سفينة النجاة في عصر الفتن من نعم الله على الموحّدين أنه يؤلف بين قلوبهم فيصبحون بنعمته إخوانا، ...

منذ 2025-04-04
سفينة النجاة في عصر الفتن

من نعم الله على الموحّدين أنه يؤلف بين قلوبهم فيصبحون بنعمته إخوانا، مهما كانت العداوة بينهم مستحكمة قبل الإسلام، إذ منّ الله -سبحانه- على الأنصار في المدينة بذلك فقال: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، وكذلك فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما عتب عليه الأنصار أن تألف قلوب الناس بعد فتح مكة بشيء من حطام الدنيا، فذكّرهم -عليه الصلاة والسلام- أن ما نالهم في الإسلام من الهداية بعد الضلال، والتآلف من بعد العداوة والقتال، هو خير وأثمن من الأموال التي يفرح بها الناس.

أما الكفار والمرتدون بكل أصنافهم وأطيافهم، فلا يزالون متعادين فيما بينهم، وإن جمعهم كلهم العداء للإسلام والمسلمين، وسبب ذلك أن كلاً منهم يعبد إلها يختلف عن آلهة الآخرين، ويتبع منهجا يعارض مناهج الآخرين، أو يتنافس معهم على المتاع ذاته، ولا يمنعهم مانع من أن يطغوا في الأرض، أو يبغي بعضهم على بعض، ولو لأتفه الأسباب.

وقد كان مما منّ الله به على أمة الإسلام في مهدها الأول، أن بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- والعرب أشتاتٌ متفرقون، قد طحنتهم حروب القبائل وثاراتها، وأهلكت فرسانهم ودهاتهم، وكذلك فعلت الحرب بفارس والروم، حتى أذن الله بسحق كل تلك العصبيات الجاهلية على أيدي الموحدين.

وإن هذا السبب من أسباب النصر -الذي يفتح الله به للمجاهدين في كل زمان، باختلاف أعدائهم فيما بينهم، وتنازعهم، وإنهاك بعضهم البعض، قبل أن تكون نهايتهم على أيدي المسلمين- لن ينقطع إلى أن تضع الحرب أوزارها بين أهل الإسلام وأهل الكفر، وذلك لأن أسباب هذا التنازع بينهم لن تنقطع أبدا، بتنافسهم على الدنيا، وتصارعهم في سبيل الهيمنة والملك والأمجاد القومية الجاهلية، وكذلك بتغلغل الرأسماليين وخاصة اليهود منهم في صفوفهم وإذكائهم لتلك النزاعات والصراعات خدمة لمصالحهم، ورغبة في الاستفادة من تلك الصراعات في الاغتناء عن طريق الربا والتجارة.

وخلال القرن الماضي فقط، أهلك الله عشرات الملايين منهم، في حروب مدمّرة قامت فيما بينهم، سواء منها ما كان بين قوميات متصارعة كما في الحربين الكبريين، أو حتى في الصراعات على الملك داخل القوميات، وهي التي تعرف بالحروب الأهلية، وقد أضعف الله أغلب أمم الشرك والكفر بعد تلك الحروب، ولكن لم يكن في أمة الإسلام من يستطيع جمع المسلمين خلفه ليقودهم إلى تحقيق التمكين للمسلمين، وقهر أمم الشرك، وإخضاعها لحكم الإسلام، بل وقع كثير من الناس ضحية تلك الصراعات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ وذلك لكونهم خلال الفترات الماضية كانوا إما خاضعين لطواغيت الحكم التابعين لأمم الشرك المتجبرة، أو خاضعين لطواغيت الأحزاب والقبائل والطرق الصوفية، الذين لم يكن أحد منهم يتصور يوما أن يصاول أمم الشرك وهو يعبدها من دون الله خوفا ورجاء.

إن أيامنا هذه تشي -بإذن الله- بمرحلة جديدة من التنازع الكبير، والصراعات المدمِّرة في صفوف أمم الشرك المختلفة، وبين القوميات الجاهلية المتنازعة، سببها الرئيس تنافسهم على الأموال والنفوذ، وإنهم في الوقت الذي يصوغون فيه فسطاط كفرهم المحارب لفسطاط الإيمان الذي تمثله الدولة الإسلامية، فإنهم يبنون التحالفات المتعددة المتعارضة داخل ذلك الفسطاط، وكلٌّ منهم يتربص بأخيه الدوائر، ليدفعه عن قطعة من الأرض، أو يزيحه عن مجال من مجالات النفوذ والهيمنة، أو يضعفه في جانب من جوانب الاقتصاد أو السياسة.

ومن نعم الله تعالى أن تحل هذه المرحلة، وللمسلمين جماعة يعتصمون بها عند الفتن، وإمام يتخذونه جُنّة من أمامهم، ويقاتلون به مِن ورائه، وولايات منتشرة في أصقاع الأرض المختلفة يمكنهم أن يأووا إلى جنودها، ويهاجروا إلى أرضها فيستقووا بها ويقووها، وجيش ذو راية نقية يمكنهم أن يقاتلوا في صفوفه لتكون كلمة الله هي العليا، فيقيهم الله بذلك من الضياع وسط دوامة الصراعات الواسعة، والانحراف باتجاه إهلاك النفوس والأموال في خدمة مشاريع ومصالح دول الشرك المختلفة.

وأما من أبى الاعتصام بحبل الله، وبقي على عبادة هواه، واتباعه طواغيته من علماء السوء المبدلين لشريعة الله، وقادة الأحزاب والتنظيمات الضالّين المضلّين، ورؤوس القبائل الجاهليين العابدين للمال والجاه، وغيرهم، فلن ينجو من عذاب الله بإضاعة دينه، فضلا عن إهلاك نفسه وأهله وماله، والله لا يهدي القوم الفاسقين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 65
الخميس 27 ربيع الثاني 1438 ه‍ـ

للمزيد من الحقائق وكشف الشبهات.. تواصل تيليجرام:
@WMC111ART

675b0ecd560d4

  • 1
  • 0
  • 8

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً