الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 76 - مقال: أفي كلّ مرة لا تعقلون؟! قبل سنوات، ومع بداية ...

منذ 2025-04-29
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ
العدد 76 - مقال:
أفي كلّ مرة لا تعقلون؟!

قبل سنوات، ومع بداية الحرب بين "ثوار" ليبيا وطاغوتها القذافي، خرجت مظاهرة حاشدة في مدينة بنغازي لتشكر الدول الصليبية على قصفها لجيش الطاغوت معمّر، وتقديمها الدعم الكبير لـ "الثوار" الذين كانوا يقاتلون بغطاء من الطائرات الصليبية، وفي تلك المظاهرات رُفعت أعلام أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وغيرها من الدول الصليبية، في ظاهرة تنكرها العيون التي اعتادت أن ترى مرارا تلك الأعلام تأكلها النيران، وتدوسها الأقدام.

إن ذلك المشهد لم يكن -كما يبدو- حدثا معزولا، بل هو صورة من ظاهرة تتكرر باستمرار، وها نحن اليوم نرى المشهد يعاد في الشام بعد الضربة الأمريكية على أحد مطارات النظام النصيري في البادية، التي لا يُعلم يقينا بعد، حجم الضرر الذي أحدثته في ذلك المطار.

ورأينا كيف تحول ترامب ما بين غمضة عين والتفاتتها من عميل لبوتين، ونصير لليهود، إلى بطل في عيون المغفلين، وقلوب السذَّج الجاهلين، وباتت تصريحات ترامب أنسا للبطّالين، ومحط آمال الواهمين، وتحولت أمريكا -في أنظارهم- من دولة مجرمة تحرص على بقاء الطاغوت بشار على كرسيه، إلى دولة راعية للسلام ناصرة للمستضعفين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

إن هؤلاء الظالمين يتناسون أن أمريكا الصليبية قتلت من المسلمين أضعاف أضعاف ما قتل الطاغية بشار الأسد وجيشه المرتد، وما تزال طائراتها تحوم فوق مدن أهل الإسلام في العراق، والشام، وخراسان، واليمن، والصومال، وليبيا، وبلدان الصحراء الكبرى، ولا يمر يوم إلا وترتكب مذبحة جديدة، بقصف قرية، أو تدمير حي، في مختلف بلاد المسلمين.

ويتناسون أيضا أنه وفي الوقت الذي نزلت فيه صواريخ الأخرق ترامب على مطار الشعيرات، كانت قذائف طائراته تهطل على المسلمين في مدن الرقة والطبقة والموصل، دون أن يجرؤ أي منهم على استنكار الأمر أو مجرد الإشارة إليه، لكي لا يفسد ذلك عليهم الأجواء الاحتفالية ببطلهم المخلّص الجديد.

ويتناسى هؤلاء قرنا كاملا صدَّقوا فيه وعود الأمريكيين عدة مرات، ووقعوا خلاله في مصائد الصليبيين مرات أكثر، بدءا بـ "مبادئ ولسون" و"وعود مكماهون"، وليس انتهاء بـ "عاصفة بوش" و"عقيدة أوباما"، ثم لم تكن خاتمتهم في كل مرة يسلمون فيها قياد أنفسهم لهؤلاء المشركين، ويسيرون في خدمة مشاريعهم الغادرة إلا أن يجدوا أنفسهم قد خرجوا منها صفر اليدين، وقد استعبدهم الصليبيون بعد أن زعموا أنهم جاؤوا لتحريرهم، أو أسلموهم لأعدائهم بعد أن وعدوهم بالعز والتمكين.

بل إن المصيبة الأكبر عليهم هي إيمانهم بوعود المشركين، وتوكلهم عليها، واستعدادهم الدائم لتقديم كلِّ ما يطلبه الصليبيون منهم في سبيل الحصول على نصرهم وتأييدهم، وتشكيكهم في وعد الله بالنصر لمن أطاعه، كما قال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40 - 41]، ورفضهم القولي والفعلي لطاعة الله فيما أمر استجلابا لنصره، وطلبا لتأييده، بل وعداؤهم لمن يتوكل على الله وحده، ويعبده فلا يشرك به أحدا من خلقه، واتهامهم لمن أطاع الله بإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين بتأخير النصر عنهم، وجلب البلاء وتكالب الأعداء عليهم.

إنها ليست المرة الأولى التي تقصف فيها الطائرات الأمريكية الصليبية جيش طاغوت من الطواغيت، فقد فعلت ذلك مرارا خلال العقود الثلاث الماضية على الأقل، فدَمَّرت جيش طاغوت البعث صدام بزعم حماية جزيرة العرب من احتلاله لها، وقصفت جيش صربيا الصليبي بزعم حماية أهل كوسوفو من بطش النصارى الأرثوذكس، ثم أنهت حكم طاغوتي العراق وليبيا بزعم تقديم الحرية لأهل هذه البلدان، وفي كل مرة يتبين أن الهدف كان يتعلق بالسيطرة على موارد البلاد، وإخضاع العباد، ولن يخرج هجوم الأخرق ترامب ضد الطاغية بشار عن هذا الإطار.

كما أنها ليست المرة الأولى التي ينخدع فيها أهل الضلال بوعود الصليبيين وشعاراتهم ولن تكون الأخيرة، ولكنَّ أكثر الناس لا يؤمنون.



- المصدر: صحيفة النبأ - العدد 76
الخميس 16 رجب 1438 ه‍ـ

6735978f52408

  • 0
  • 0
  • 9

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً