صحيفة النبأ العدد 61 الافتتاحية: وما بدّلوا تبديلا حفظ لنا القرآن والأثر مآثر عظيمة لأهل ...

منذ 18 ساعة
صحيفة النبأ العدد 61
الافتتاحية:
وما بدّلوا تبديلا


حفظ لنا القرآن والأثر مآثر عظيمة لأهل التوحيد على مرّ العصور ثبت فيها المسلمون على دينهم وعضوا عليه بالنواجذ حتى لقوا الله على ذلك، فمدح الله تعالى فعالهم ورفع مقامهم، رغم أن خاتمتهم في الدنيا كانت الإهلاك أو الإجلاء، فلم يحكموا أرضا، ولم ينكؤوا في عدو.

ومن تلك المآثر قصص أصحاب الأخدود وإمامهم الغلام، وماشطة بنت فرعون وطفلها الرضيع الذي ثبّتها على الحق، والرجال الذين قُطّعوا بالمناشير ومُشّطوا بأمشاط الحديد، وقصص أم عمارة وخباب بن عدي وحبيب بن زيد، وغيرهم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين لن يكون آخرهم الرجل الذي يثبّته الله أمام الدجال فيكفر به وينال في موقفه ذلك أعظم شهادة في سبيل الله.

والجامع المُشترك بين هؤلاء أنهم ثبتوا على الحق حتى هلكوا، وقد كان يكفيهم للنجاة من القتل أن يقولوا كلمة الكفر التي ترضي الطواغيت عنهم، ولكنهم أخذوا بالعزيمة وفضَّلوا الموت في سبيل الله على الحياة تحت حكم الطاغوت، وقدَّموا دينهم على أنفسهم، فاستسلموا لقضاء ربهم، إذ لم يكن بيدهم طاقة على جهاد المشركين، أو لم يكونوا مأمورين بذلك من رب العالمين.

وقد بيَّن ربّنا -جلَّ في علاه- أن المشركين مستمرون في حربهم على المسلمين، وأن الدافع لهذه الحرب هو ردّهم عن دينهم إلى الشرك والكفر، فقال سبحانه: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]، فالشرك بالله أكبر من القتل، وقتال المشركين للمسلمين لا يسوّغ ردّة أحد عن الدين طاعة للمشركين ودفعا لحربهم، إذ الواجب أن يسعى الموحد إلى قتالهم ويتقصّدهم بالقتل، ولا يدع قتالهم حتى ينتهوا عن شركهم بالله العظيم، أو يخضعوا لحكمه سبحانه، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193].

وقد شهد عصرنا الحديث كثيرا من النماذج التي ثبت فيها الموحدون في قتالهم للمشركين ثبات الجبال، وأنكوا في عدوهم أيما نكاية، كما حدث ويحدث اليوم من فعال جنود الخلافة في ولايات الشام وسيناء والعراق وغيرها، ولكن قصة ثبات الموحدين في سرت تشكل نموذجا نادرا في التاريخ قلما يتكرر، وحالة من حالات الرسوخ في الدين يعُز وجودها رغم كثرة المنتسبين إلى التوحيد والجهاد في هذه الأزمان.

فعلى مدى سبعة شهور ثبت جنود الخلافة في سرت في وجه الآلاف من جنود الطاغوت المعززين بطيران التحالف الصليبي الدولي، الذين لم ينقموا منهم إلا تحكيمَهم شريعة رب العالمين، وكفرهم بالديموقراطية والقوانين الوضعية، وإعلانهم الولاء والبيعة لإمام المسلمين، والبراءة من الصليبيين والمرتدين، فشنوا عليهم الحرب التي غايتها أن يردّوهم عن الإسلام، فيزيلوا شريعة الله، ويُعلنوا الخضوع لشريعة الطاغوت، والرضا بالدخول تحت حكم المرتدين.

ولم يكن جواب الموحدين في سرت على هذا إلا القبض على جمرة التوحيد بثبات ويقين، وطلبهم الشهادة في ذلك حتى قُتلوا جميعهم على ما عاهدوا الله عليه، وما بدلوا تبديلا، نحسبهم كذلك ولا نزكّي على الله أحدا.

وقد قاتلوا قتال الأبطال، فأعظموا في المشركين النكاية، ومزقوهم أيما تمزيق، وكفاك بخمسة آلاف قتيل وجريح من المرتدين شاهدا ودليلا، ودافعوا عن كل حي، وعن كل شارع، حتى إذا استولى المشركون على كل المدينة لم يستسلموا لباطلهم بل ناجزوهم وصاولوهم حتى آخر بيت، وكلهم يستحيي من الله ثم من المؤمنين أن يترك شبرا من الأرض للمرتدين ما وسعه ذلك، ويفعل ما بوسعه ليُظهر الدين، ولو أدى ذلك إلى إزهاق النفوس، وخسارة الأهل، وضياع الأموال، وشعاره قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقريش: (فوالذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره) [رواه البخاري]، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

فنسأل الله أن يتقبلهم، وأن يرفع منزلتهم في عليين، وأن يرزق إخوانهم في الولايات الليبية الأخذ بثأرهم، وينالوا من عدوهم، ويعيدوا إقامة الدين في سرت وغيرها من البلدان، وأن يرزق إخوانهم في بقية ولايات الدولة الإسلامية الصبر والثبات، حتى يُشهدهم الله النصر أو يموتوا على مات عليه إخوانهم في سرت، وذلك الفوز العظيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً