الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 495 الافتتاحية: على عتبة ترامب! "الفكرة هي أن الوصول ...

منذ 15 ساعة
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 495
الافتتاحية:
على عتبة ترامب!

"الفكرة هي أن الوصول المباشر إلى ترامب هو السبيل الوحيد، لأن هناك العديد من الأيديولوجيين داخل الإدارة الأمريكية يصعب تجاوزهم". هكذا عبّر أحد الصليبيين عن الموانع التي قد تحجب الجولاني عن نيل الرضا الأمريكي والظفر بالحظوة الترامبية، لذلك كان الحل هو لقاء ترامب ومخاطبته بغير ترجمان أو حجاب للانطراح على عتبته والتذلل على بابه! في وثنية معاصرة بنكهة ثورية تولى كبرها هذا المخذول في بلاد الوحي في الأشهر الحرم!

الرماديون لطالما روّجوا أن خلاف الدولة الإسلامية مع الجولاني وأشباهه؛ كان خلافا سياسيا حزبيا لا منهجيا عقديا، واليوم يتضح بالصوت والصورة حقيقة الخلاف وأنه بين التوحيد والشرك! بين الإسلام والديمقراطية! بين من سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم وسيدهم ترامب الذي صار لقاؤه وإرضاؤه "إنجازا تاريخيا" يحتفل به "الثوريون" ويتراقصون في ساحة الأمويين بحجة رفع العقوبات الأمريكية فمن يرفع العقوبات الإلهية؟!

في الصورة الواسعة للقاء ترامب بالجولاني، لا شيء في غير محله، فقطع الأحجية ما زالت تنتظم وفقا لنفس التسلسل الذي بدأ بإخراج إيران من المشهد السوري ثم تنصيب الضبع خلفا للأسد! بإشراف تركي أمريكي، إنها رزمة واحدة على طاولة الصفقات الدولية مربطها الحرب على الإسلام وحماية المصالح الدولية.

سياسيا، لا شك أن المليارات السعودية القطرية والتعهدات التركية أقنعت ترامب بأن يقتطع وقتا قصيرا من جدوله المزدحم، لقضائه مع الجولاني لمنحه "فرصة عظيمة"، حيث قدم طواغيت الخليج إلى سيدهم الأمريكي الكثير من الصفقات التجارية المغرية، لكن ما الذي يمكن أن يقدمه له الجولاني "اليافع" الذي لا يملك سوى هوسه بالسلطة وإرثٍ كبيرٍ من الغدر والخيانة!

يبرّر الثوريون ومعهم الجهاديون تنازلات الجولاني السابقة واللاحقة بأنها صفقات سياسية من أجل مستقبل بلاده، الذي يبدو أنه لا يقوم إلا باستجلاب الرضا الأمريكي واليهودي، فهل سيرضون عنه؟ إنها صفقات خاسرة بدأها الجولاني مبكرا قبل وصوله للحكم بسنوات طويلة، صحيح أنها منحته الرئاسة، لكنها سلبته دينه وشرفه حتى صار اسمه علَما على عداء الشرع والشرف.

منهجيا، نقض الجولاني "ملة ابراهيم" وحاربها بكل قوته، فلا غرو أن يستبدلها بـ "اتفاقيات أبراهام" التي تهدف إلى تعزيز جدر الحماية لدويلة اليهود وشد حبال الولاء لهم، وهو ما كان واضحا صريحا في المطالب الأمريكية التي أملاها ترامب على الجولاني، وتتلخص في موالاة اليهود تحت مسمى "التطبيع" ومحاربة الدولة الإسلامية وشد وثاق أسراها في سجون شرق الفرات، وهي القاعدة الأساسية التي بموجبها سمحت أمريكا لتركيا بإحلال الجولاني خلفا للأسد، فهل يوغل الجولاني في تولي اليهود أم يكتفي باتفاقيات حماية الحدود؟!

نعود إلى الوراء قليلا لنستذكر كيف كان الجولاني يلمز التجربة العراقية لدولة الإسلام، ويقول إنه لا يريد تكرارها، فهل عرفتم الآن ماذا كان يقصد بذلك؟ إنه يقصد أنصع ما فيها ولاءها وبراءها ومفاصلتها، إنه لم يعب عليها غير التوحيد الخالص والولاء للمؤمنين والبراء والمفاصلة التامة للكافرين، هذه هي التجربة التي فرّ منها الجولاني إلى أحضان ترامب وماكرون وابن سلمان وأردوغان! {وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

وكان من الإملاءات الأمريكية على الجولاني، التخلص من "المقاتلين غير السوريين" الذين قاتلوا إلى جانبه طويلا ولم يسلموا من غدره واستطاع في النهاية أن يفكك جماعاتهم -مستقلين وغير مستقلين-، وينهي مشروعهم الذي طوّعه لخدمة مصالحه دهرا، فنستغل الفرصة لنخاطب هؤلاء دعوة ونصحا وإعذارا إلى الله تعالى فنقول: لقد نصحكم قادة الدولة الإسلامية مرارا وصدقوكم النصح لكنكم تخلفتم وأعرضتم وها أنتم تدفعون الثمن تماما كما حذروكم! وما زالت الدعوة مفتوحة لكم، لا تجعلوا أنفسكم ورقة يحرقها الجولاني كسبا للرضا الدولي، فيا لها من خسارة أن تنتهي رحلتكم إلى الشام على هذا النحو، فتوبوا وعودوا والتحقوا بسرايا الدولة الإسلامية التي تنتشر بين ظهرانيكم في الأرياف والأطراف، ومن يطرق الباب يجد الجواب.

من زاوية أخرى يعكس الحدث وهم السيادة التي تتحدث عنها الحكومات المرتدة، فهي بدون الدعم والرضا الدولي لا شيء! فها هي دولة الجولاني المدنية تنتظر نظرة رأفة من ترامب وفرصة منه، إنها عبودية تامة بكل المقاييس.

لقاء ترامب بالجولاني قد يمنح الأخير فرصة للتكفير عن سوابقه الجهادية واستجلاب بعض المكافآت السياسية، لكن ذلك لن يكون كافيا، وسيبقى الجولاني وزمرته تحت رحمة الابتزاز الأمريكي لإثبات تفانيهم في حرب الجهاد، فتصبح كل منحة سياسية ينتظرونها، تقابلها حرب على المجاهدين يشنونها أو مصلحة للكافرين يحققونها، فتنشأ حالة من الاقتران الشرطي بين "الخيانة" و "المكافأة" على طريقة "بافلوف" مع "الكلب!" الذي أخضعه لتجارب عديدة في مختبراته حتى نجح في التحكم بسلوكه، هكذا تقول دراسات "علم النفس" الذي صممت بناء عليه أجهزة المخابرات كثيرا من أساليبها.

وبينما القرابين الشركية تتزاحم عند العتبة الترامبية، تزاحم الصليبيون فوق تلة "دابق" للبحث عن رفات قتلاهم الذين فشل الجولاني في خدمتهم أحياء، فعاد يخدمهم أمواتا ورفاتا، لتبقى دابق حاضرة في مشهد الصراع بين الإسلام والكفر رغم أنوف الكافرين والمنافقين، وما زال المجاهدون يسيرون إليها بخطى واثقة مؤمنة موقنة بوعد الله تعالى ووعد رسوله.

ومجددا تثبت الأحداث عمق بصيرة الدولة الإسلامية في الحكم على مناهج الجماعات بعيدا عن العواطف والغلو والإرجاء، فاحمدوا الله يا جنود الخلافة حمدا كثيرا على ما آتاكم من فضله، وما أنعم عليكم من الهداية، وما وفقكم إليه من الاعتصام بالكتاب والسنة، فهذا هو الفوز والإنجاز الذي يُحتفى به وتسيل لأجله الدماء، ولتذهب الدنيا وزخرفها وليسلم لكم إسلامكم وثباتكم على صراط الله الذي حاد عنه الكثيرون في زمان يصبح فيه الرجل مؤمنا ويمسي كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا!

ختاما، صرح الطاغوت الجولاني عقب لقائه بترامب أن "سوريا بلد السلام" بينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم إنها أرض الملاحم، فأي الوعدين تصدقون؟



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 495
السنة السادسة عشرة - الخميس 17 ذو القعدة 1446 هـ

لقراءة الصحيفة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR

669046008d1ba

  • 1
  • 0
  • 40

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً