صحيفة النبأ العدد 60 الافتتاحية: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ لقد فرّق الله ...
منذ 2025-03-06
صحيفة النبأ العدد 60
الافتتاحية:
كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
لقد فرّق الله -تعالى- كلمة صحوات الشام، وشتّت بين قلوبهم، وخالف بين وجوههم، وألقى بأسهم بينهم، حتى ضرب بعضهم رقاب بعض، وذلك بعد أن تولوا عن العمل بما أوجبه قوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] من توحيد الله في حكمه والاجتماع تحت إمام واحد يقيم الشريعة فيهم ويحارب الطوائف الكافرة الممتنعة عنها.
ولما علمت بعض صحوات الشام أن أمرهم آل إلى ما آل إليه أمر الصحوات العراقية من ضرب الذل والمسكنة عليهم، أشاعوا خبر سعيهم في اتحادٍ جاهلي بكيان وهمي، يلعن بعضهم فيه بعضا من أجل مصالحهم الشخصية والحزبية، أو كما قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
وهذا التشتت هو جزاء ما اكتسبوه، قال سبحانه: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14]، وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
فمهما سعوا في التوحّد، ومهما أعلنوا عن تشكيلات، فإن اجتماعهم السرابي سيزول، {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41]، فموالاتهم بعضهم بعضا في غير الله، واعتصامهم بغير حبله، وقتالهم في غير سبيله يجعلهم أوهن من أن يحفظوا لهم راية أو يمكِّنوا لهم دولة، بعد ادعائهم الإسلام وارتدادهم عنه، بموالاتهم للصليبيين والمرتدين في قتالهم لمن أقام حكم الله في الأرض.
أفلا يعقل قادة صحوات الردّة ويعلمون أن الاعتصام الذي دُعوا إليه هو الاعتصام بدين الإسلام وجماعة المسلمين، لا بمناهج الوطنية والحزبية، لكنهم لا يعرفون شيئا سوى الهوى والتقليد، فمن حقّق هواهم من «علماء» الطواغيت و»منظّري» التجهّم والقعود قلّدوه وضربوا بأقوال من لم يحقّقه عرض الحائط، أما أن يتبعوا ما أنزل الله كما أمر بقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]، وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، فهو ما لا يريدونه.
قال المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- شارحا بعض أحوالهم: «إنهم متفرقون في دينهم، كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]، وكذلك في دنياهم، ويرون أن ذلك هو الصواب... وإن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة [في ظنّهم]، والسمع والطاعة له ذل ومهانة... وإن دينهم مبني على أصول، أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار أولهم وآخرهم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]» [مسائل الجاهلية بتصرّف يسير].
وقال: «أمر الله بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرق فيه، فبيّن الله هذا بيانا شافيا تفهمه العوام... ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين، وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون... وإن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبيّن الله هذا بيانا شافيا كافيا بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر من يدّعي العلم، فكيف العمل به؟».
وإن توحدهم لأجل مصلحة الاستقواء ببعضهم مع بقاء كل منهم على شركه وردّته لن يزيد في قوتهم شيئا، وإنما سيزيدهم وهنا على وهن بما سيحمله من تمازج بين المختلفين عقديا ومنهجيا، وسيزيد من الصراعات داخل صفوفهم، ومحاولات الغدر ببعضهم، والله لا يهدي القوم الظالمين.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 60
الخميس 22 ربيع الأول 1438 هـ
الافتتاحية:
كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
لقد فرّق الله -تعالى- كلمة صحوات الشام، وشتّت بين قلوبهم، وخالف بين وجوههم، وألقى بأسهم بينهم، حتى ضرب بعضهم رقاب بعض، وذلك بعد أن تولوا عن العمل بما أوجبه قوله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] من توحيد الله في حكمه والاجتماع تحت إمام واحد يقيم الشريعة فيهم ويحارب الطوائف الكافرة الممتنعة عنها.
ولما علمت بعض صحوات الشام أن أمرهم آل إلى ما آل إليه أمر الصحوات العراقية من ضرب الذل والمسكنة عليهم، أشاعوا خبر سعيهم في اتحادٍ جاهلي بكيان وهمي، يلعن بعضهم فيه بعضا من أجل مصالحهم الشخصية والحزبية، أو كما قال تعالى: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
وهذا التشتت هو جزاء ما اكتسبوه، قال سبحانه: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14]، وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
فمهما سعوا في التوحّد، ومهما أعلنوا عن تشكيلات، فإن اجتماعهم السرابي سيزول، {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41]، فموالاتهم بعضهم بعضا في غير الله، واعتصامهم بغير حبله، وقتالهم في غير سبيله يجعلهم أوهن من أن يحفظوا لهم راية أو يمكِّنوا لهم دولة، بعد ادعائهم الإسلام وارتدادهم عنه، بموالاتهم للصليبيين والمرتدين في قتالهم لمن أقام حكم الله في الأرض.
أفلا يعقل قادة صحوات الردّة ويعلمون أن الاعتصام الذي دُعوا إليه هو الاعتصام بدين الإسلام وجماعة المسلمين، لا بمناهج الوطنية والحزبية، لكنهم لا يعرفون شيئا سوى الهوى والتقليد، فمن حقّق هواهم من «علماء» الطواغيت و»منظّري» التجهّم والقعود قلّدوه وضربوا بأقوال من لم يحقّقه عرض الحائط، أما أن يتبعوا ما أنزل الله كما أمر بقوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]، وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، فهو ما لا يريدونه.
قال المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- شارحا بعض أحوالهم: «إنهم متفرقون في دينهم، كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53]، وكذلك في دنياهم، ويرون أن ذلك هو الصواب... وإن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة [في ظنّهم]، والسمع والطاعة له ذل ومهانة... وإن دينهم مبني على أصول، أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع الكفار أولهم وآخرهم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]» [مسائل الجاهلية بتصرّف يسير].
وقال: «أمر الله بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرق فيه، فبيّن الله هذا بيانا شافيا تفهمه العوام... ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين، وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقوله إلا زنديق أو مجنون... وإن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبدا حبشيا، فبيّن الله هذا بيانا شافيا كافيا بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا، ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر من يدّعي العلم، فكيف العمل به؟».
وإن توحدهم لأجل مصلحة الاستقواء ببعضهم مع بقاء كل منهم على شركه وردّته لن يزيد في قوتهم شيئا، وإنما سيزيدهم وهنا على وهن بما سيحمله من تمازج بين المختلفين عقديا ومنهجيا، وسيزيد من الصراعات داخل صفوفهم، ومحاولات الغدر ببعضهم، والله لا يهدي القوم الظالمين.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 60
الخميس 22 ربيع الأول 1438 هـ