لسان حالكِ «لأموتَنَّ والإسلام عزيز» (١/٢) إنَّ الهمم -أرشدكِ الله- نوعان، همم سامية عالية، ...

منذ 2025-03-06
لسان حالكِ «لأموتَنَّ والإسلام عزيز»

(١/٢)
إنَّ الهمم -أرشدكِ الله- نوعان، همم سامية عالية، وأخرى ساقطة نازلة، يقول ابن القيم، رحمه الله: «ولله الهمم! ما أعجب شأنها، وأشد تفاوتها، فهمة متعلقة بمن فوق العرش، وهمة حائمة حول الأنتان والحش» [مدارج السالكين].

فأما الذين تعلَّقت هممهم بمن فوق العرش، فقوم تزينت لهم الدنيا فأغرتهم بالخسيس والدني، وجعلت من نفسها أكبر همِّهم ومبلغ علمهم، وغلّقت الأبواب دون المعالي وقالت: هيت لكم! فما كان منهم إلا أن أدبروا هلعى، وفروا منها فرار المعافى من المجذوم، لا يلوون على شيء سوى أن يعصمهم الرحمن منها ويكفيهم شرها، فعاشوا فيها والأرواح تتنفس عزة.

إن لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحيّ وطنا
جعلوها لُجّة واتخذوا * صالح الأعمال فيها سفنا

وأما الذين تحوم هِممهم حول الأنتان والحش، فقوم نجحت الدنيا في فتنتهم، وجعلت همَّهم بين مال وبطن وفرج، فعاشوا فيها والأرواح ترهقها ذلة.

ثم قال ابن القيم: «وإذا أردت أن تعرف مراتب الهمم، فانظر إلى همة ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- وقد قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (سلني)؛ فقال: أسألك مرافقتَك في الجنة؛ وكان غيره يسألُه ما يملأ بطنَه، أو يواري جلده، وانظر إلى همة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين عُرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأباها، ومعلوم أنه لو أخذها لأنفقها في طاعة ربه تعالى، فأبت له تلك الهمة العالية، أن يتعلق منها بشيء مما سوى الله ومحابه، وعُرض عليه أن يتصرف بالملك، فأباه، واختار التصرف بالعبودية المحضة، فلا إله إلا الله، خالق هذه الهمة، وخالق نفس تحملها، وخالق همم لا تعدو همم أخس الحيوانات» [مدارج السالكين].

وجاء في «حلية الأولياء»: «عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: اجتمع في الحِجر مصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنّوا؛ فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا، فأتمنّى الخلافة؛ وقال عروة: أما أنا، فأتمنّى أن يؤخذ عني العلم؛ وقال مصعب: أما أنا، فأتمنّى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين؛ وقال عبد الله بن عمر: أما أنا، فأتمنّى المغفرة؛ قال: فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له».

ويقال إن عمر بن عبد العزيز خطب الناس فقال في خطبته: «أيها الناس، إن لي نفسا توّاقة لا تُعطى شيئا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه، وإني لمّا أُعطيت الخلافة تاقت نفسي إلى ما هو أعلى منها وهي الجنة» [البداية والنهاية].

ورُوي أن نابغة بني جعدة أنشد هذه الأبيات في حضرة النبي، صلى الله عليه وسلم:

بلغنا السماء مجدنا وثراؤنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فيسأله النبي: (إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟) قال: «إلى الجنة»؛ قال: (كذلك إن شاء الله) [رواه أبو نعيم والبيهقي في «دلائل النبوة»].
ولطالما كانت الجنة همَّة الصالحين من الأولين والآخرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

671c2d4603ce0

  • 3
  • 0
  • 7

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً