الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 81 الافتتاحية: إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في ...
منذ 2025-05-09
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 81
الافتتاحية:
إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة
إن للحرب وجوها عديدة، وللمعارك أهدافا شتى، والمجاهد الحق هو من قابلها بوجوهها المتغيرة، وعمل على تحقيق الهدف من كل معركة يخوضها في سبيل الله.
فإن كان في اقتحام موقع من مواقع العدو فلا يوقفه حائل دون السيطرة عليه، وتمكين جيش المسلمين منه، بإذن الله، فتجده مقتحما تحت وابل الرصاص المنهمر عليه ليدخل على أعدائه في مكامنهم، فيبيدهم داخلها، أو يدفعهم إلى الفرار منها، غير مبالٍ بالجراح، ولا متهيبا من القتل، بل يسعى أن يكون من أفضل الشهداء الذين ذُكروا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذين إن يُلقوا في الصف، لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه) [رواه أحمد]، وليس أمام ناظريه غير أن يحقق الهدف الذي خرجت لأجله هذه الغازية، وأخشى ما يخشاه أن تفشل الغزوة بسبب إحجامه، أو يفشل إخوانه بسبب معصيته.
وإن أمَّنه إخوانه على ثغر من ثغور المسلمين، غرس أقدامه في الأرض، وربط قلبه بحبل الإيمان والتقوى، وخوَّفها عقوبة الفرار من الزحف، وأرهبها من غضب الله -تعالى- على من يولي الدبر، واضعا نصب عينيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15]، فلا يرضى أن يخون الأمانة التي استُودعها، ولا يتنازل عن شبر من أرض هو يعلم يقينا أن إخوانه بذلوا دماءهم وأشلاءهم لضمها إلى دار الإسلام، وإخراجها من سلطان المشركين.
وإن كلَّفه أمراؤه بتأخير تقدم العدو ريثما يتسنى لهم تحصين خطوط الدفاع من ورائه، أو إعداد العدة للكرَّة عليهم، أو تعطيل حملتهم بإعظام النكاية فيهم، وتكبيدهم أكبر قدر من الخسائر في العدد والعدة فيعجزوا عن إكمالها، فإنه يستبسل في تحقيق ما كُلِّف به، ويرجو من الله رفقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة برد المشركين عن المسلمين ما وسعه ذلك، كما منَّ الله على النفر من الأنصار الذي فدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه بأرواحهم، كما في حديث أنس، رضي الله عنه: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُفرد يوم أُحُد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: من يردُّهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة، فتقدَّم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل، ثم رهقوه أيضا فقال: من يردُّهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل، فلم يزل كذلك حتى قُتل السبعة) [رواه مسلم].
وإن استنصره المسلمون لتخذيل المشركين عنهم، وإشغالهم بحماية ظهورهم، لم يدَّخر وسعا في ذلك، وبذل كل ما بيده للنكاية في أعدائهم، والسعي لجرِّهم إلى ساحات قتال جديدة، وتشتيت حشودهم التي حشدوها على المسلمين، ولم يضع يدا على خدٍّ، يراقب أعداء الله وهم يستفردون بإخوانه، حتى إذا ما انتهوا منهم عادوا إليه، وهو يؤمن يقيناً بقوله عليه الصلاة والسلام: (ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادِّهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) [رواه البخاري].
فالمجاهد في سبيل الله حقا يقاتل أعداء الله على أي حال، ويثبت في كل موقف من مواقف النزال، لا يبحث عن شهرة، ولا يلتفت لجاه ولا منصب، بل همُّه أن يناله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشَفَّع) [رواه البخاري]، وعلى هذا يمضي حتى ينال شهادة في سبيل الله، أو يفتح الله بينه وبين القوم الكافرين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 81
الخميس 22 شعبان 1438 هـ
للمزيد من المواد.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar
الافتتاحية:
إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة
إن للحرب وجوها عديدة، وللمعارك أهدافا شتى، والمجاهد الحق هو من قابلها بوجوهها المتغيرة، وعمل على تحقيق الهدف من كل معركة يخوضها في سبيل الله.
فإن كان في اقتحام موقع من مواقع العدو فلا يوقفه حائل دون السيطرة عليه، وتمكين جيش المسلمين منه، بإذن الله، فتجده مقتحما تحت وابل الرصاص المنهمر عليه ليدخل على أعدائه في مكامنهم، فيبيدهم داخلها، أو يدفعهم إلى الفرار منها، غير مبالٍ بالجراح، ولا متهيبا من القتل، بل يسعى أن يكون من أفضل الشهداء الذين ذُكروا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذين إن يُلقوا في الصف، لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه) [رواه أحمد]، وليس أمام ناظريه غير أن يحقق الهدف الذي خرجت لأجله هذه الغازية، وأخشى ما يخشاه أن تفشل الغزوة بسبب إحجامه، أو يفشل إخوانه بسبب معصيته.
وإن أمَّنه إخوانه على ثغر من ثغور المسلمين، غرس أقدامه في الأرض، وربط قلبه بحبل الإيمان والتقوى، وخوَّفها عقوبة الفرار من الزحف، وأرهبها من غضب الله -تعالى- على من يولي الدبر، واضعا نصب عينيه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15]، فلا يرضى أن يخون الأمانة التي استُودعها، ولا يتنازل عن شبر من أرض هو يعلم يقينا أن إخوانه بذلوا دماءهم وأشلاءهم لضمها إلى دار الإسلام، وإخراجها من سلطان المشركين.
وإن كلَّفه أمراؤه بتأخير تقدم العدو ريثما يتسنى لهم تحصين خطوط الدفاع من ورائه، أو إعداد العدة للكرَّة عليهم، أو تعطيل حملتهم بإعظام النكاية فيهم، وتكبيدهم أكبر قدر من الخسائر في العدد والعدة فيعجزوا عن إكمالها، فإنه يستبسل في تحقيق ما كُلِّف به، ويرجو من الله رفقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة برد المشركين عن المسلمين ما وسعه ذلك، كما منَّ الله على النفر من الأنصار الذي فدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه بأرواحهم، كما في حديث أنس، رضي الله عنه: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُفرد يوم أُحُد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: من يردُّهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة، فتقدَّم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل، ثم رهقوه أيضا فقال: من يردُّهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قُتل، فلم يزل كذلك حتى قُتل السبعة) [رواه مسلم].
وإن استنصره المسلمون لتخذيل المشركين عنهم، وإشغالهم بحماية ظهورهم، لم يدَّخر وسعا في ذلك، وبذل كل ما بيده للنكاية في أعدائهم، والسعي لجرِّهم إلى ساحات قتال جديدة، وتشتيت حشودهم التي حشدوها على المسلمين، ولم يضع يدا على خدٍّ، يراقب أعداء الله وهم يستفردون بإخوانه، حتى إذا ما انتهوا منهم عادوا إليه، وهو يؤمن يقيناً بقوله عليه الصلاة والسلام: (ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادِّهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا، تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) [رواه البخاري].
فالمجاهد في سبيل الله حقا يقاتل أعداء الله على أي حال، ويثبت في كل موقف من مواقف النزال، لا يبحث عن شهرة، ولا يلتفت لجاه ولا منصب، بل همُّه أن يناله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشَفَّع) [رواه البخاري]، وعلى هذا يمضي حتى ينال شهادة في سبيل الله، أو يفتح الله بينه وبين القوم الكافرين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 81
الخميس 22 شعبان 1438 هـ
للمزيد من المواد.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar