*يوم.أن.كنّا.أعزّة.بديننا…وكيف.صرنا.اليوم.cc* #خطب_مكتوبة 👤للشيخ/عبدالله رفيق السـوطي. عضو ...

منذ 2025-05-17
*يوم.أن.كنّا.أعزّة.بديننا…وكيف.صرنا.اليوم.cc*
#خطب_مكتوبة
👤للشيخ/عبدالله رفيق السـوطي.
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
للاستماع للخطبة اضغط واشترك بقناة الشيخ يوتيوب👇
https://youtu.be/RYJ75Cud8II

الخــطبة الأولــى: ↶

ـ إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾، ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.

أمــــــا بــــعـــــد عـــبــاد الــــلـــه:
- فإن نبينا صلى الله عليه وسلم نظر للكعبة يومـًا فقال معظّمًا لها: "مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا". "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"، هكذا عظم النبي صلى الله عليه وسلم شأن ذلك المسلم، ورفع من منزلته، وجعل الدنيا بما فيها لا تساوي شيئـًا أمام قطرة واحدة تراق من مسلم أيـًا كان ذلك المسلم، حتى الكعبة وهي بيت الله العتيق الذي قصده جميع الأنبياء والمرسلون، ومع هذا فإن عظمتها المعظمة ليست بعظمة دم امرئ مسلم، والدنيا بكنوزها، بأموالها، بدورها، بشركاتها، بأراضيها بأغلى ما فيها لا تساوي قطرة دم تخرج من امرئ مسلم أيـًا كان: ﴿وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظيمًا﴾، عقوبات أربع جعلها الله جل جلاله لمن أراق دم امرئ مسلم بغير حق وفي كتابه الكريم: ﴿فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا﴾، وأيضًا: ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ﴾، وأيضا: ﴿وَلَعَنَهُ﴾، ثم بعد ذلك: ﴿وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظيمًا﴾، بل عظّم الإنسان بشكل عام مسلما كان أو لم يكن فقال: ﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا﴾، فإذا كان هذا شأن الإنسان أيـًا كان ذلك الإنسان مُعظم عند الله منذ أن خلقه، فكيف بذلك المسلم المعظم عند رب العالمين جل جلاله؛ إذ هو من خير أمة أُخرجت للناس، والذي بعث إليه أعظم الأنبياء، بل أعظم وأجل وأفضل وأزكى وأتقى وأنقى الخلق على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم مبعوث ذلك الإنسان والمسلم خاصة بالدعوة الخاصة، ﴿وَما أَرسَلناكَ إِلّا رَحمَةً لِلعالَمينَ﴾، ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ..﴾، ﴿وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاس..}، على الناس، جميعا منذ آدم عليه السلام.

- هذه الأمة المعظمة، المبجلة، المقدسة، من الله تبارك وتعالى، هذه الأمة المرحومة التي رفع الله شأنها، وأعلى قدرها، وأعز شانأها، هذه الأمة هي في محك اختبار حقيقي، وجبار، وعظيم، إما أن تحافظ الكرامة التي ذكرتها سابقـًا، أو أن لا تفعل، وللأسف لم تفعل هذه الأمة؛ فلم تحافظ على كرامتها، وعلى رفع الله من شأنها، وقدس من دمها، وجعلها خير أمة، وبعث لها أزكى نبي على الإطلاق، وجعلها شاهدة على الأمم جميعـًا، أصبحت كرامتها مهدورة، وأصبح دمها مباحـًا، وأصبح مالها كلأ طيبا، كل يوم نشاهد المذابح في بلاد المسلمين، دماء، وأشلاء، وقتال، وخصومات، وسجون وعذاب، ودمار وإحراق، وجوع ومظالم… وكل مأساة فلها منها أوفر الحظ والنصيب، وكأنها لم تكن يومًا في أوج قوتها، وعظمتها، وعنفوانها، وأمنها، ووحدتها، واصطفافها، ومجدها، وغناها الذي لم يكن يقبل أفرادها الزكاة من بعضهم لبعض، وكان غيرهم يعود لهم صاغرا ذليلا مهانا يدفع لها الجزية مقابل أن تحميه أمتنا من ظلم الآخرين، وأعداء من يعطي الجزية لا يجرؤ على التعرض لتلك الدولة الدافعة؛ لأن المسلمين يحمونها، والآن أصبحت أمتنا غريبة، مهانة، ذليلة، مقتولة، مأسورة، منهوبة، مطرودة، مشردة… أصبحت هذه الأمة تحت سيطرة أعدائها يتصرفون بها كيف شاؤوا، ويوجهونها حيثما أرادوا…
- مع أن أراد الله تعالى لما أراد أن يرفع شأنها جعل لها قرآنـًا لا ينتهي أبدا، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رفعه الله في حينه، فإن قرآنـًا بقي لا ينتهي أبدًا حتى قبيل يوم القيامة، حتى يأذن الله برفعه، هناك في القرآن مكتوب أنه أنزل هذا الذكر شرف، وعز، ورفعة للمؤمن: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكرٌ لَكَ وَلِقَومِكَ وَسَوفَ تُسأَلونَ﴾، والذكر أي الشرف، فهذا الذكر وهي آيات القرآن شرف للأمة وإنه لذكرى لك أي: شرف لك وشرف لقومك، كلمة يا معشر العرب تملكون بها العرب، وتدفع لكم العجم الجزية، قالوا قلها وعشرة أمثالها، فلما قال لا إله إلا الله الذي بُعث صلى الله عليه وسلم لأجلها، قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهًا واحِدًا..﴾، فضاعوا، وضلوا، وأضلوا، ونحن إن ضيعنا ما بأيدينا سنضيع كما ضاعوا، وننتهي كما انتهوا…

- وإن أعداء أمتنا قد أدركوا هذا بحق وجد، بأن شقاء الأمة، وذلها، وخورها، وضعفها، ومهناتها، وإهدار كرامتها، وما هي فيه اليوم مما هو غني عن الوصف إنما يكون بقدر بعدها هن دينها، ورفضها منهج ربها، وسنة نبيها، فعملوا جاهدين على فصل الأمة بينها وبين شرفها، بينها وبين دينها، بينها وبين مقدساتها، بينها وبين سبيل رفعتها، فأصبحت في بُعد تام أو أشبه به عن رفعتها وعزتها ومصدر كرامتها عملاً تطبيقا علمًا اهتداء نورا أن يسلك بهم سبيل كل خير، لما ابتعدوا عن كتاب الله أبعدهم الله وأذلهم، وأهانهم… ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾، صدق الله وكذب كل أحد يدعي غير ما قال الله، وأنتم الأعلون بشرط أن تكونوا مؤمنين، إن حافظتم على إيمانكم، وسبيل رفعتكم، وحملتموه في قلوبكم، وعلى ميدان أعمالكم كانت العزة لكم دائمـًا وأبدا كما كانت العزة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرغم أن بينهم وبين جاهليتهم العمياء الصماء البكماء ليس الا سنوات قليلة جداً مع هذا في قرابة خمسة عشر عامـًا فقط…

- وكنموذج هذا عمر رضي الله عنه يتحكم بسواري كسرى، ويوضع بين يديه، ويأتي إليه ولا يذهب هو له، ويوضع على سواري أعظم إمبراطور الدنيا على الأرض، وما أذل، وأحقر، وأتفه الناس اذا خالفوا أمر الله، وما أحقر الناس إذا هانوا على الله: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُكرِمٍ}، من سقط في أوحال ذنوبه ومعاصيه وجرائمه، وابتعد عن كتابه ربه، ومنهج رسوله سلط الله عليه ذلاً لا يرفعه ابدا حتى يعود إلى شرف كان يتمسك به قبل ذلك، وهذا الله يقول، ﴿وَالَّذينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثلِها وَتَرهَقُهُم ذِلَّة}، الذل والهوان عليهم، وهذا حبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول: "جُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي " رواه أحمد وصححه الألباني، ويقول سفيان الثوري: "كَانَ يُقَالُ: مَنْ أَرَادَ عِزًّا بِلا عَشِيرَةٍ، وَهَيْبَةً بِلا سُلْطَانٍ؛ فَلْيَخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَى عِزِّ طَاعَتِهِ "، وفي الحديث الصحيح: "إِذا تبايعتم بالعينة (نوع من الربا)، وأخذتم أَذْنَاب الْبَقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الْجِهَاد؛ سلّط الله عَلَيْكُم ذلاً لَا يَنْزعهُ حَتَّى ترجعوا إِلَى دينكُمْ " وقد روراه أبو داود وصححه الألباني أيضا…

- أما سمعتم قول الله: ﴿الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ أَيَبتَغونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَميعًا﴾، العزة لله وحده، فلما استعز عمر ومن معه بالله، وأخذوا بأمر الله، وصدّقوا شرع الله، واستمسكوا بالوحي المرسل لرسول الله كانت أملاك غير المسلمين تحت أيديهم، وفي غضون سنوات قليلات فقط…

- وهذا خالد رضي الله عنه في اليرموك لما قال له باهان في المعركة وهو قائد الروم آنذاك يا خالد لقد علمنا إنكم أشر أمة على وجه الأرض وإنكم أيضـًا ما علمناكم الا لرعاية الشاه وإنكم لتطلبون مايواري عوراتكم ويشبع بطونكم فإن أردتم ذاك فهو لكم وعشرة أمثاله فعودوا من حيث أتيتم، وإنا سنجعل لكل جندي منكم عشرة دنانير، وغذاء وكساء، وعودوا من حيث أتيتم، فقال خالد في عزة المؤمن المستمسك بما معه من شرف قال: لا ما جئنا لهذا، وقد كنا كما قلت، ولم نعد كذلك، ولكن علمنا أن دماء الروم هي أزكى الدماء، وإنا قومـًا نحب شرب الدماء، وإنا لن نبرح الأرض حتى نستخلص دماءكم ونشربها، ثم إما أن ننتصر وإما أن نموت، فانهزموا قبل أن تبدأ المعركة بعزة مؤمن، وبكلمات امتلكها ذلك المحافظ على قيمه، ومبادئه، ومنهجه، ودينه…﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ﴾، ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾…
- وهذا ربعي بن عامر رضي الله عنه ذلك الرسول من سعد بن أبي وقاص لإمبراطورية أخرى فارس، وقصة خالد كانت مع الروم، أرسله سعد قائد المعركة في القادسية لما طلب رستم من سعد أن يرسل إليه مبعوثـًا يفاوضه قبل أن تبدأ المعركة، فقال سأرسِل إليه ربعي شاب ضعيف متضعف مسكين ذي طمرين لا يملك تلك الابهة والتبجح وهو إنسان أيضـًا ليس من أصحاب رسول الله العتاق بل هو إنسان عادي فأرسله واوصاه بكلمة، قال اذهب إليه ولا تغير من منظرك شيئـًا ابقى عاديـًا كما أنت هنا، فذهب ربعي ببدويته، ولباسه البدوي، وفرسه الهزيل، وهو يهز الأرض برمحه أيضـًا الضعيف، وقد أعد رستم ما يفجعه، ويخوفه من بهرجان كبير، فحاشيته اجتمعت، وخدمه، وحشمه، ووزراؤه، وقصره ومفروشاته، وجماله، لكن ذلك لا يعني شيئـًا لمثل ربعي؛ لأن قلبه امتلأ بنور الإيمان فلا مجال لدخول أي شيء سواه، لأن عنده قول الله: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَّعنا بِهِ أَزواجًا مِنهُم زَهرَةَ الحَياةِ الدُّنيا لِنَفتِنَهُم فيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقى﴾، ﴿كَم تَرَكوا مِن جَنّاتٍ وَعُيونٍ وَزُروعٍ وَمَقامٍ كَريمٍ وَنَعمَةٍ كانوا فيها فاكِهينَ كَذلِكَ وَأَورَثناها قَومًا آخَرينَ فَما بَكَت عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالأَرضُ وَما كانوا مُنظَرينَ﴾…

- فأوروبا بحديدها، وصناعتها، وركامها، وحطامها، وزينتها، أوروبا بقصورها، بشاهقاتها، أوروبا بزخرفاتها، وقوتها، وجيشها، ولعناتها وخبثها، أوروبا بما فيها لا تساوي شيئًا عند من ملك إيمانا كإيمان ربعي، لم ينهر عندما يرى القصور الشاهقات أو الفرش أو أو النساء أو الرجال أو يرى هذا وذاك لم ينهر أبداً بل ظل مستمسكـًا بما معه: ﴿فَاستَمسِك بِالَّذي أوحِيَ إِلَيكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾، لا كما يفعل حمقى اليوم يجن جنونه، وينسى دينه، ويلعن مقدساته، ويطعن في كتاب ربه وسنة نبيه لما يرى أوروبا الخاوية على عروشها، الساقطة في مبادئها، التافهة فيما عندها، ﴿فَما أوتيتُم مِن شَيءٍ فَمَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَما عِندَ اللَّهِ خَيرٌ وَأَبقى لِلَّذينَ آمَنوا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ﴾… ﴿وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيها يَظهَرونَ وَلِبُيوتِهِم أَبوابًا وَسُرُرًا عَلَيها يَتَّكِئونَ وَزُخرُفًا وَإِن كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقينَ﴾… :"لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء".

- فلما دخل ربعي على رستم لم يدخل دخولاً عاديـًا بل يخرق البسط برمحه المسكين الضعيف، وكأنه يقول ما عندكم ليس بشيء، وفوق هذا فإنه لم يكتف بما فعل بل ربط فرسه بجوار كرسي عرش رستم، ثم خاطبه وكلمه وقال له فيما نحفظ جميعـًا: "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ومن جور الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"، من عبادة أمريكا وإسرائيل والأنجاس والملاعين والفسقة والظالمين وغيرهم، جئنا لنخرج هؤلاء جميعـًا من عبادة ذواتهم، من عبادة مماليكهم، من عبادة أربابهم، من عبادة أهوائهم، من عبادة أموالهم وشركاتهم وقصورهم وما يملكون، إلى عبادة رب العباد، بل ومن هذه الدنيا الضيقة، الزائلة، القليلة، التافهة، إلى سعة الدنيا والآخرة، هذا هو الإسلام باختصار شديد، ولقد أرعب ربعي ذلك الرجل الضعيف المعتز ببساطه وقصره، وعاد ربعي رضي الله عنه بعزته وقوته وانتصر المسلمون بعدها، ثم كان ما كان…

- وفي زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، بلغه أن رجلاً من المسلمين أسره الروم، وأرغمه ملك الروم على ترك الإسلام فرفض الرجل، فأدخله السجن، فلما بلغ الخبر إلى الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز قال: "أحضروا إليَّ كاتبي وحامل البريد، ولما حضرا، قال لكاتبه: "اكتب: من أمير المؤمنين، عمر بن عبدالعزيز، إلى ملك الروم، وبعد، لقد بلغني ما فعلتَ بأسيرك فلان، وإني أقسم بالله العظيم، إن لم ترسله من فورك، لأبعثنَّ إليك من الجند، ما يكون أولهم عندك وآخرهم عندي"، ووصلت الرسالة إلى إمبراطور الروم، فأمر في الحال بإحضار الأسير، فأعطاه من المال والهدايا، وأرسله في مجموعة من حرسه الخاص إلى الحدود آمنًا، هكذا كان حال الأمة، لما تمسَّكت بدينها، واعتزت بمبادئها، وحافظت على قيمها، وعملت بأحكام شرعها فعزت ارتفعت وسمت..

- إن العزة للمؤمن ليس لغيره، وإن المؤمن لا عزة له إلا بعزة الله: ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ﴾، فهو واهبها تبارك وتعالى، وهي عزة من عزة الله لا ذل من ذل الآخرين، ومن أراد عزا لا يفنى فلا يستعزنّ بعز يفنى كما يقول ابن عطاء الله السكندري: من أراد أن يعتز دنيا ودين وأخرى فلا يستعز بكافر ولا بفاسق ولا بمجرم ولا بظالم ولا بإولئك الذين ملكوا ما ملكوا ولا يركن لقوتهم ولا لسلطانهم ولا لما معهم؛ لأنه يتلقى كل ذلك من عند ربه جل جلاله والله غالب على أمره… العزة للمؤمن ومن الله يستمدها، بعكس أهل النفاق والزيغ: ﴿الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ أَيَبتَغونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَميعًا﴾، أيطلبونها من غير ربهم، أيستمدونها من غير مالكها، أيطعون هذا وذاك من أجل تقوية سلطانهم، وجبروتهم، ومن أجل سحق أبناء أوطانهم، ومن أجل استئصال دينهم، ومحاربة مقدساتهم، أيبتغون العزة عند الكافر فإن العزة لله جميعا، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

ـ الــخـــطــبة الثانــــية: ↶

ـ الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾…

- المعتصم ذلك الرجل المعتصم حقًا بالله، وفي موقف وحيد له، ذكره التاريخ بالرغم من ملكه العادي لكنه في موقف عمورية وفي ذلك الموقف الرجولي الإسلامي عندم لُطمت امرأة لطمة واحدة من غير مسلم ونادت: "وامعتصماه وامعتصماه" استجارت برجل مسلم، استجارت بسلطان المسلمين، استجارت بملك المسلمين آنذاك ومعتصماه.. فضحكوا عليها وقالوا انتظريه على فرسه الأبلق ليأتيك فيحميك، فلما سمع خبرها ووصل إليه ذلك النبأ أقسم بالله.. لن يغتسل من جنابة أبداً حتى يقتص للمرأة أو يموت، وكان مفتي الجيش انذاك محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة فأمر بتجهيز الجيش، وقال: أعلنوا التوبة، والنفير العام، واكثروا السجود، وجهزوا، وأعدوا عدتكم، فلم يصلوا الجمعة الثانية إلا في عمورية، ولم يكتفوا بإسقاطها بل بحرق قصورها ودب الرعب إلى املاكها آنذاك، ثم أُتي بذلك الكافر اللاطم فطُلب من المرأة أن تلطمه فقالت قد عفوت عنه قد عفوت عنه، لكن بعز لا بذل... وكان ما كان، واليوم كم من صياح، وكم من نواح، وكم من بكاء، وكم من مآس، وكم من حرائق، وكم من قتل، ودمار، وهلاك، وظلم، وسحل، وسحق، وسجون، وظلم، ونهب، وسلب… وكم وكم… ولا معتصم لهم، والمسلم أيضـًا مشغول، مشغول ببطنه، مشغول بفرشه، وقرشه، ولبسه، وأهله، وحوائج نفسه، ولا يتطلع لسواه، ولا يطمح بنصر غيره إلا من رحم الله…

- عندما كنا نملك ما نملك من دين وإيمان وإسلام وقرآن نتحرك على وجه الأرض بما معنا بكل شرف وعز ورفعة، يهابنا الكل، ويخضع لنا الجميع، وأحدثكم عن نموذج أخير في خطبتي هذه من ذلك فهذا هارون الرشيد يخاطب السحابة: امطري حيث شئت؛ فسيأتيني خراجك، لما انتصر على قسطنطين ملك الروم غضب النصارى، وسملوا عينيه، وعذبوه، وطردوه من الملك وولوا أمه بدلاً عنه ريني كانت فولوها ثم انهزمت أيضـًـا، وضعفت فأرسلت الهدايا والجزية... ذليلة صاغرة إلى هارون الرشيد ثم أيضـًا عزلوها ثم ولوا نقفورا وكان نقفوراً كما يُقال مجرم قاتل ظالم غضوب لعين.. لما تولى السلطة أرسل رسالة إلى هارون أن الملكة فلانة قد كانت قبلي من ضعف وقد أرسلت إليك أملاك الروم فردها، وإلا فالحرب بيني وبينك، فقلب الورقة هارون الرشيد، ولم يجعل له ورقة أخرى فيخسر بيت المال، فقلب ورقته بنفسها، وكتب من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم، فالجواب ما ترى لا ما تسمع، والسلام، وختمها وأرسلها، ولم يستفق نقفور إلا بجيوش المسلمين تحت قدمه، فدفع الجزية وأمثال أمثال أمثالها رغمـًا عنه صاغراً ذليلًا لأنه واجه ذلك العزيز بعزة الله…

- وأختم: إنه لا عزة لنا، ولا رفعة، ولا شأن، ولا جاه إلا بأن نأخذ بما أخذوا، ونتمسك بما تمسكوا به، ولن تصلح أمتنا اليوم إلا إذا اخذت بما أخذ به أولئك السابقون، فلنأخذ بما أخذوا لنسعد كما سعدوا… ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾.

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ لقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾…
┈┉┅ ━━❁ ❃ ❁━━ ┅┉┈
❁- روابط لمتابعة الشيخ على منصات التواصل الاجتماعي:
❈- الصفحة العامة فيسبوك:
https://www.facebook.com/Alsoty2
❈- الحساب الخاص فيسبوك:
https://www.facebook.com/Alsoty1
❈- القناة يوتيوب:
https://www.youtube.com//Alsoty1
❈- حساب تويتر:
https://mobile.twitter.com/Alsoty1
❈- المدونة الشخصية:
https://Alsoty1.blogspot.com/
❈- حساب انستقرام:
https://www.instagram.com/alsoty1
❈- حساب سناب شات:
https://www.snapchat.com/add/alsoty1
❈- إيميل:
[email protected]
❈- قناة الفتاوى تليجرام:
http://t.me/ALSoty1438AbdullahRafik
❈- رقم الشيخ وتساب:
https://wa.me/967714256199

61979ea27ccc8

  • 0
  • 0
  • 9

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً