تحذير ربَّات الحِجال من التعالم والجدال 2/2 إن من الآفات الخطيرة التي نخرت في أمتنا وتعاظم ...

منذ 2025-04-29
تحذير ربَّات الحِجال من التعالم والجدال
2/2

إن من الآفات الخطيرة التي نخرت في أمتنا وتعاظم أمرها خاصة في زماننا هذا آفة التعالم، إذ كثر المتعالمون بيننا والمتفيهقون، الذين يظنون أن مجرد حفظ آية أو حديث يبيح لهم التصدُّر للفتيا، والخوض في مسائل يتورع عن الخوض فيها أئمة في العلم وجهابذة في الفقه، ورحم الله أبا حصين الأسدي إذ يقول: "إن أحدهم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر!".

ولقد تجاوز التعالم مجالس الرجال ليحط رحاله في مجالس النساء، فظهرت كثيرات من مدَّعيات العلم، اللاتي غُصن ولُصن حتى فيما مُنع الرجال من الخوض فيه وأداً للفتنة ودرءاً للمفسدة ورصَّاً للصف، حتى بتنا نسمع فتاوى وتأصيلات لا ندري أنضحك لهولها أم نبكي؟ ومصدرها فلانة وأم فلان، وإنا لله وإنا إليه راجعون!


• نصف العلم لا أعلم

وعلى الأخت التي تفتي بالحلال والحرام دون دليلٍ من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح أن تعلم أن هذا من القول على الله بغير علم، وما أحسن وأجلّ كلمة "لا أعلم" في دين الله تعالى، وما أسلمها للقلب، قال الشعبي: "نصف العلم لا أعلم"!

وعن عزرة التميمي، قال: قال علي، رضي الله عنه: "وا بردها على الكبد"، ثلاث مرات. قالوا: وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: "أن يُسأل الرجل عمَّا لا يعلم فيقول: الله أعلم" [رواه الدارمي والبيهقي].
وإليك يا مسلمة -وفقك الله لما يحبه ويرضاه- هذه الرواية عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حينما سُئل عن آية، فقال: "أيُّ أرض تقلني وأي سماء تظلني، وأين أذهب، وكيف أصنع إذا أنا قلت في كتاب الله بغير ما أراد الله بها؟" [موطأ الإمام مالك].

وعن خالد بن أسلم، وهو أخو زيد بن أسلم قال: "خرجنا مع عبد الله بن عمر نمشي فلحقنا أعرابي فقال: أنت عبد الله بن عمر؟ قال: نعم. قال: سألت عنك فدُلِلْتُ عليك، فأخبرني أتَرِثُ العَمَّة؟ فقال ابن عمر: لا أدري، فقال: أنت لا تدري ولا ندري. قال: نعم اذهب إلى العلماء بالمدينة فاسألهم. فلما أدبر قبَّل ابن عمر يديه، فقال: نعمَّا قال أبو عبد الرحمن، سئل عمَّا لا يدري، فقال: لا أدري" [المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي].

ابن عمر وما أدراكِ من ابن عمر -رضي الله عنهما- يُسأل عن مسألة فقهية فيتحرَّز لنفسه ويقول لا أدري، بينما إحداهن تستحي من قول لا أعلم، وتخشى أن يقال عنها جاهلة! ووالله لأن يقال عنكِ في الدنيا جاهلة، خير من أن يُنادى عليكِ يوم القيامة أين التي كانت عن ربها بغير علم قائلة!

عن الإمام مالك -رحمه الله- قال: "أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه فقال له: أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استُفتيَ من لا عِلم له وظهر في الإسلام أمر عظيم، قال ربيعة: ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السرَّاق"! [جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر].

ومن اللطائف التي نلفت انتباه المسلمة إليها، أن من الأمور المحبوبة لدى أهل العلم، أن يربوا طلابهم وتلامذتهم على قول: لا أدري، ولا أعلم.
قال الشافعي: سمعت مالك بن أنس، يقول: سمعت محمد بن عجلان، يقول: "إذا أغفل العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله" [المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي].

• بيت في ربض الجنة

كذلك من الآفات المنتشرة أيضا في أيامنا، زيادة على التعالم، الجدال في صفوف النساء، إلا من عصم الله، ومقصدنا الجدال المذموم الذي لا طائل ولا فائدة ترجى منه وليس الجدال بالتي هي أحسن، إذ تجد من تجادل في مسألة ما دون بينة شرعية منها ولكن عيَّاً وجهلاً وقصوراً، ومنهن من تجلس ساعة أو يزيد لتجادل في فتوى استفتتها ولم يعجبها رد المستفتَى عنها، إذا إنه خالف هواها ومرادها، وما تريد بجدالها ذاك إلا الانتصار لنفسها والعياذ بالله.

عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) [رواه أبو داود].

وقال الإمام اللالكائي، رحمه الله تعالى: قال جعفر بن محمد: "إياكم والخصومات في الدين فإنها تشغل القلب، وتورث النفاق" [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة].

فاحذري يا مسلمة -يرحمك الله- من هذين الداءين الخطيرين، واربئي بنفسك عن التعالم ومواطن الجدال، ولا تكثري في دين الله من القيل والقال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


- المصدر: صحيفة النبأ - العدد 77
الخميس 23 رجب 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، اطلبه عن طريق تواصلنا، تيليجرام:
@WMC11AR

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 8

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً