رفقاً بالقوارير (١/٢) إن من أجلِّ نعم الله تعالى وأعظمها على عباده نعمة الزواج، التي جعل منها ...

منذ يوم
رفقاً بالقوارير

(١/٢)
إن من أجلِّ نعم الله تعالى وأعظمها على عباده نعمة الزواج، التي جعل منها سبحانه آية من آياته، إذ يقول عز من قائل: {وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وإن صلاح هذه الأمة يبدأ بصلاح الأُسَرِ، فمتى ما صلحت العائلة المسلمة كان لذلك كبير الأثر والتأثير في صلاح الأمة، ولأجل ذلك جاء ديننا الحنيف زاخرا بالنصوص الضابطة للعلاقة بين الزوجين في جميع تفاصيلها.

ومن تلكم التفاصيل عشرة النساء، التي صُنّفت فيها المصنفات، وأُلِّفت المؤلفات، وبوّب عليها كثير من أهل العلم، قصد بيان حقّ الزوجة على زوجها ووضع النقاط على حروفِ العشرة بينهما، والمتأمل في آي الكتاب المحكمات، يرى أن عماد معاملة الزوجة وأسّها إنما هو المعروف في الرضا والغضب، والمعروف كما جاء في «تهذيب اللغة» هو: «كل ما تعرفه النفس من الخير وتبسأ به وتطمئن إليه».

قال الله، عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، وقال أيضا: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: 231]، وقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
قال القرطبي في تفسير قوله {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}: «أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والخطاب للجميع، إذ لكل أحد عِشْرة، زوجا كان أو وليّا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج، وهو مثل قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229]، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة، وألا يعبِس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون مُنطلِقا في القول لا فَظّا ولا غليظا ولا مُظهرا ميلا إلى غيرها».

استوصوا بالنساء خيرا

ولضعف المرأةِ وانكسارها، فقد أكثر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاستيصاء بها خيرا، فعن عمر بن الأحوص -رضي الله عنه- في حجة الوداع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: (استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن لكم من نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) [رواه ابن ماجه والترمذي]، وعوان أي أسيرات، فانظر كيف شبّه النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أوتي جوامع الكلم الزوجة بالأسير الذي لا يملك من أمره شيئا وذلك لتحكم الرجل بها، عن عروة بن الزبير، قال: «قالت لنا أسماء بنت أبي بكر: يا بنيّ وبني بنيّ، إن هذا النكاح رقّ، فلينظر أحدكم عند من يُرق كريمته» [رواه سعيد بن منصور].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنّي أُحرِّج حقّ الضعيفين: اليتيم والمرأة) [رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان عن أبي هريرة]، وأحرّج حق الضعيفين أي أضيّقه على من ظلمهما.

وقال صلى الله عليه وسلم: (المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عوج) [رواه البخاري عن أبي هريرة]، قال ابن حجر: «في الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمهن فإنه الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه، فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها».

وفي لفظ عند مسلم في صحيحه: (استوصوا بالنساء، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيّمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا).

قال الشوكاني: «فيه الإرشاد إلى ملاطفة النساء، والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن، والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب أو ينجح عندها النصح، فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة» [نيل الأوطار].

هي الضلع العوجاء لست تقيمها
ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها
تجمع ضعفا واقتدارا على الفتى
أليس عجيبا ضعفها واقتدارها؟


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 56
الخميس 24 صفر 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 7

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً