واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا [2/2] • الإمامة الجامعة قال الله تعالى: {وَإِذْ ...
منذ 14 ساعة
واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا
[2/2]
• الإمامة الجامعة
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقال تَعَالَى: {يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) [رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة]، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمَّروا عليهم أحدهم). فأوجب -صلى الله عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي: (أن السلطان ظل الله في الأرض)" [مجموع الفتاوى].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل، فإن له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإن عليه منه) [رواه البخاري ومسلم].
• الاجتماع عصمة من الفتن
ومع وجوب إقامة خليفة يحكم بشريعة الله، وفرض السمع والطاعة له في المعروف، فإن الالتفاف حوله ولزوم جماعته عصمة من الفتن، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) [متفق عليه]، فأفاد هذا الحديث تأكيد وجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وأنها عصمة من الفتن، وأن من ينأى عن جماعة المسلمين فلا عصمة له من أن يقذفه الدعاة إلى أبواب جهنم فيها.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وأن لا يتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله –تعالى- به في كتابه. ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواطن عامة وخاصة مثل قوله: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة)، وقوله: (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)، وقوله: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، وقوله: (ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)، وقوله: (من جاءكم وأمركم على رجل واحد منكم يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان) وقوله: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم)، وقوله: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة منها واحدة ناجية واثنتان وسبعون في النار، قيل: ومن الفرقة الناجية؟ قال: هي الجماعة، يد الله على الجماعة)، وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة، بل وفي غيرها: هو التفرق والاختلاف فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم. وإن كان بعض ذلك مغفورا لصاحبه لاجتهاده الذي يُغفر فيه خطؤه أو لحسناته الماحية أو توبته أو لغير ذلك، لكن يعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام ولهذا كان امتياز أهل النجاة عن أهل العذاب من هذه الأمة بالسنة والجماعة ويذكرون في كثير من السنن والآثار في ذلك ما يطول ذكره" [مجموع الفتاوى].
نسأل الله تعالى السداد في القول والعمل والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 85
الخميس 20 رمضان 1438 هـ
أخي المسلم.. لقراءة المقال كاملاً
تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
[2/2]
• الإمامة الجامعة
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، وقال تَعَالَى: {يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26]، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) [رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة]، وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمَّروا عليهم أحدهم). فأوجب -صلى الله عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي: (أن السلطان ظل الله في الأرض)" [مجموع الفتاوى].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل، فإن له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإن عليه منه) [رواه البخاري ومسلم].
• الاجتماع عصمة من الفتن
ومع وجوب إقامة خليفة يحكم بشريعة الله، وفرض السمع والطاعة له في المعروف، فإن الالتفاف حوله ولزوم جماعته عصمة من الفتن، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: (كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) [متفق عليه]، فأفاد هذا الحديث تأكيد وجوب لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وأنها عصمة من الفتن، وأن من ينأى عن جماعة المسلمين فلا عصمة له من أن يقذفه الدعاة إلى أبواب جهنم فيها.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وأن لا يتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله –تعالى- به في كتابه. ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- في مواطن عامة وخاصة مثل قوله: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة)، وقوله: (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)، وقوله: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، وقوله: (ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)، وقوله: (من جاءكم وأمركم على رجل واحد منكم يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان) وقوله: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم)، وقوله: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة منها واحدة ناجية واثنتان وسبعون في النار، قيل: ومن الفرقة الناجية؟ قال: هي الجماعة، يد الله على الجماعة)، وباب الفساد الذي وقع في هذه الأمة، بل وفي غيرها: هو التفرق والاختلاف فإنه وقع بين أمرائها وعلمائها من ملوكها ومشايخها وغيرهم من ذلك ما الله به عليم. وإن كان بعض ذلك مغفورا لصاحبه لاجتهاده الذي يُغفر فيه خطؤه أو لحسناته الماحية أو توبته أو لغير ذلك، لكن يعلم أن رعايته من أعظم أصول الإسلام ولهذا كان امتياز أهل النجاة عن أهل العذاب من هذه الأمة بالسنة والجماعة ويذكرون في كثير من السنن والآثار في ذلك ما يطول ذكره" [مجموع الفتاوى].
نسأل الله تعالى السداد في القول والعمل والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 85
الخميس 20 رمضان 1438 هـ
أخي المسلم.. لقراءة المقال كاملاً
تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR