ قال القرطبي: «خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر. وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أُمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم من كل عيب فقال: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]».

وإذا عُرف هذا، وجب على الابن البار الساعي لمرضاة ربه تعالى تجنب كل ما قد يسيء إلى والديه من قول أو فعل، وبذل ما في استطاعته في سبيل الإحسان إليهما ورد شيء من معروفهما عليه، وإن كان ذلك صعب الإدراك خاصة في جانب الأم التي برها آكد من بر الأب، والدليل أن خصّها الله تعالى بذكر أتعابها منذ الحمل وحتى الوضع والإرضاع، قال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وقال أيضا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقد تقدم ذكر حديث «أمك ثم أمك ثم أمك».

وأما عقوق الوالدين فقد عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر؛ فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...)» الحديث [رواه البخاري].
ولما كان بر الوالدين سببا لدخول الجنة، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مغبة إضاعة الولد حقوق والديه فيوصد بعقوقه لهما هذا السبب، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة)» [رواه مسلم].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

6682761216a48

  • 1
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً