الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 493 الافتتاحية: الحروب النفسية 1/2 ينبغي للجماعة المسلمة ...
منذ 2025-05-06
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 493
الافتتاحية:
الحروب النفسية
1/2
ينبغي للجماعة المسلمة أنْ تحصّن أفرادها من مخاطر الحرب النفسية التي تُشن عليهم، كتلك الحرب التي تُشن على الدولة الإسلامية ويشارك فيها جنود وشيوخ وملل ودول وحكومات وجماعات وناكثون وناكصون ومراكز أبحاث وأجهزة مخابرات وعلماء وعملاء، وآخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.
ويخطئ من يظن أن الحرب النفسية تقتصر على الميدان العسكري بل هي أعم وأوسع، وإنما الميدان العسكري هو أحد ميادين الحروب النفسية التي قد تقضي على أشرس المقاتلين بدون أي طلقة؛ إنْ لم يتسلح بقوة الإيمان.
والحرب النفسية أو المعنوية تتلخص في اتباع كل الطرق والأساليب الدعائية الموجهة والمقصودة، بهدف التأثير في الخصم ودفعه نحو تبني مواقف جديدة أو العدول عن مواقفه القديمة أو على الأقل غرس بذور الشك لديه، فهي ليست عملية حدّية دفعة واحدة، بل هي عملية نسبية تتجزأ وتعتمد الأسلوب التدريجي في إحداث التأثير والتغيير، فما يحققه العدو اليوم قد لا يكون كاملا، لكنه يكفي لأن يبني عليه غدا حتى يكتمل وينتج تراجعا وضعفا في نفسية الخصم.
والذي ينبغي للمسلم إدراكه أنّ هذه الحروب مخططة موجهة ليست عشوائية ولا ارتجالية، فالعدو لديه خطة محددة ينطلق منها وليس بالضرورة أن تدلّك خطواته على ماهية خطته؛ لكنها بالضرورة تدلّك على أنها متسلسلة يتبع بعضها بعضا، مستمرة لا تتوقف حتى تنجح أو تخفق فيستبدلها أو يجري تعديلات عليها، وهي بذلك تتسق مع طبيعة الصراع القائم بين الإسلام والكفر الممتد إلى قيام الساعة.
وهذه الحروب النفسية ينتصر فيها من يمتلك الإرادة والعزيمة فيبقى ثابتا على معتقداته لا يبدّل ولا يغيّر حتى لو قلّ عدده وشحّت عدته ووهن عظمه، وهنا تتفوّق قوة الروح على قوة الجسد، ولذا ينتصر فيها الصبور النحيف على الجزِع الطرير المدجج بكل أنواع الأسلحة والحديد، ولأجل هذا اهتم الإسلام ببناء روح المسلم وتقوية إيمانه قبل تقوية بدنه، لأن عليها التعويل عندما يقلّ العدد والمدد ويضعف الجسد، فالثابتون في الباغوز -مثلا- وهنت أجسادهم لكن لم تهن عزائمهم، فكان انتصارهم بقوة أرواحهم لا قوة أجسادهم.
وتكمن خطورة الحروب النفسية اليوم في أنها عالمية تدخل كل مكان وتصل كل فرد وتلطم كل من أذعن لها، ولذلك نهت السنة النبوية عن استشراف الفتن والتعرُّض لها، وهو ما يقوم به البعض اليوم فلا يُبقي شبهة إلا ولجها، ولا ريبة إلا أتاها ثم أنّى ينجو منها؟
ومن بين الأهداف الكثيرة للحرب النفسية، يكاد يكون الهدف الأبرز هو ضرب "الروح المعنوية" فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه الحرب التي يشنها العدو بهدف تدمير نفسية الخصم وإضعاف معنوياته وتحطيم إرادته ودفعه للتراجع، وصولا لاستسلامه أو استمالته أو على الأقل تحييده.
ولعل من أخطر أهدافها بث الريبة وضرب الثقة داخل الجماعة المسلمة، وجعل الفرد يفقد ثقته بطريقه ومساره، وفي نهاية المطاف التأثير عليه ونسف قناعاته وتغيير سلوكه.
ومن أشهر أساليب الحرب النفسية بث الدعاية والشائعات والتسريبات وغيرها من الحملات الإعلامية الموجهة المكررة التي تركز على شيء معين في وقت معين، فليس هناك شيء عشوائي ولا بريء في هذه الحروب، ويتصل بذلك محاولتهم صبغ بعض المصداقية على هذه الأكاذيب اعتمادا على حوادث سابقة، فينشرون بعض الحقيقة التي تؤدي إلى بعضها الآخر المكذوب المقصود.
ومن أساليبها التركيز دوما على إشاعة القضايا الخلافية أو التي يُتوهم أنها كذلك، وجعلها مُثارة دوما، وشحن المنخرطين فيها وإيهام بعضهم أنهم يمثلون الحق وأن الآخرين يمثلون الباطل، والحقيقة أن كلا الطرفين سقطا في شراك العدو وصارا وقودا لإشعال الحرب النفسية التي من أهدافها الأساسية؛ بث الفرقة وضرب التماسك، فصار الطرفان سلاحا بيد العدو يحارب به الحق الذي لم يوفقا في إصابته.
ومن الأساليب الحديثة تقديم "الخيار البديل" وخلق صورة مقبولة له إقليميا وعالميا توافق رؤية العدو مرحليا أو كليا، كالتسويق الممنهج لنموذج "طالبان والجولاني" والضخ الإعلامي الكبير الذي كان بمثابة رسالة نفسية موجهة مفادها: "بإمكانك أن تبقى جهاديا وحاكما، لكن وفق شروطنا " وبذلك استطاع الصليبيون أن يقاتلوا المجاهدين بالجهاديين! ويحاربوا الإسلام بالإسلاميين!
ويتفاعل الفرد أحيانا مع الحرب النفسية على نحو معاكس؛ فبدلا من دفعها والتصدي لها، فإنه يلجأ الى التصالح معها بما يحقق لنفسه رضاها، فالمتراجع أو المخطئ يبحث عن الطرح الذي يعفيه من الخطأ ويقنعه أنه المصيب وأنّ الخطأ عند غيره، وبذلك يتمادى في انحرافاته ويبرر تراجعاته على ظهر غيره، فيفرح به عدوه ويجنّده جنديا في جيوش حروبه النفسية من حيث لا يدري.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 493
السنة السادسة عشرة - الخميس 3 ذو القعدة 1446 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar
الافتتاحية:
الحروب النفسية
1/2
ينبغي للجماعة المسلمة أنْ تحصّن أفرادها من مخاطر الحرب النفسية التي تُشن عليهم، كتلك الحرب التي تُشن على الدولة الإسلامية ويشارك فيها جنود وشيوخ وملل ودول وحكومات وجماعات وناكثون وناكصون ومراكز أبحاث وأجهزة مخابرات وعلماء وعملاء، وآخرون من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.
ويخطئ من يظن أن الحرب النفسية تقتصر على الميدان العسكري بل هي أعم وأوسع، وإنما الميدان العسكري هو أحد ميادين الحروب النفسية التي قد تقضي على أشرس المقاتلين بدون أي طلقة؛ إنْ لم يتسلح بقوة الإيمان.
والحرب النفسية أو المعنوية تتلخص في اتباع كل الطرق والأساليب الدعائية الموجهة والمقصودة، بهدف التأثير في الخصم ودفعه نحو تبني مواقف جديدة أو العدول عن مواقفه القديمة أو على الأقل غرس بذور الشك لديه، فهي ليست عملية حدّية دفعة واحدة، بل هي عملية نسبية تتجزأ وتعتمد الأسلوب التدريجي في إحداث التأثير والتغيير، فما يحققه العدو اليوم قد لا يكون كاملا، لكنه يكفي لأن يبني عليه غدا حتى يكتمل وينتج تراجعا وضعفا في نفسية الخصم.
والذي ينبغي للمسلم إدراكه أنّ هذه الحروب مخططة موجهة ليست عشوائية ولا ارتجالية، فالعدو لديه خطة محددة ينطلق منها وليس بالضرورة أن تدلّك خطواته على ماهية خطته؛ لكنها بالضرورة تدلّك على أنها متسلسلة يتبع بعضها بعضا، مستمرة لا تتوقف حتى تنجح أو تخفق فيستبدلها أو يجري تعديلات عليها، وهي بذلك تتسق مع طبيعة الصراع القائم بين الإسلام والكفر الممتد إلى قيام الساعة.
وهذه الحروب النفسية ينتصر فيها من يمتلك الإرادة والعزيمة فيبقى ثابتا على معتقداته لا يبدّل ولا يغيّر حتى لو قلّ عدده وشحّت عدته ووهن عظمه، وهنا تتفوّق قوة الروح على قوة الجسد، ولذا ينتصر فيها الصبور النحيف على الجزِع الطرير المدجج بكل أنواع الأسلحة والحديد، ولأجل هذا اهتم الإسلام ببناء روح المسلم وتقوية إيمانه قبل تقوية بدنه، لأن عليها التعويل عندما يقلّ العدد والمدد ويضعف الجسد، فالثابتون في الباغوز -مثلا- وهنت أجسادهم لكن لم تهن عزائمهم، فكان انتصارهم بقوة أرواحهم لا قوة أجسادهم.
وتكمن خطورة الحروب النفسية اليوم في أنها عالمية تدخل كل مكان وتصل كل فرد وتلطم كل من أذعن لها، ولذلك نهت السنة النبوية عن استشراف الفتن والتعرُّض لها، وهو ما يقوم به البعض اليوم فلا يُبقي شبهة إلا ولجها، ولا ريبة إلا أتاها ثم أنّى ينجو منها؟
ومن بين الأهداف الكثيرة للحرب النفسية، يكاد يكون الهدف الأبرز هو ضرب "الروح المعنوية" فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه الحرب التي يشنها العدو بهدف تدمير نفسية الخصم وإضعاف معنوياته وتحطيم إرادته ودفعه للتراجع، وصولا لاستسلامه أو استمالته أو على الأقل تحييده.
ولعل من أخطر أهدافها بث الريبة وضرب الثقة داخل الجماعة المسلمة، وجعل الفرد يفقد ثقته بطريقه ومساره، وفي نهاية المطاف التأثير عليه ونسف قناعاته وتغيير سلوكه.
ومن أشهر أساليب الحرب النفسية بث الدعاية والشائعات والتسريبات وغيرها من الحملات الإعلامية الموجهة المكررة التي تركز على شيء معين في وقت معين، فليس هناك شيء عشوائي ولا بريء في هذه الحروب، ويتصل بذلك محاولتهم صبغ بعض المصداقية على هذه الأكاذيب اعتمادا على حوادث سابقة، فينشرون بعض الحقيقة التي تؤدي إلى بعضها الآخر المكذوب المقصود.
ومن أساليبها التركيز دوما على إشاعة القضايا الخلافية أو التي يُتوهم أنها كذلك، وجعلها مُثارة دوما، وشحن المنخرطين فيها وإيهام بعضهم أنهم يمثلون الحق وأن الآخرين يمثلون الباطل، والحقيقة أن كلا الطرفين سقطا في شراك العدو وصارا وقودا لإشعال الحرب النفسية التي من أهدافها الأساسية؛ بث الفرقة وضرب التماسك، فصار الطرفان سلاحا بيد العدو يحارب به الحق الذي لم يوفقا في إصابته.
ومن الأساليب الحديثة تقديم "الخيار البديل" وخلق صورة مقبولة له إقليميا وعالميا توافق رؤية العدو مرحليا أو كليا، كالتسويق الممنهج لنموذج "طالبان والجولاني" والضخ الإعلامي الكبير الذي كان بمثابة رسالة نفسية موجهة مفادها: "بإمكانك أن تبقى جهاديا وحاكما، لكن وفق شروطنا " وبذلك استطاع الصليبيون أن يقاتلوا المجاهدين بالجهاديين! ويحاربوا الإسلام بالإسلاميين!
ويتفاعل الفرد أحيانا مع الحرب النفسية على نحو معاكس؛ فبدلا من دفعها والتصدي لها، فإنه يلجأ الى التصالح معها بما يحقق لنفسه رضاها، فالمتراجع أو المخطئ يبحث عن الطرح الذي يعفيه من الخطأ ويقنعه أنه المصيب وأنّ الخطأ عند غيره، وبذلك يتمادى في انحرافاته ويبرر تراجعاته على ظهر غيره، فيفرح به عدوه ويجنّده جنديا في جيوش حروبه النفسية من حيث لا يدري.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 493
السنة السادسة عشرة - الخميس 3 ذو القعدة 1446 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar