الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 494 الافتتاحية: فزت وربّ الكعبة 2/2 موقف آخر من مواقف ...
منذ يوم
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 494
الافتتاحية:
فزت وربّ الكعبة
2/2
موقف آخر من مواقف الفوز تجلّى يوم حادثة "بئر معونة" عندما غُدر بقرّاء الصحابة وقُتل سبعون منهم، ويروي الإمام البخاري عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- ما حدث مع أحدهم فقال: "لما طُعِن حرام بن ملحان وكان خاله، يوم بئر معونة، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزتُ وربّ الكعبة!". أهـ. لقد قتل وتخضب بدمه وكان أول ما تبادر إلى ذهنه قبل خروج روحه أنه حقق الفوز بل أقسم على ذلك، لأنه كان على يقين بأن التضحية والقتل في هذا الطريق فوز.
هكذا كانت حسابات المسلمين في القرون المفضّلة، على عكس حال أهل زماننا، فإن الغالب عليهم هو اليقين بالماديات واللهث وراء الملذات والانكباب على الشهوات، لأن الفوز بالنسبة إليهم هو بقدر ما يحصّلونه من هذه الحطام الفانية، هكذا هي حساباتهم وفقا للميزان المادي الذي يؤمنون به ويزنون به الأشياء، ولذلك تراهم يحكمون على المجاهدين بالخسارة لهجرتهم بلادهم وأهليهم وأموالهم ومفارقتهم للدعة والراحة، ونفيرهم نحو ميادين الجهاد وساحات الجلاد؛ يقاسون فيها الغربة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يَقتلون ويُقتلون، ولسان حال هؤلاء القاعدين الطاعنين في المجاهدين: لو أنهم رضوا بالعيش والقعود كحال بقية الناس لكان خيرا لهم! ولقد سطّر القرآن الكريم هذا الموقف الذي يتكرر قديما وحديثا فقال سبحانه عن حال هؤلاء: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، يقول الإمام ابن كثير: "أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج، ما قُتلوا مع من قُتل، قال الله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، أي: إن كان القعود يَسْلم به الشخص من القتل والموت، فينبغي أنكم لا تموتون، والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين، قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه" أهـ. وهي في كل من شابه حالهم إلى يوم القيامة.
وفي المقابل، فإنّه برغم كل ما يصيب المجاهدين من القتل والأسر والجراح والطعان، إلا أنهم موقنون بأنّ طريقهم الذي سلكوه اقتداء بنبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، هو طريق الفلاح في هذه الدنيا ويوم يقوم الحساب، سواء عاش المجاهد ثابتا صابرا أو قُتل مؤمنا محتسبا، فقد يُقتل المجاهد قبل بلوغه نهاية الطريق؛ وقد يبقيه الله تعالى ليشهد فصولا أخرى من فصول الجهاد وعلو الإسلام، وذلك قدر الله تعالى وفضله يؤتيه من يشاء، وإنما العبرة بالخواتيم.
وإنّ خير عون للمجاهد في طريقه، هو إدامة اللجوء إلى مولاه سبحانه والركون إليه وحده، فإنّه من لجأ وركن إليه؛ فقد آوى إلى ركن شديد، فالله تعالى خير ناصر وخير معين، وتحقيق ذلك أدعى لثبات المجاهد ومضائه على هذا الدرب، مهما اشتدّ الخذلان وكثر المناوئون المخالفون أسوة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبشارته الخالدة: (لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي قائمةً بأمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتيَ أمرُ اللهِ) [رواه مسلم]، فهنيئا لمن كان منهم وبقي صابرا على لأواء هذا الطريق ينتظر قدَره فائزا في قوافل الشهداء أو في طلائع الفاتحين، ففي كلٍّ فوز مبين، والعاقبة للمتقين ولو بعد حين.
المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 494
السنة السادسة عشرة - الخميس 10 ذو القعدة 1446 هـ
لقراءة الافتتاحية كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar
الافتتاحية:
فزت وربّ الكعبة
2/2
موقف آخر من مواقف الفوز تجلّى يوم حادثة "بئر معونة" عندما غُدر بقرّاء الصحابة وقُتل سبعون منهم، ويروي الإمام البخاري عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- ما حدث مع أحدهم فقال: "لما طُعِن حرام بن ملحان وكان خاله، يوم بئر معونة، قال بالدم هكذا، فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزتُ وربّ الكعبة!". أهـ. لقد قتل وتخضب بدمه وكان أول ما تبادر إلى ذهنه قبل خروج روحه أنه حقق الفوز بل أقسم على ذلك، لأنه كان على يقين بأن التضحية والقتل في هذا الطريق فوز.
هكذا كانت حسابات المسلمين في القرون المفضّلة، على عكس حال أهل زماننا، فإن الغالب عليهم هو اليقين بالماديات واللهث وراء الملذات والانكباب على الشهوات، لأن الفوز بالنسبة إليهم هو بقدر ما يحصّلونه من هذه الحطام الفانية، هكذا هي حساباتهم وفقا للميزان المادي الذي يؤمنون به ويزنون به الأشياء، ولذلك تراهم يحكمون على المجاهدين بالخسارة لهجرتهم بلادهم وأهليهم وأموالهم ومفارقتهم للدعة والراحة، ونفيرهم نحو ميادين الجهاد وساحات الجلاد؛ يقاسون فيها الغربة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يَقتلون ويُقتلون، ولسان حال هؤلاء القاعدين الطاعنين في المجاهدين: لو أنهم رضوا بالعيش والقعود كحال بقية الناس لكان خيرا لهم! ولقد سطّر القرآن الكريم هذا الموقف الذي يتكرر قديما وحديثا فقال سبحانه عن حال هؤلاء: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، يقول الإمام ابن كثير: "أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج، ما قُتلوا مع من قُتل، قال الله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، أي: إن كان القعود يَسْلم به الشخص من القتل والموت، فينبغي أنكم لا تموتون، والموت لا بد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين، قال مجاهد عن جابر بن عبد الله: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه" أهـ. وهي في كل من شابه حالهم إلى يوم القيامة.
وفي المقابل، فإنّه برغم كل ما يصيب المجاهدين من القتل والأسر والجراح والطعان، إلا أنهم موقنون بأنّ طريقهم الذي سلكوه اقتداء بنبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، هو طريق الفلاح في هذه الدنيا ويوم يقوم الحساب، سواء عاش المجاهد ثابتا صابرا أو قُتل مؤمنا محتسبا، فقد يُقتل المجاهد قبل بلوغه نهاية الطريق؛ وقد يبقيه الله تعالى ليشهد فصولا أخرى من فصول الجهاد وعلو الإسلام، وذلك قدر الله تعالى وفضله يؤتيه من يشاء، وإنما العبرة بالخواتيم.
وإنّ خير عون للمجاهد في طريقه، هو إدامة اللجوء إلى مولاه سبحانه والركون إليه وحده، فإنّه من لجأ وركن إليه؛ فقد آوى إلى ركن شديد، فالله تعالى خير ناصر وخير معين، وتحقيق ذلك أدعى لثبات المجاهد ومضائه على هذا الدرب، مهما اشتدّ الخذلان وكثر المناوئون المخالفون أسوة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبشارته الخالدة: (لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي قائمةً بأمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتيَ أمرُ اللهِ) [رواه مسلم]، فهنيئا لمن كان منهم وبقي صابرا على لأواء هذا الطريق ينتظر قدَره فائزا في قوافل الشهداء أو في طلائع الفاتحين، ففي كلٍّ فوز مبين، والعاقبة للمتقين ولو بعد حين.
المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 494
السنة السادسة عشرة - الخميس 10 ذو القعدة 1446 هـ
لقراءة الافتتاحية كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar