وسنجزي الشاكرين إن الناظر المدقق فيما اتهمت به بعض التنظيمات والأحزاب الزاعمة انتسابها للإسلام ...

منذ 7 ساعات
وسنجزي الشاكرين


إن الناظر المدقق فيما اتهمت به بعض التنظيمات والأحزاب الزاعمة انتسابها للإسلام من أنها تستخدم الدين سُلَّما للوصول إلى السلطة يجد أنه حقيقةٌ لا افتراء، ولا أدلّ على صحّة ذلك من تضحيتهم بدين الإسلام وبيعه بأبخس الأثمان في أي مساومة تعرض عليهم من قبل الطواغيت وأسيادهم في الدول الصليبية.

فهم ينادون بالإسلام ليجمعوا حولهم الأنصار والأتباع، حتى إذا ما اشتد عودهم، ذهبوا يزاحمون الطواغيت على ما في أيديهم، مطالبين بأن يكون الحكم لله تعالى، والسلطة لأنفسهم، فلما علموا أن المشركين في العالم كله لا يرضون بأن يكون الحكم لله وحده، ساوموا الطواغيت وأسيادهم في الدول الصليبية على السلطة جاعلين الدعوة إلى حكم الله وراء ظهورهم. وأنى لهم أن يلتزموا حكم الله بعد أن جعلوا أنفسهم أندادا له؟ خاصة تلك الأحزاب التي دخلت في مجالس الطواغيت المشرّعين للقوانين الوضعية، أو في الوزارات التنفيذية الحاكمة بتلك القوانين والمتولية لهؤلاء الطواغيت؟

ثم نجدهم يزدادون تنازلا بمقدار ما يُعرضون له من الابتلاءات، أو يسعون إليه من المكاسب الدنيوية، حتى وصل بهم الأمر إلى المناداة الصريحة بالديموقراطية والعلمانية، وإعلان العداء البواح لمن يقيم شرع الله أو يدعو إليه، وموالاة اليهود والنصارى في ذلك، كما نراه واضحا جليا في حكومات الإخوان المرتدين وأحزابهم في مصر، وتركيا، وتونس، وفلسطين، وليبيا، وغيرها.

وعلى الموحّد أن يحمد الله أن عافاه من ذلك كله، إذ ما زالت الخلافة تُثبت -بفضل الله وحده- يوما بعد يوم تمسكها بدين الله، وإخلاص أمرائها وجنودها في توحيدهم لله، واتّباعهم لرسوله، صلى الله عليه وسلم، وإقامتهم للدين على هدي السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، نحسبهم كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، وهذا الثبات لم يكن إلا بمحض فضل الله وكرمه.

وليس مقدار الفتن الذي صُبّ على المهاجرين والأنصار بسبب تمسّكهم بدينهم هو وحده الدليل على صدقهم وإخلاصهم، إذ لم ينج من تلك الفتن أهل الأحزاب والتنظيمات التي ضلّت من قبل، ولكن العبرة في الاعتقاد والمنهاج، والثبات عليهما عند الفتن، وعدم التبديل في أحكام الإسلام، وعدم المداهنة في دين الله تعالى، إذ علموا أن لا نجاة من أن تتخطفهم عواصف الفتن إلا بمزيد من التمسّك بأصل الدين وفروعه، ومزيد من طلب العون والتثبيت من الله القوي العزيز، بطاعته فيما أمر من إقامة الدين، وجهاد المشركين، واجتناب ما نهى عنه وزجر من طاعة المشركين ومداهنتهم في الدين.

وما زالت الدولة الإسلامية -بفضل الله- تثبت أنها تبذل كل ما في يدها في سبيل أن يَسلم لرعيتها توحيدهم، ويتحقق لديهم اتباع سنّة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- في كل جوانب حياتهم، وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويأتمروا بالمعروف وينتهوا عن المنكر، وأن يكون دينهم كله لله تعالى، لا يشاركه فيه أحد من الأنداد، ولا ينازعه فيه أحد من الطواغيت.

فبعد أن مكّن الله لهم في سنين قليلة من الجهاد ما لم يمكّن لأتباع الأحزاب والتنظيمات الضالة المضلة في قرن من التنازلات والمداهنة لأعداء الله، حرص جنود الدولة الإسلامية أن يشكروا لله -عز وجل- هذه النعمة بإقامتهم للدين، ولو أدى بهم ذلك إلى أن يحاربهم عليه الإنس والجان، ورفضوا أن يبدلوا دين الله، أو أن يُنقِصوا منه، ولو دفعوا ثمنا لهذا الثبات ما كلّفهم من دماء وأشلاء، وسلاح وعتاد، وأموال.

وهذا هو دأب الأنبياء والصالحين في كل زمان ومكان، أن يحرصوا على بقاء دينهم، ويبذلوا ما في أيديهم، لينالوا ما في يد الله، ولو أدى ذلك إلى فناء الأنفس، فضلا عن المال والسلطان، كما وصفهم الله سبحانه بقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 145-148].

فالثبات الثبات يا جنود الإسلام، فما هي -والله- إلا إحدى الحسنيين، والعاقبة للمتقين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

6775d63d38a0f

  • 4
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً