وتلك الأيام نداولها بين الناس الظهور والتمكين من النعم التي يمنّ الله بها على من يشاء من عباده، ...

منذ 2025-03-06
وتلك الأيام نداولها بين الناس

الظهور والتمكين من النعم التي يمنّ الله بها على من يشاء من عباده، فأما الذين آمنوا فلا يُقابلون هذا الفضل إلا بقول موسى، عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24]، إقرارا منهم بأن ما نالهم من نصر إنما هو من محض فضل الله عليهم، فلا يصيبهم العجب والكبر، ولا يبتغون في الأرض الفساد، وكذلك إن ابتلاهم الله بخسارة أرض أو معركة من المعارك فإن إرادة القتال عندهم لا تنكسر بذلك، إن شاء الله، ليقينهم أن ما يصيبهم من خير أو شر إنما هو ابتلاء يصيب به الله من يشاء من عباده.

وأما الذين كفروا فإنهم يقابلون نعمة الله عليهم بالعُجب والطغيان في الأرض، كما قابل سلفهم قارون فضلَ ربه عليه بقوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي} [القصص: 78]، فهذا يزعم أنه نال ما فُتح عليه من الدنيا بعلمه أو بحسن تخطيطه وتدبيره، أو بقوة سلاحه، وعديد جنوده، ولذلك يبغي على عباد الله، ويتكبر عن طاعة الله سبحانه، وينازعه في سلطانه، فيحكم الأرض بغير ما أنزل الله تعالى.

وإن مما يزيد المؤمن إيمانا في ظل هذه الفتن والامتحانات، تدبّره قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 139-142].

فليس المشركون بمنأى عن تحمل تكاليف المعركة، لما ينالهم من نكاية وإثخان على يد الموحدين، فأما ما أصاب المؤمنين من قرح فهو تمحيص لهم من الخطايا، وتطهير لهم من الذنوب، ورفع لمن شاء الله تعالى له منهم إلى مراتب الشهداء، وأما ما أصاب المشركين من قرح فهو إهلاك لهم.

وأيام الابتلاء بالسوء لا تستقر على أهل الإيمان، وإنما هي مداولة بينهم وبين أهل الكفر، ليبلوا الفريقين فيما آتاهم أو ابتلاهم، فالصابرون يوفَّون أجورهم بغير حساب، والكافرون يكونون لجهنم حطبا.

ولقد رأينا هذا الأمر واقعا -بفضل الله- في فتح ولايات العراق وعلى رأسها الموصل من قبل، بعد سنين من القرح الذي أصاب الموحدين على أيدي الكفرة من روافض وصليبيين وصحوات، لم يَهِنوا فيها ولم يحزنوا على ما أصابهم، ومضوا يزيدون من إيمانهم بالصبر والمصابرة والرباط والجهاد، لعلمهم أنهم بإيمانهم سيكونون الأعلون على الكافرين، حتى جعل الله لهم الدولة على أعدائهم، فازدادوا إيمانا، بشكرهم لله تعالى على فضله بإقامة دينه وتحكيم شرعه، ثم صبروا على ذلك لمّا قاتلهم عليه المشركون في العالم أجمع، وما زالوا على ذلك حتى يحكم الله بينهم وبين القوم الكافرين.

وكذلك رأيناه واقعا في تدمر التي فتحها الله على المجاهدين قبل زمن، فحكموها بشرع الله، وأمروا فيها بالمعروف ونهوا عن المنكر، ثم دافعوا عن دار الإسلام هذه حتى انحازوا منها بعد الإثخان في أعدائهم، ورغم مرارة أن يروا أرض الإسلام تعود لحكم الطاغوت عليها، فإنهم لم ينكسروا ،بفضل الله، بل استمروا في جهادهم لشهور طويلة مرابطين على أطرافها، لا يتركون فرصة إلا وينالون فيها من المرتدين والصليبيين، حتى أكرمهم الله بفتحها من جديد، ومنّ عليهم بأضعاف ما أنفقوه من السلاح والمال في حربهم لاستعادتها، ومكّن لهم في هذه الأرض من جديد، ليعيدوا -بإذن الله- تحكيم شرع الله على ثراها، ويقيموا شعائر الدين الكامل في أرضها، وهم مستعدون لأن يعيدوا الكرّة في هذه الأرض أو سواها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

لقد أثبتت هذه الأمثلة وسواها للناس، أن خسارة قرية هنا، أو مدينة هناك لا تعني أبداً انتهاء المعركة، فما دام التوحيد غضا طريا في النفوس، فستبقى جذوة الجهاد مشتعلة فيها، وستبقى إرادة القتال قائمة، وسيبقى القعود للمشركين في كل مرصد أمرا واقعا، بإذن الله.

والرب العظيم الذي أعاد لعباده الدولة في أرض تدمر، ومن قبلها أرض الموصل وغيرها من ولايات العراق، قادر على أن يعيد لهم الدولة في الفلوجة والرمادي وتكريت وبيجي وسرت ومنبج والشدادي، وغيرها من مدن المسلمين المسلوبة، ما دام المؤمنون واثقين بوعد ربهم لهم، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

671c2d4603ce0

  • 3
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً