تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ (٢/٢) شكر الإنعام فرض وأما مسألة كفران العشير فهي ...

منذ 20 ساعة
تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشيرَ

(٢/٢)
شكر الإنعام فرض

وأما مسألة كفران العشير فهي مما عمت بها البلوى بين النساء وطمت، إلا من رحم الله، والكفران جحود النعم وسترها وإخفاؤها وضده الشكران، وقد ورد تفسيره في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أُرِيت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن) قيل: أيكفرن بالله؟ قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط).

قال ابن رجب، رحمه الله: «قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه: مراد المصنّف أن يبيّن أن الطاعات كما تسمى إيمانا كذلك المعاصي تسمى كفرا لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة، قال وخص كفران العشير من بين أنواع الذنوب لدقيقة بديعة وهي قوله، صلى الله عليه وسلم: (لو أَمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). فقرَنَ حق الزوج على الزوجة بحق الله فإذا كفرت المرأة حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية كان ذلك دليلا على تهاونها بحق الله، فلذلك يطلق عليها الكفر لكنه كفر لا يخرج عن الملة» [ابن رجب: فتح الباري].

وقال النووي: «وفيه أن كفران العشير والإحسان من الكبائر فإن التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة».

وقال ابن بطال: «وفي هذا الحديث تعظيم حق الزوج على المرأة، وأنه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانته وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه في ذلك، ومن أجل هذا فضّل الله الرجال على النساء في غير موضع من كتابه، فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، وقد أمر -عليه السلام- من أسديت إليه نعمة أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التي لا تنفك المرأة منها دهرها كله؟

وقد قال بعض العلماء: شكر الإنعام فرض. واحتج بقوله، عليه السلام: (من أسديت إليه نعمة فليشكرها)، وبقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14]، فقَرَنَ بشكره شكر الآباء، قال: فكذلك شكر غيرهم واجب، وقد يكون شكر النعمة في نشرها، ويكون في أقل من ذلك، فيجزئ فيه الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة» [شرح صحيح البخاري].

وقال الشوكاني: «وكثيرا ما ترى المرأة إذا كلمها القريب بكلمة حسنة، وأظهر لها أدنى محبة كانت في تلك الحالة طيبة النفس بأن تصيِّر إليه جميع ما تملكه وإن كان بآلاف مؤلفة، وإذا أظهر لها أدنى خشونة، وأبدى لها بعض الميل عنها كانت أشد الناس عداوة له وبغضا، وربما تمنت حال فورة غضبها نزول العظائم به، التي لو نزل عليه بعضها في تلك الحال وهي ثائرة الغضب لعادت باكية عليه».

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

وإن المتأمل في حال كثير من النساء يرى أن الكفران لا يتأتى منهن في حق الزوج وحسب، وإن كان له منه النصيب الأوفر، بل ويكون أيضا في كثير من الأحيان في حق صديقات المرأة وجاراتها بل وحتى أبنائها، أناس يحسنون إليها ويكرمونها، ومع أول مشكلة قد تحدث ينها و بينهم تكفر كل خير رأته منهم، وتنسى كل معروف أتاها منهم، وكأنها قد جُبلت على هذا الطبع والعياذ بالله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من لم يشكر الناس، لم يشكر الله) [رواه الترمذي وغيره]؛ قال المباركفوري: «قوله: (من لم يشكر الناس... إلخ) قال الخطابي هذا يُتأول على وجهين؛ أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له، والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر» [تحفة الأحوذي].

ولا خير في خل يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده
ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا

وختاما نعود ونقول للأخت المسلمة؛ اللهَ اللهَ في لسانك، تلك العضلة التي قد تلقي بك في نار جهنم، والله الله في زوجك، فواللهِ لن تؤدي حق ربك حتى تؤدي حق زوجك.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

6682761216a48

  • 0
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً