حرص سلاطين الإسلام على بيعة الخليفة الإمام (١/٢) أجمع المسلمون في كل العصور على وجوب الإمامة ...

منذ 2025-03-06
حرص سلاطين الإسلام على بيعة الخليفة الإمام

(١/٢)
أجمع المسلمون في كل العصور على وجوب الإمامة ونصب الإمام ومبايعته وطاعته، فهو الذي يقيم الصلاة بهم، ويطبق الحدود، ويحفظ الثغور، ويجاهدون تحت لوائه أعداء الله، بل إن الصحابة -رضي الله عنهم- بعد وفاة النبي -صـلى الله عليه وسلم- كان أول ما شغلهم -حتى قبل دفنه- تنصيب خليفته، فكانت البيعة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في سقيفة بني ساعدة.

وبالرغم من أن الخلافة قد ضعفت في القرون المتأخرة قبل غيابها عن المعمورة بسقوط الدولة العباسية، إلا أن هذا لم يمنع كثيرا من سلاطين المسلمين، من أن يستمدوا شرعية سلطتهم من مبايعة الخليفة العباسي وبذل الطاعة امتثالا لأمر الله -عزو جل- بلزوم الجماعة، ونبذ الفرقة والتنازع، وقد وجد أولئك السلاطين بركات هذه البيعات، فأجرى الله على أيديهم الفتوحات وأطاعتهم رعاياهم.

- أمير الصقالبة في القوقاز يبايع الخليفة المقتدر بالله

ففي أوائل القرن الرابع الهجري سنة (309 هـ) أرسل الخليفة العباسي المقتدر بالله مبعوثه أحمد بن فضلان إلى أمير الصقالبة في بلاد القوقاز الذي أعلن بيعته للخليفة وطلب منه مساعدته في رد عادية الكفار المجاورين له في تلك البلاد، فأرسل الخليفة مبعوثه ليخلع عليه خِلَع الإمارة كما جرت العادة، وليُعينه فيما طلب.

وقد روى ابن فضلان في كتابه (رسالة ابن فضلان) تفاصيل تلك الرحلة الشاقة من بغداد دار الخلافة إلى ديار ذلك الأمير في عمق بلاد القوقاز، ومما جاء فيه: «فلمّا كنّا من ملك الصقالبة، وهو الذي قصدنا له على مسيرة يوم وليلة وجّه لاستقبالنا الملوك الأربعة الذين تحت يده وإخوته وأولاده فاستقبلونا ومعهم الخبز واللّحم والجاورس، وساروا معنا، فلمّا صرنا منه على فرسخين تلقّانا هو بنفسه فلمّا رآنا نزل، فخرّ ساجدا شكرا لله، جلّ وعزّ».

ويكمل ابن فضلان رواية الأحداث فيقول: «حتّى جمع الملوك والقوّاد وأهل بلده ليسمعوا قراءة الكتاب... ولم يزل التّرجمان يترجم لنا حرفا حرفا، فلمّا استتممنا قراءته كبّروا تكبيرة ارتجّت لها الأرض»، وهكذا علم هذا الأمير النائي في أقاصي الأرض فضل أن يكون تحت إمرة خليفة المسلمين وأن يصله التكليف منه بإمارة قومه.

وقد حرص هذا الأمير المسلم على امتثال كل ما يأمره به مبعوث الخليفة من تعاليم الشرع فعندما نهاه ابن فضلان عن أن يطري نفسه باسم الملك في الخطبة بادر بالامتثال، قال ابن فضلان: «فقال لي: فكيف يجوز أن يُخطب لي؟ قلت: باسمك واسم أبيك. قال: إن أبي كان كافرا ولا أحبّ أن أذكر اسمه على المنبر، وأنا أيضا فما أحب أن يُذكر اسمي إذ كان الذي سمّاني به كافرا، ولكن ما اسم مولاي أمير المؤمنين؟ فقلت: جعفر. قال: فيجوز أن أتسمّى باسمه؟ قلت: نعم، قال: قد جعلت اسمي جعفرا واسم أبي عبد الله، فتقدّم إلى الخطيب بذلك. ففعلت».

وكان جعفر بن عبد الله مع عظم سلطته وبعد دياره عن مركز الخلافة يخشى غضب الخليفة عليه، ومما قاله لابن فضلان: «فوالله إنّي لَبِمكاني البعيد الذي تراني فيه وإنّي لخائف من مولاي أمير المؤمنين، وذلك أنّي أخاف أن يبلغَه عني شيء يكرهه، فيدعو عليَّ فأهلك بِمَكاني»، وأخبره عن سبب طلبه المال من خليفة المسلمين، فقال: «رأيت دولةَ الإسلام مقبلة وأموالَهم يؤخذ من حلها فالتمست ذلك لهذه العلّة، ولو أني أردت أن أبني حصنا من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذَر ذلك عليّ، وإنما تبرّكت بمال أمير المؤمنين»، أي لبُعد مال الخليفة عن الشبهة في ظن الأمير، والله أعلم.

فسبحان من فقَّه أمثال هؤلاء بفضل الجماعة ومبايعة الإمام!


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

671c2d4603ce0

  • 3
  • 0
  • 7

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً