أحكام اللُّقَطَة ذكرت قبل ذلك أن من محاسن الشريعة حفظ الأموال على أصحابها، وقد جعل الله لحفظ ...
منذ 2018-04-06
أحكام اللُّقَطَة
ذكرت قبل ذلك أن من محاسن الشريعة حفظ الأموال على أصحابها، وقد جعل الله لحفظ الأموال على أصحابها طرقاً كثيرة من هذه الطرق ما سنتعلمه بعون الله وبمدده من أحكام اللقطة، لنعرف فضل الإسلام وعظم الشريعة الإسلامية.
اللقطة: اسم للشيء الملقوط الذي يوجد في غير حرز ولا يعرف الواجد مالكه.
ومبنى أحكام اللقطة على حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ [اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا، قَالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ] (البخاري 91).
حكم التقاط اللقطة: أخذ اللقطة مستحب. وقيل واجب. وقيل: إن كانت في موضع يأمن عليها الملتقط إذا تركها استحب له أخذها، فإن كانت في موضع لا يأمن عليها فيه إذا تركها وجب عليه التقاطها، وإذا علم من نفسه الطمع فيها حرم عليه أخذها إذا وجدها، لئلا يأكل مال غيره بالباطل.
أنواع اللقطة: بين هذا الحديث أن اللقطة تنقسم إلى نوعين، ولكل نوع حكمه.
النوع الأول: لقطة الأموال: (كالنقود وأشباهها مثل: الموبايل – الساعة – الذهب).
النوع الثاني: لقطة الضوال من الحيوانات: كالإبل والبقر والغنم وغيرها.
أما لقطة الأموال: فمنها ما لا يهتم به صاحبه إذا فُقِد ولا يتتبعه.
ومثل العلماء لذلك: بالسوط، والرغيف، والثمرة، والعصا، والقليل من النقود التي لا يبحث عنها صاحبها، فهذا يملكه آخذه وينتفع به بلا تعريف، لحديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ [مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا] (البخاري 2431).
فدل هذا على أن الشيء اليسير يلتقط بلا تعريف. وما منع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخذها إلا خوفه من أن تكون من تمر الصدقة لأنها محرمة عليه.
وورد في ذلك حديث لكن ضعفه العلماء وهو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ [رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ] (أبو داود 1717). ولكن العمل على معناه سلفاً وخلفاً.
* وأما ما يهتم به صاحبه إذا افتقده ويتتبعه ويبحث عنه من الأموال، كالنقود والذهب والموبايلات وغيرها من الأموال، فهذا لا ينتفع به لاقطه إلا بعد تعريفه عام هجري كامل، فإذا لم يأتِ صاحبه فهو له لقوله صلى الله عليه وسلم [اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ].
أما لقطة الضوال من الحيوان: فضالة الإبل قال فريق من العلماء بحرمة التقاطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ضالتها [وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا] وقاسوا عليها ما يمكنه الدفاع عن نفسه من صغار السباع كالبقر والجاموس. ومن العلماء من قال تلتقط إذا خيف عليها وذلك بسبب خراب الذمم في هذا الزمان، وتعرف سنة كغيرها من اللقطة.
وهذا هو الأصح، وقد فعل ذلك عثمان وعلي رضي الله عنهما كما في موطأ مالك عن الزهري.
* أما ما لا يمتنع من صغار السباع كالماعز والغنم والأرانب وأمثالها من الحيوانات والطيور والدجاج فتلتقط وتُعَرَّفَ كغيرها، قال صلى الله عليه وسلم عن ضالة الغنم لما سئل عنها [لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ].
* أما إن كان المُلْتَقَطُ مما يفسد بتركه كالفاكهة وما شابهها فلواجدها أكلها حتى لا تفسد وإذا جاء صاحبها رد إليه ثمنها.
حكم التعريف باللقطة، ومدة التعريف: التعريف باللقطة التي يُهْتَم بها واجب فلابد من النداء عليها وتعريفها حولاً كاملاً بما جرت به العادة في زمانه ومكانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم [عَرِّفْهَا سَنَةً] فأمر بالتعريف وحدد المدة بعام هجري كامل.
ما حكم اللقطة إذا جاء صاحبها وتعرف عليها: إذا جاء طالبها، فوصفها بما يطابق وصفها، وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك [فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ].
ويدفع معها نماءها المتصل والمنفصل، ويرجع على صاحبها بالنفقة التي أنفقها عليها إن كانت مما يحتاج إلى نفقة ولا ينتفع بها، أما إن كانت مما ينتفع به فنفقتها في مقابل انتفاعه بها كمن حلب الشاة، أو ركب الدابة أو أكل بيض الدجاجة.
أما إن كان تصرف فيها فعليه ردَّ بدلها إن لم تكن موجودة، لأن ملكه لها يزول بمجيء صاحبها.
ماذا على الملتقط بعد انتهاء المدة ولم يأت صاحبها؟
إذا لم يأت صاحبها بعد تعريفها حولاً كاملاً، تكون ملكاً لواجدها، وهو مخير بين ثلاثة أمور: إما يتصرف فيها بإنفاقها أو أكلها، أو بالتصدق بها أو بثمنها (على قول عند بعض أهل العلم)، أو إبقاءها. وفي كل الأحوال متى ظهر صاحبها فهي له ولو بعد حين.
ضمان اللقطة: تعتبر اللقطة أمانة في يد ملتقطها، فلا يضمنها إلا بالتعدي، والتقصير.
وإن كان قد التقطها بنية أخذها لنفسه، وعدم ردها الى صاحبها فهي مضمونةعنده لأنها بحكم المغصوب، وهذا قول الجماهير (المغني 6/361 ، فتح القدير 6/112).
حكم لقطة الحرم: كان العلماء قديماً يفتون بحرمة أخذها لأن رسول الله قد نهى عن التقاطها، أما الأن فقد وجد جهات مسئولة عنها في الحرم فأفتوا بوجوب التقاطها ودفعها للمختصين بذلك، وأما من أخذها لنفسه فذلك حرام وهو أكل للمال بالباطل.
مسائل في اللقطة:
1- ما حكم من وجد لقطة ولم يعرفها لجهله بالتعريف؟ الأصل في اللقطة أنها تعرَّف إذا كانت مما يهتم به الناس، أما إن كانت مما لا يهتم به الناس فلا تعريف لها وهي ملك لواجدها.
فمن وجد لقطة ولم يعرِّفها لجهلة بحكم التعريف، فلا إثم عليه لأن الجهل يرفع الإثم ولا يرفع الحكم، ويجب عليه التعريف إن كان العهد بها قريب.
يعرفها سنة هجرية كاملة في المكان الذي وجدت فيه، ويعلن عن تاريخ لقطها، أما إن لم يمكنه التعريف بها لبعد زمانها فالأبرأ لذمته أن يتصدق بمقدار ثمنها في زمانها الملتقط فيه لصاحبها، لأنه قصر في حق صاحب المال بترك التعريف.
أما من ترك التعريف متعمداً فهذا يأثم ويجب عليه التعريف فإن لم يظهر صاحبها وجب عليه أن يتصدق بالمال أو بقيمته عن صاحبه لأن من أخذ لقطةً ولم يعرفّْها متعمداً كان كمن أخذ مال غيره بغير حق، والتوبة منه برده إلى صاحبه إن علمناه، أو التصدق به بنية صاحبه. ولأن من حق صاحب المال على الملتقط أن يُعرِّفَ مالَه لعله يعثر عليه، وهذا لم يفعل.
2- كيف ترد اللقطة إذا نمت؟ إذا كانت اللقطة من النقود أو الذهب أو غيره مما لا ينمو بنفسه فترد كما هي لصاحبها إن تعرف عليها ولو بعد حين من الدهر، ولو لم يتعرف عليها أحدٌ إلى مرور السنة فإن شاء المُلْتَقِطُ أن يتصرف فيها لنفسه بإنفاقها أو أكلها أو تملكها، وتكون في ذمته لصاحبها إن تعرف عليها في أي وقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم [وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ] (مسلم 1722). وتورث عنه، فان جاء صاحب اللقطة ضمنها له إن كان حيا أو ضمنه له الورثة إن كان الملتقط ميتا. وهذا مذهب عمر، وابنه وعلي وابن عباس وابن مسعود وعائشة، وبه قال عطاء وطاوس وعكرمة، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة (المجموع 16/150،المغني 6/354).
واستدلوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا] وقوله [فَاسْتَنْفِقْهَا] (البخاري 2427).
أما إن كانت اللقطة من البهائم (كالبقر أو الماعز والغنم) وهذه البهيمة سَمِنَتْ، أو ولدت وصار لها نتاج منفصل، فترد بنمائها المتصل والمنفصل لصاحبها إن تعرف عليها، ثم
يرجع المُلْتَقِط عليه بالنفقة عليها، إلا إذا كان ينتفع منها بلبنها فيكون في مقابل النفقة.
وإن لم يتعرف عليها صاحبها فحكمها حكم ما قبلها من الأموال.
وإن كانت من الطيور (كالدجاج والأبط والأوز أو الأرانب) وكانت تبيض، أو تلد إذا كانت أرنب وتعرف عليها صاحبها ردت إليه بنمائها، ثم يرجع المُلْتَقِط على صاحبها بالنفقة عليها، إلا إذا كان ينتفع منها ببيضها أو ولدها فيكون ذلك في مقابل النفقة.
3- هل يجب في كل المال أن يعرف سنة؟
الأصل في اللقطة أن تعرف سنة هجرية كاملة، لكن استثنى بعض أهل العلم ما إذا كانت اللقطة يسيرة فيعرفها زمنا يظن أن فاقده لا يطلبه .
وكذلك ما يخشى فساده إذا كان كثيراً أو يسيرا كالفاكة والخضروات يعرفها مدة لا يخشى فيها عليه الفساد.
4- كم نسبة المُلْتَقِط في المال الملقوط؟
لا حق للملتقط فيما وجده من مال إذا ظهر صاحبه ورده إليه، إلا نفقته إن كان مما ينفق عليه، ولكن إن أهداه صاحب المال شيئاً بطيب نفسه فله أن يأخذه، وله أن يرده، لكن ليس له أن يطلب منه نصيباً من المال.
5- هل يتصدق بقيمة اللقطة عن صاحبها بعد تعريفها ولم يعرفها أحد؟
كثير من العلماء يقولون بأنه يتصدق عن صاحبها بقيمتها، ثم يلزمون الملتقط برد قيمة اللقطة إذا جاء صاحبها بعد زمن إلا إذا رضي بذلك.
والراجح من أقوال أهل العلم: أنه لا يتصدق بها ويملكها لما ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال في ذلك [فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ] (مسند أحمد 18336) وما سبق من قوله [ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا] [فَاسْتَنْفِقْهَا] فلا دليل في ذلك على الصدقة. فكيف نلزمه بالصدقة، ثم برد المال إن جاء صاحبه ولم يقره على الصدقة.
كتبها/ أبو عبد الرحمن سيد فؤاد الليثي
ذكرت قبل ذلك أن من محاسن الشريعة حفظ الأموال على أصحابها، وقد جعل الله لحفظ الأموال على أصحابها طرقاً كثيرة من هذه الطرق ما سنتعلمه بعون الله وبمدده من أحكام اللقطة، لنعرف فضل الإسلام وعظم الشريعة الإسلامية.
اللقطة: اسم للشيء الملقوط الذي يوجد في غير حرز ولا يعرف الواجد مالكه.
ومبنى أحكام اللقطة على حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ [اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا، قَالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ] (البخاري 91).
حكم التقاط اللقطة: أخذ اللقطة مستحب. وقيل واجب. وقيل: إن كانت في موضع يأمن عليها الملتقط إذا تركها استحب له أخذها، فإن كانت في موضع لا يأمن عليها فيه إذا تركها وجب عليه التقاطها، وإذا علم من نفسه الطمع فيها حرم عليه أخذها إذا وجدها، لئلا يأكل مال غيره بالباطل.
أنواع اللقطة: بين هذا الحديث أن اللقطة تنقسم إلى نوعين، ولكل نوع حكمه.
النوع الأول: لقطة الأموال: (كالنقود وأشباهها مثل: الموبايل – الساعة – الذهب).
النوع الثاني: لقطة الضوال من الحيوانات: كالإبل والبقر والغنم وغيرها.
أما لقطة الأموال: فمنها ما لا يهتم به صاحبه إذا فُقِد ولا يتتبعه.
ومثل العلماء لذلك: بالسوط، والرغيف، والثمرة، والعصا، والقليل من النقود التي لا يبحث عنها صاحبها، فهذا يملكه آخذه وينتفع به بلا تعريف، لحديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ [مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ
الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا] (البخاري 2431).
فدل هذا على أن الشيء اليسير يلتقط بلا تعريف. وما منع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخذها إلا خوفه من أن تكون من تمر الصدقة لأنها محرمة عليه.
وورد في ذلك حديث لكن ضعفه العلماء وهو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ [رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ] (أبو داود 1717). ولكن العمل على معناه سلفاً وخلفاً.
* وأما ما يهتم به صاحبه إذا افتقده ويتتبعه ويبحث عنه من الأموال، كالنقود والذهب والموبايلات وغيرها من الأموال، فهذا لا ينتفع به لاقطه إلا بعد تعريفه عام هجري كامل، فإذا لم يأتِ صاحبه فهو له لقوله صلى الله عليه وسلم [اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ].
أما لقطة الضوال من الحيوان: فضالة الإبل قال فريق من العلماء بحرمة التقاطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ضالتها [وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا] وقاسوا عليها ما يمكنه الدفاع عن نفسه من صغار السباع كالبقر والجاموس. ومن العلماء من قال تلتقط إذا خيف عليها وذلك بسبب خراب الذمم في هذا الزمان، وتعرف سنة كغيرها من اللقطة.
وهذا هو الأصح، وقد فعل ذلك عثمان وعلي رضي الله عنهما كما في موطأ مالك عن الزهري.
* أما ما لا يمتنع من صغار السباع كالماعز والغنم والأرانب وأمثالها من الحيوانات والطيور والدجاج فتلتقط وتُعَرَّفَ كغيرها، قال صلى الله عليه وسلم عن ضالة الغنم لما سئل عنها [لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ].
* أما إن كان المُلْتَقَطُ مما يفسد بتركه كالفاكهة وما شابهها فلواجدها أكلها حتى لا تفسد وإذا جاء صاحبها رد إليه ثمنها.
حكم التعريف باللقطة، ومدة التعريف: التعريف باللقطة التي يُهْتَم بها واجب فلابد من النداء عليها وتعريفها حولاً كاملاً بما جرت به العادة في زمانه ومكانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم [عَرِّفْهَا سَنَةً] فأمر بالتعريف وحدد المدة بعام هجري كامل.
ما حكم اللقطة إذا جاء صاحبها وتعرف عليها: إذا جاء طالبها، فوصفها بما يطابق وصفها، وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك [فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ].
ويدفع معها نماءها المتصل والمنفصل، ويرجع على صاحبها بالنفقة التي أنفقها عليها إن كانت مما يحتاج إلى نفقة ولا ينتفع بها، أما إن كانت مما ينتفع به فنفقتها في مقابل انتفاعه بها كمن حلب الشاة، أو ركب الدابة أو أكل بيض الدجاجة.
أما إن كان تصرف فيها فعليه ردَّ بدلها إن لم تكن موجودة، لأن ملكه لها يزول بمجيء صاحبها.
ماذا على الملتقط بعد انتهاء المدة ولم يأت صاحبها؟
إذا لم يأت صاحبها بعد تعريفها حولاً كاملاً، تكون ملكاً لواجدها، وهو مخير بين ثلاثة أمور: إما يتصرف فيها بإنفاقها أو أكلها، أو بالتصدق بها أو بثمنها (على قول عند بعض أهل العلم)، أو إبقاءها. وفي كل الأحوال متى ظهر صاحبها فهي له ولو بعد حين.
ضمان اللقطة: تعتبر اللقطة أمانة في يد ملتقطها، فلا يضمنها إلا بالتعدي، والتقصير.
وإن كان قد التقطها بنية أخذها لنفسه، وعدم ردها الى صاحبها فهي مضمونةعنده لأنها بحكم المغصوب، وهذا قول الجماهير (المغني 6/361 ، فتح القدير 6/112).
حكم لقطة الحرم: كان العلماء قديماً يفتون بحرمة أخذها لأن رسول الله قد نهى عن التقاطها، أما الأن فقد وجد جهات مسئولة عنها في الحرم فأفتوا بوجوب التقاطها ودفعها للمختصين بذلك، وأما من أخذها لنفسه فذلك حرام وهو أكل للمال بالباطل.
مسائل في اللقطة:
1- ما حكم من وجد لقطة ولم يعرفها لجهله بالتعريف؟ الأصل في اللقطة أنها تعرَّف إذا كانت مما يهتم به الناس، أما إن كانت مما لا يهتم به الناس فلا تعريف لها وهي ملك لواجدها.
فمن وجد لقطة ولم يعرِّفها لجهلة بحكم التعريف، فلا إثم عليه لأن الجهل يرفع الإثم ولا يرفع الحكم، ويجب عليه التعريف إن كان العهد بها قريب.
يعرفها سنة هجرية كاملة في المكان الذي وجدت فيه، ويعلن عن تاريخ لقطها، أما إن لم يمكنه التعريف بها لبعد زمانها فالأبرأ لذمته أن يتصدق بمقدار ثمنها في زمانها الملتقط فيه لصاحبها، لأنه قصر في حق صاحب المال بترك التعريف.
أما من ترك التعريف متعمداً فهذا يأثم ويجب عليه التعريف فإن لم يظهر صاحبها وجب عليه أن يتصدق بالمال أو بقيمته عن صاحبه لأن من أخذ لقطةً ولم يعرفّْها متعمداً كان كمن أخذ مال غيره بغير حق، والتوبة منه برده إلى صاحبه إن علمناه، أو التصدق به بنية صاحبه. ولأن من حق صاحب المال على الملتقط أن يُعرِّفَ مالَه لعله يعثر عليه، وهذا لم يفعل.
2- كيف ترد اللقطة إذا نمت؟ إذا كانت اللقطة من النقود أو الذهب أو غيره مما لا ينمو بنفسه فترد كما هي لصاحبها إن تعرف عليها ولو بعد حين من الدهر، ولو لم يتعرف عليها أحدٌ إلى مرور السنة فإن شاء المُلْتَقِطُ أن يتصرف فيها لنفسه بإنفاقها أو أكلها أو تملكها، وتكون في ذمته لصاحبها إن تعرف عليها في أي وقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم [وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ] (مسلم 1722). وتورث عنه، فان جاء صاحب اللقطة ضمنها له إن كان حيا أو ضمنه له الورثة إن كان الملتقط ميتا. وهذا مذهب عمر، وابنه وعلي وابن عباس وابن مسعود وعائشة، وبه قال عطاء وطاوس وعكرمة، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة (المجموع 16/150،المغني 6/354).
واستدلوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا] وقوله [فَاسْتَنْفِقْهَا] (البخاري 2427).
أما إن كانت اللقطة من البهائم (كالبقر أو الماعز والغنم) وهذه البهيمة سَمِنَتْ، أو ولدت وصار لها نتاج منفصل، فترد بنمائها المتصل والمنفصل لصاحبها إن تعرف عليها، ثم
يرجع المُلْتَقِط عليه بالنفقة عليها، إلا إذا كان ينتفع منها بلبنها فيكون في مقابل النفقة.
وإن لم يتعرف عليها صاحبها فحكمها حكم ما قبلها من الأموال.
وإن كانت من الطيور (كالدجاج والأبط والأوز أو الأرانب) وكانت تبيض، أو تلد إذا كانت أرنب وتعرف عليها صاحبها ردت إليه بنمائها، ثم يرجع المُلْتَقِط على صاحبها بالنفقة عليها، إلا إذا كان ينتفع منها ببيضها أو ولدها فيكون ذلك في مقابل النفقة.
3- هل يجب في كل المال أن يعرف سنة؟
الأصل في اللقطة أن تعرف سنة هجرية كاملة، لكن استثنى بعض أهل العلم ما إذا كانت اللقطة يسيرة فيعرفها زمنا يظن أن فاقده لا يطلبه .
وكذلك ما يخشى فساده إذا كان كثيراً أو يسيرا كالفاكة والخضروات يعرفها مدة لا يخشى فيها عليه الفساد.
4- كم نسبة المُلْتَقِط في المال الملقوط؟
لا حق للملتقط فيما وجده من مال إذا ظهر صاحبه ورده إليه، إلا نفقته إن كان مما ينفق عليه، ولكن إن أهداه صاحب المال شيئاً بطيب نفسه فله أن يأخذه، وله أن يرده، لكن ليس له أن يطلب منه نصيباً من المال.
5- هل يتصدق بقيمة اللقطة عن صاحبها بعد تعريفها ولم يعرفها أحد؟
كثير من العلماء يقولون بأنه يتصدق عن صاحبها بقيمتها، ثم يلزمون الملتقط برد قيمة اللقطة إذا جاء صاحبها بعد زمن إلا إذا رضي بذلك.
والراجح من أقوال أهل العلم: أنه لا يتصدق بها ويملكها لما ثبت عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال في ذلك [فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ] (مسند أحمد 18336) وما سبق من قوله [ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا] [فَاسْتَنْفِقْهَا] فلا دليل في ذلك على الصدقة. فكيف نلزمه بالصدقة، ثم برد المال إن جاء صاحبه ولم يقره على الصدقة.
كتبها/ أبو عبد الرحمن سيد فؤاد الليثي