سلسلة معاملات محرمة (1) البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل الحمد لله، أما بعد: إن الله عز وجل ...

منذ 2018-04-06
سلسلة معاملات محرمة
(1) البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل
الحمد لله، أما بعد:
إن الله عز وجل لما خلق الخلق وجعل مستقرهم إلى الأرض، خلق لهم ما يتعايشون به لتستمر الحياة، قال تعالى [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا] (البقرة 29).
وسخر لبني البشر كل ما في هذه الأرض لخدمتهم، فقال [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] (الجاثية 13).
وكل ذلك من أجل أن يُعبَدَ اللهُ في الأرض.
ثم أرسل الرسلَ لِتُعَلِّمَ الناسَ كيف يعبدون هذا الإلهَ الذي خلقهم ويرزقهم ويدبر كل أمورهم.
فَشَرَّعَ لهم شريعة يعبدون الله بها، منها ما هو بينهم وبين ربهم، وهو ما يسمى بالعبادات، وجعل لها ضوابط وحدود، ووضع لمخالفيها عقوبات، ولمن أتى بها على
الوجه الصحيح كما أرادها الله عز وجل أجراً عظيماً في الدنيا والأخرة.
ومنها ما يكون بينهم وبين بعضهم، وهو ما يسمى بالمعاملات، وجعل أيضاً لها ضوابط وحدود، ووضع لمخالفيها عقوبات، ووعد من أتى بها على الوجه الصحيح كما أرادها الله عز وجل بالبركة والأجر العظيم في الدنيا والأخرة.
وبعون الله سأتناول الجانب الثاني من المعاملات والتي بين الناس بعضهم البعض، ننظر فيها وفي مخالفاتنا فيها لنردها إلى أصلها الذي شرعه الله لنا، ولنتعامل فيها على الوجه الصحيح لتعود إلينا البركة في زرقنا، وتصلح أحوالُنا، ونؤلف بين قلوبنا.
وقبل ذلك ينبغي أيها المسلمُ أن تعلمَ علم اليقين أن الله تعالى ما حرم علينا شيئاً إلا وفيه مضرة علينا لهذا منعنا عنه، ثم فتح لنا باباً غيره أفضل منه.
وما أحل الله عز وجل لنا أمراً إلا وفيه مصلحة لنا، عَلِمَهَا من عَلِمَهَا وجَهِلَهَا من جَهِلَهَا.
فالواجب علينا أن نُسَلِّمَ لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أياً كان الأمر أو النهي مخالفاً لهوانا أو لعاداتنا أو لطبائعنا أو لمعاملاتنا، بهذا التسليم يكمل إيمانُناً، قال الله تعالى [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] (النساء 65).
أبدأ مستعيناً بالله في ذكر بعضاً من المعاملات المحرمة التي حرمها الله تعالى في كتابه أو حرمها رسوله صلى الله عليه وسلم.
1- تعاملُ بعضِ التجارِ بشرطٍ باطلٍ مع المشترين: فتجد أصحابَ المحلات يعلقون لافتةً مكتوباً عليها (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل)، ومنهم من هاج عليه ضميره فكتبها (البضاعة المباعة لا ترد وتستبدل).
هذه المقولة عبارة عن شرط من البائع على المشتري بأنه إذا اشترى منه سلعة فليس له الحق في ردها أو استبدالها، وهذا شرط باطل يخالف أصول الشريعة السمحاء.
ومن أصول الشريعة في البيع والشراء، إثبات حق الرد للسلعة المعيبة على البائع، أو إبقائها مع أخذ الأرش فيها، إذا لم يكن يعلم بالعيب قبل الشراء، وكان العيب مؤثراً في السلعة.
وهو ما يسمى في البيع بخيار الرد بالعيب.
والأرش: هو فرق السعر قبل العيب وبعده.
ومما يثبت حق المشتري في الرد بالعيب، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم [لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ] (البخاري 2148).
ففي هذا لحديث إثبات لحق المشتري في رد البهيمة التي اكتشف بها عيب، أو إبقائها، والعلماء قاسوا على ذلك كل مبيع ظهر به عيب بعد الشراء لا يعلمه المشتري، وكان مؤثراً في المبيع.
ولا يؤثر علم البائع بالعيب قبل البيع أو لا، ففي كل الحالات سواء عَلِمَ بالعيب أو لا فيجب رد السلعة وإعطاء المشتري الثمن، إن اختار ذلك.
أما إن قَبِلَ السلعة بالعيب مع رد فرق الثمن فله ما يشاء.

الخطبة الثانية، الحمد لله وبعد:
أما إن كانت السلعة غيرَ معيبة، ولكن ظهر للمشتري أنه ليس له حاجة إلى السلعة، أو بعد أن عاد إلى بيته طرقت عليه ظروف اضطرته إلى رد السلعة، إما لظهور الغبن فيه (ارتفاع السعر عن السوق)، أو لزوال حاجته إليه، أو لانعدام الثمن، فأراد أن يرد السلعة على البائع.
فهنا من حق البائع ألا يرد البيعة ولا يقبل السلعة، وذلك لأن البائع والمشتري لهما الخيار في إتمام البيعة أو نقضها طالما لم يتفرقا من مجلس العقد الذي تم فيه البيع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم [البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا] (البخاري 2079).
وهذا المشتري قد تفرق عن البائع بكامل إرادته، فليس له الحق في رد السلعة، وليس له الحق في أن يغضب من البائع أو يتشاجر معه، فهذا حقه الشرعي الذي أثبته له الشرع.
ولكن لأجل دوام الألفة بين المسلمين، ولأن الله عز وجل أمرنا بأن نتراحم فيما بيننا، وأن نتعاون على البر والتقوى، فهذا البائع له أن يأخذ هذه السلعة من هذا المشتري بحالة من حالتين:
الأولى: أن يقبلها بالإقالة، وهذا قول جمهور العلماء، والإقالة هي: الندم على شراء السلعة وإرادة إرجاعها.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم [مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ، أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] (صحيح ابن حبان 5029).
أقال عثرته، أي: غفر زلته وخطيئته، وأزال مشقته وعثرته يوم القيامة، لأنه إحسان منه على المشتري، لأن البيع كان قد بَتَّ، فلا يستطيع المشتري فسخه. عون المعبود (ج7 / ص 451)
الثانية: أن يقبلها منه بعقد جديد، وهذا قول الإمام مالك، فبعد أن كان البائع بائعاً للسلعة سيتبدل الأمر ويصبح هو المشتري، فيشتري هو من المشتري الأول، وفي الغالب سيكون بثمن جديد.
وبهذا الرأي ينتهي النزاع، وتذهب الشحناء من قلوب العباد، وتُقضى المصالح.
وهكذا شريعة الإسلام ما أمر الله بالتحاكم إليها إلا للتأليف بين قلوب العباد، وقضاء مصالحهم بسلام.
اللهم فقهنا في ديننا، وخذ بأيدينا إليك، وردنا إليك رداً جميلاً.
رابط الخطبة الصوتي: https://www.youtube.com/watch?v=4Bc2L2DXw7o

59df34c2e3914

  • 0
  • 0
  • 33

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً