الاستشفاء بالأدوية غير الحسية الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، وينزل بمن يشاء البلاء، ...

منذ يوم
الاستشفاء بالأدوية غير الحسية

الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، وينزل بمن يشاء البلاء، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ماحي الشرك والشقاء، وعلى آله الأنقياء وصحبه الأصفياء، أما بعد:

فقد ذكرنا فيما سبق مشروعية التداوي ومنهج الشريعة فيه، ولا بد أن يُعرف أن في التداوي ما يكون بالأدوية الحسية وغير الحسية، فغيرُ الحسية المشروعة كالرقية والدعاء هي أعظم الأدوية وأجلها وأشرفها وأحمدها عواقبا، فالله -سبحانه وتعالى- قال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، قال ابن القيم رحمه الله: "وإن الأدوية القلبية، والروحانية، وقوة القلب، واعتماده على الله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والدعاء، والتوبة، والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جرَّبتها الأمم على اختلاف أديانها ومِللها، فوجدوا لها من التأثير في الشِّفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء، ولا تجربته، ولا قياسه، وقد جرَّبنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية" [زاد المعاد].

- الاستشفاء بالقرآن:

إن أعظم ما يُتداوى به هو كلام الله المجيد، فهو نجاة الحيران، وطب القلوب وعافية الأبدان، وشفاء العلل وجلاء الأدران، قال الماوردي في قوله، عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ]الإسراء: 82[: "يحتمل ثلاثة أوجه، أحدها: شفاء من الضلال, لما فيه من الهدى. الثاني: شفاء من السَّقم, لما فيه من البركة. الثالث: شفاء من الفرائض والأحكام, لما فيه من البيان".

وجاء في صحيح البخاري عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينفثُ على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوِّذات، فلما ثقُل كنت أنفثُ عليه بهن، وأمسح بيد نفسِهِ لبركتها"، وجاء في الحديث: "فسألت الزهري [والسائل هو معمر]: كيف ينفث؟ قال: كان ينفث على يديه، ثم يمسح بهما وجهه".

أمَّا صحابته الكرام -رضي الله عنهم- فحالهم مع الاستشفاء بالقرآن ما رواه الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن ناسا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أتوا على حيٍّ من أحياء العرب فلم يُقروهم [أي لم يضيِّفوهم]، فبينما هم كذلك، إذ لُدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تُقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلا، فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأمِّ القرآن [أي الفاتحة]، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي، صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك، وقال: (وما أدراك أنها رقية، خذوها واضربوا لي بسهم).

فهذا الرجل الملدوغ مرضه حسّيّ ظاهر، ولكنّ دواءه غير حسّيّ، وهو سورة الفاتحة التي من أسمائها الشافية.

- الاستشفاء بالدعاء:

لقد علَّمنا نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن (الدعاء هو العبادة) وحثنا على طلب كل شيء من الله -سبحانه- حتى لو كان أصغر حاجة، ففي الحديث الصحيح عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدُكم ربَّه حاجته كلَّها حتى يسأله شِسع نعله إذا انقطع) [التبريزي في مشكاة المصابيح]، وبهذا التنبيه النبوي فعلى كل مسلم أن يسأل ربه –سبحانه- كل حاجاته، فهو الرب الحليم الكريم، والودود الرحيم، والسميع القريب، قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقد يكفيك الله –تعالى- بالدعاء قبل المباشرة بالأسباب الحسية، فالدعاء هو السبب الأجلّ، وطب الآفات والعلل، كيف لا وهو من أعظم العبادات، والصلة الوثيقة بين العبد ورب الأرض والسماوات، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن ينقطع دعاؤه في الليل والنهار، وسنَّ لنا أذكار اليوم والليلة للحماية من مجهول الآفات، وعلَّم أصحابه الدعاء طلبا للشفاء من الأمراض.

روى البخاري بسنده عن عبد العزيز، قال: دخلت أنا وثابت على أنس بن مالك، فقال ثابت: يا أبا حمزة، اشتكيت، فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: (اللهم ربَّ الناس، مُذهِب الباس، اشف أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقما)، وجاء عند مسلم عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رقاه جبريل، قال: "باسم الله يُبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شرِّ حاسد إذا حسد، وشر كلِّ ذي عين"، فهذه هي من مفردات الرقية بالدعاء التي وردت، شفاء من كل داء ومن شرور الحسد ومن العين أي النظرة.

فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي يكشف السوء ويشفي المريض ويبتلي عباده وهو على ما يشاء قدير، ولذلك من اعتصم بالدعاء فقد استمسك بعظيم.


لقراءة المقال كاملا، تيلجرام:
@wmc11ar

67645820478e1

  • 1
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً