أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها (١/٢) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، ...
منذ 20 ساعة
أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها
(١/٢)
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد..
فقد قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا} [النساء: 58].
ورد في سورة النساء الأمر بالإحسان والعدل في النساء واليتامى في الإرث وغيره، وغير ذلك من الدماء والأموال والأقوال والأفعال، وذكر الله تعالى خيانة أهل الكتاب وما أحل بهم لذلك من العقاب، وذكر أنه آتى هذه الأمة الملك والحكم، وآتاهم الحكمة بعد جهلهم وضعفهم، قال تعالى: {إن الله يأمركم}، أي أيتها الأمة، {أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، أي من غير خيانة ما، كما فعل أهل الكتاب في كتمان ما عندهم والإخبار بغيره، والأمانة: كل ما وجب لغيرك عليك.
ولما أمر بما يجب على الإنسان في نفسه، أمر بما يجب عليه في معاملة غيره، فقال سبحانه: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، أي السواء، بأن تأمروا من وجب عليه حق بأدائه إلى من هو له، فإن ذلك من أعظم الصالحات الموجبة لحسن المقيل في الظل الظليل، أخرج الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل...) الحديث.
ولما أخبرهم بأمره رغبهم فيه بقوله: {إن الله نعما يعظكم به}، أي: لا أحسن ولا أفضل مما أمركم الله وذكركم ونصحكم به، ثم نبههم تعالى ليبقوا منتبهين متيقظين وهم يحفظون الأمانات ويؤدونها إلى أهلها مع استشعارهم رقابة الله عليهم، قال تعالى: {إن الله كان}، أي ولم يزل ولا يزال، {سميعًا}، أي بالغ السمع لكل ما يقوله الناس، {بصيرًا}، أي بالغ البصر إلى أعمالهم، مع علمه بما في قلوبهم من إخلاص وصدق أو ما ينافيهما، وفي هذا وعد عظيم للمطيع، ووعيد شديد للعاصي، وإلى ذلك الإشارة بالحديث المرفوع: (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)،
رجح ابن جرير -رحمه الله- أن المعني بهذه الآية ولاة أمور المسلمين، وأخرج عن زيد بن أسلم -رحمه الله- أنه قال: «نزلت هذه الآية {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} في ولاة الأمر»، وأخرج عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: «حقٌ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، وإذا فعل ذلك، فحق على الناس أن يسمعوا، وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دعوا».
وأخرج عن مكحول -رحمه الله- في قول الله: {وأولي الأمر منكم}، قال: «هم أهل الآية التي قبلها: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، الآية».
ورجح ابن كثير -رحمه الله- أن الآية تعم «جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله -عز وجل- على عباده، من الصلوات والزكوات والكفارات والنذور والصيام وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك؛ فأمر الله -عز وجل- بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء)». وقال، رحمه الله: «وفي حديث الحسن، عن سمرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)؛ [رواه الإمام أحمد وأهل السنن]».
والقول الثاني أعم وأشمل من الأول، فهي تتناول كل مؤتمن على أمانة، وأول الأمانات أمانة التكاليف، وهي كل ما أمر الله به عباده من فعل أو ترك، وهي الأمانة المذكورة في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا} [الأحزاب: 72]، فالسموات والأرض والجبال لم يقبلن حمل أمانة التكاليف خوفاً من ألا يقمن بحقها، فيعصين الله تعالى فيعاقبهن، وآثرن أن يبقين طائعات مسخرات لا خيار لهن، ثم عرضت الأمانة على آدم -عليه السلام- على أنه وذريته إن قاموا بحقها أثيبوا، وإن لم يقوموا بحقها عوقبوا، فقبلها آدم -عليه السلام- ثم بين تعالى أن الدافع إلى التفريط في جنب الله سببان: هما الظلم والجهل، قال ابن جرير، رحمه الله: «معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم {إنه كان ظلومًا} لنفسه {جهولًا} بالذي فيه الحظ له»؛ ثم أخرج عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها}، قال: «الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على عباده».
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 52
• لقراءة المقال، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
(١/٢)
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد..
فقد قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا} [النساء: 58].
ورد في سورة النساء الأمر بالإحسان والعدل في النساء واليتامى في الإرث وغيره، وغير ذلك من الدماء والأموال والأقوال والأفعال، وذكر الله تعالى خيانة أهل الكتاب وما أحل بهم لذلك من العقاب، وذكر أنه آتى هذه الأمة الملك والحكم، وآتاهم الحكمة بعد جهلهم وضعفهم، قال تعالى: {إن الله يأمركم}، أي أيتها الأمة، {أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، أي من غير خيانة ما، كما فعل أهل الكتاب في كتمان ما عندهم والإخبار بغيره، والأمانة: كل ما وجب لغيرك عليك.
ولما أمر بما يجب على الإنسان في نفسه، أمر بما يجب عليه في معاملة غيره، فقال سبحانه: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، أي السواء، بأن تأمروا من وجب عليه حق بأدائه إلى من هو له، فإن ذلك من أعظم الصالحات الموجبة لحسن المقيل في الظل الظليل، أخرج الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل...) الحديث.
ولما أخبرهم بأمره رغبهم فيه بقوله: {إن الله نعما يعظكم به}، أي: لا أحسن ولا أفضل مما أمركم الله وذكركم ونصحكم به، ثم نبههم تعالى ليبقوا منتبهين متيقظين وهم يحفظون الأمانات ويؤدونها إلى أهلها مع استشعارهم رقابة الله عليهم، قال تعالى: {إن الله كان}، أي ولم يزل ولا يزال، {سميعًا}، أي بالغ السمع لكل ما يقوله الناس، {بصيرًا}، أي بالغ البصر إلى أعمالهم، مع علمه بما في قلوبهم من إخلاص وصدق أو ما ينافيهما، وفي هذا وعد عظيم للمطيع، ووعيد شديد للعاصي، وإلى ذلك الإشارة بالحديث المرفوع: (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)،
رجح ابن جرير -رحمه الله- أن المعني بهذه الآية ولاة أمور المسلمين، وأخرج عن زيد بن أسلم -رحمه الله- أنه قال: «نزلت هذه الآية {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} في ولاة الأمر»، وأخرج عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: «حقٌ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، وإذا فعل ذلك، فحق على الناس أن يسمعوا، وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دعوا».
وأخرج عن مكحول -رحمه الله- في قول الله: {وأولي الأمر منكم}، قال: «هم أهل الآية التي قبلها: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، الآية».
ورجح ابن كثير -رحمه الله- أن الآية تعم «جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله -عز وجل- على عباده، من الصلوات والزكوات والكفارات والنذور والصيام وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك؛ فأمر الله -عز وجل- بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء)». وقال، رحمه الله: «وفي حديث الحسن، عن سمرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)؛ [رواه الإمام أحمد وأهل السنن]».
والقول الثاني أعم وأشمل من الأول، فهي تتناول كل مؤتمن على أمانة، وأول الأمانات أمانة التكاليف، وهي كل ما أمر الله به عباده من فعل أو ترك، وهي الأمانة المذكورة في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا} [الأحزاب: 72]، فالسموات والأرض والجبال لم يقبلن حمل أمانة التكاليف خوفاً من ألا يقمن بحقها، فيعصين الله تعالى فيعاقبهن، وآثرن أن يبقين طائعات مسخرات لا خيار لهن، ثم عرضت الأمانة على آدم -عليه السلام- على أنه وذريته إن قاموا بحقها أثيبوا، وإن لم يقوموا بحقها عوقبوا، فقبلها آدم -عليه السلام- ثم بين تعالى أن الدافع إلى التفريط في جنب الله سببان: هما الظلم والجهل، قال ابن جرير، رحمه الله: «معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقا منها أن لا تقوم بالواجب عليها، وحملها آدم {إنه كان ظلومًا} لنفسه {جهولًا} بالذي فيه الحظ له»؛ ثم أخرج عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها}، قال: «الأمانة: الفرائض التي افترضها الله على عباده».
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 52
• لقراءة المقال، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at