*النصر.حِكَمه.وأسراره.cc* #خطب_مكتوبة 👤للشيخ/عبدالله رفيق السـوطي عضو الاتحاد العالمي لعلماء ...
منذ 2025-05-19
*النصر.حِكَمه.وأسراره.cc*
#خطب_مكتوبة
👤للشيخ/عبدالله رفيق السـوطي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
للاستماع للخطبة اضغط واشترك بقناة الشيخ يوتيوب👇
https://youtu.be/cx5ufvEMzxI?si=iAQblMDZcCho_nYn
*📆 تم إلقاؤها: بمسجد الخير المكلا 25/ جمادى الأولى/1445هـ.*
الخــطبة الأولــى: ↶
ـ إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾، ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
أمــــــا بــــعـــــد:
- ففي وقت الفجر، وقبيل أن يبزغ لا بد أن يشتد الظلام، وتزداد العتمة، ويكون أشد وأعظم ما يكون الليل ظهوراً، وبروزاً، وخوفاً، وفزعـًا؛ ليؤذن بمجيء الفجر الصادق، ليؤذن بأذان الفجر، ليؤذن بالخير، ليؤذن بالصبح، ليؤذن بفرج قريب معه المؤمنون يقبلون على ربهم لأداء فرضهم، إنه عند اشتداد سواده، وعند عتمته يأتي ذلك الخير، ويأتي ذلك الحق "الفجر"…
- ومن رحم المعاناة دائمًا وأبدًا يولد الألم والأمل، وتولد الجراحات أيضًا، وتأتي الغارات، لكن كل هذه البلاءات زائلة، وكل هذه البلاءات منتهية، وكل هذه البلاءات ذاهبة كما ذهب الليل وأتى الصبح، وما هي لرفع الدرجات، وامتحان الإيمان في نفوس المؤمنين والمؤمنات: ﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾، وهم الصحابة رضوان الله عليهم ومع هذا قال: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾، بل: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾ والرسول هو النبي المؤيد من السماء، الناطق له جبريل عليه السلام، ومع هذا بدأ الله به، إنه تمحيص شديد للمؤمنين ومحق كبير للكافرين: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾…
- متى نصر الله، إن النصر سينزل عندما يزداد الكرب، ويعظم الظلم، ويكثر الجور، وتعم المأساة، ويشتد الأمر، وتضيق الحناجر ذرعًا، وهنا يقترب الظالم من امتلاء كأسه وبالتالي يأخذه الله تعالى على حين غرة منه:﴿وَكَأَيِّن مِن قَريَةٍ أَملَيتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذتُها وَإِلَيَّ المَصيرُ﴾، ﴿فَكَأَيِّن مِن قَريَةٍ أَهلَكناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها وَبِئرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصرٍ مَشيدٍ﴾، فقد عودنا الله ذلك دائمًا وأبدًا، وعودنا الله في كتابه، وعود أنبياءه، وعود رسله، وعود أولياءه، ووعدهم ايضًا ﴿إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ يَقومُ الأَشهادُ﴾ فهم دائمًا منصورون، وغيرهم مهزومون، مهما كانوا، وأي قوة ملكوا: ﴿استَعينوا بِاللَّهِ وَاصبِروا إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾…
- العاقبة للمؤمن مهما طال، وعظُم الخطب، واشتد الكرب، إنه موعود الله له، وإن مكروا، وإن حاقوا، وإن فعلوا ما فعلوا، وإن خططوا ما خططوا، وإن شردوا، ودمروا فإن الله تبارك وتعالى قد قال في كتابه الكريم: ﴿وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾، أولسنا نقرأ في كتاب الله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدونَني لا يُشرِكونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ﴾، أو ليسنا نؤمن بقول الله: ﴿وَقَد مَكَروا مَكرَهُم وَعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وَإِن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ مِنهُ الجِبالُ﴾، أو ليس بين أيدينا كتاب الله: ﴿فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ مَكرِهِم أَنّا دَمَّرناهُم وَقَومَهُم أَجمَعينَ فَتِلكَ بُيوتُهُم خاوِيَةً بِما ظَلَموا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعلَمونَ وَأَنجَينَا الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ﴾، ألا فثقوا بموعود الله: ﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنهُم ما كانوا يَحذَرونَ﴾، واتقوا الله واصبروا تنالوا وعد الله: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ﴾، ﴿ثُمَّ نُنَجّي رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَينا نُنجِ المُؤمِنينَ﴾، ﴿فَانتَقَمنا مِنَ الَّذينَ أَجرَموا وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنينَ﴾ ، ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾، ﴿فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾.
- يوسف ذلك الطفل المسكين، ذلك الصغير الذي لا يملك أحدًا، ولا يعرف في البئر صديقًا ولا قريبًا، ولا يجد أنيسًا ولا جليسًا، ذلك الطفل المفجوع، ذلك الطفل المرمي الذي موته أقرب من حياته، ومع هذا قال الله له وهو في البئر {لتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمرِهِم هذا وَهُم لا يَشعُرونَ﴾ لتخبرنهم، لتحدثنهم، وتقصن لهؤلاء أين كنت، وماذا فعلت، وأين وصلت، وذلك عندما يأتونك فقراء، ضعفاء، يعطون أملاكهم وأموالهم رخيصة من أجل بطونهم، وأنت العزيز عليهم، وهم الأذلة، هم من باعوك، وفعلوا ما فعلوا بك… فوقت الظلام، ووقت الشدة، ووقت الألم يأتي الفرج…
- وإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد وعدنا بذلك حقًا وبينه لنا جليا، فقال عليه الصلاة والسلام: "وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا"، والله يقول في كتابه الكريم: ﴿بَلى إِن تَصبِروا وَتَتَّقوا وَيَأتوكُم مِن فَورِهِم هذا يُمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ﴾ بلى إن تصبروا فشرط الله الصبر والتقوى على المؤمنين حتى يأتي النصر المبين، شرط الله الاحتساب، والصمود، والثبات، والرباط، والجهاد، والبقاء على الثغور إلى أن يأتي الله الصبور، ويأتي نصره العزيز، والله تبارك وتعالى إذا هزم، وإذا خاصم، وإذا عادى، وإذا حارب فلا أحد يواجهه أبدا، ولا يستطع أحد أن يقف أمامه، وأن يصمد في طريقه: ﴿فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ مَكرِهِم أَنّا دَمَّرناهُم وَقَومَهُم أَجمَعينَ فَتِلكَ بُيوتُهُم خاوِيَةً بِما ظَلَموا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعلَمونَ وَأَنجَينَا الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ﴾.
- وهذا إبراهيم عليه السلام يأتي وحده ليقاتل جيشًا عرمرما بقيادة النمرود، ويقول له النمرود يا إبراهيم في يوم كذا على ساحة كذا فأتني بجنودك وربك معك، وسأقاتلنك ولأضربن عنقك، فأتى إبراهيم وحده، لكن كان أمة من دون الناس، ﴿إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً﴾، فلما رآه النمرود يأتي وحده قال يا إبراهيم: أتيت وحدك، تستهزئ بي، تسخر بي وجنودي وقد أتيتك بآلاف مؤلفة، فقال إبراهيم: ومعي أمثالهم، ومعي أكثر منهم، ومعي أعظم منهم، ومعي أفضل منهم، ومعي أقوى منهم، معي الله الذي لا إله إلا هو، فلما بدأ النمرود ليرسل جنوده على إبراهيم إذا بأضعف جندي يرسله الله وهو البعوض ليهلكهم واحدًا واحدًا حتى يردهم كأنهم هيكل عظمي لا لحم عليهم، والنمرود يعذب أشد مما عُذبوا ليدخل البعوض الذي أرسل عليهم في رأسه وفي دماغه فلا يهدأ إلا بضربه بالأحذية حتى يموت على هذه الذلة والمسكنة ليجعله الله للعالمين عبرة…
- فأين النمرود وجنوده وقوته وقد قال: {أَنا أُحْيِي وأُميِت}، وأين فرعون وجنوده، وقد قال: ﴿أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى﴾، أين عاد، وثمود، وقوم لوط…:﴿وَقَومَ نوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغرَقناهُم وَجَعَلناهُم لِلنّاسِ آيَةً وَأَعتَدنا لِلظّالِمينَ عَذابًا أَليمًا وَعادًا وَثَمودَ وَأَصحابَ الرَّسِّ وَقُرونًا بَينَ ذلِكَ كَثيرًا وَكُلًّا ضَرَبنا لَهُ الأَمثالَ وَكُلًّا تَبَّرنا تَتبيرًا﴾، ﴿فَكُلًّا أَخَذنا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ﴾،
- أين ماشطة بنت فرعون تلك التي اختلس عظمها، ولحمها، وشحمها وأبناؤها قبلها في زيت أغلاه فرعون لها لأنها قالت: "ربي الله"، لم تزد عليها، ولم يقل قائل آنذاك أين الله لينقذها، وأين نصر الله ليأتيها؛ لأنه لم يكن من ينطق الله هناك، ولم يكن يتحدث أحد عن الله، إن تلك المرأة شم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج رائحة عطرها، والمسك الذي يفوح منها في الجنة شمها، وينزل ليحدثنا عنها عليه الصلاة والسلام…
- أما فرعون فإنه عبرة للعالمين وإن جنوده قد ذهبوا، وغرقوا وانتهى بهم المطاف إلى النار ﴿مِمّا خَطيئَاتِهِم أُغرِقوا فَأُدخِلوا نارًا فَلَم يَجِدوا لَهُم مِن دونِ اللَّهِ أَنصارًا﴾ لا فرعون لينصرهم، ولا أسلحة لتحميهم، ولا أمم متحدة لتدافع عنهم، ولا أمريكا لتمدهم بأسلحتها وطائراتها، ولا بريطانيا لتأتي بجنودها وأموالها، ولا بالاتحاد الأوروبي ليضخ إيرادته إليهم، ولا العملاء والخونة، ولا أي شيء من هذا أبدا، بل الله جل جلاله هو الذي سيطر على كل شيء؛ فالبحر أمامهم، وفرعون خلفهم يطاردهم، وهم يقولون إنا لمدركون: ﴿قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾…
- إنها كلمة الرسل الأولى إن الله معنا، فعندما ينزل الظلام، وعندما تشتد العتمة، وعندما يأتي الكرب، ويزداد الخطب، وعندما يكون ذلك الظلم والفجور والجور والسحق والإبادة والمحرقة بكلها يقول المؤمنون: إن الله معنا كما قالها نبينا صلى الله عليه وسلم إن الله معنا: ﴿إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾، ونحن اليوم أحوج ما نحتاج إلى استغاثة بالله، إلى عودة إلى الله، إلى رجوع إلى الله، إلى نداء يا الله، إلى أن الله معنا، إلى هذه الكلمة المدوية التي نحارب بها الدنيا ونحارب بها الكفار أجمعين، نحاربهم بها ونحيا عليها ونموت من أجلها، وإننا لنبعث على قولها إن شاء الله: ﴿لَيسَ لَها مِن دونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ﴾.
- إن الناظر لأحداث الأمة عامة، ولأحداث غزة على أخص الخصوص ليقول بملئ فيه: أين الله، أين نصر الله، أين جند الله، متى يأتي فرج الله، متى يأتي ذلك التدخل الرباني، والإرادة الإلهية متى نصر الله؟ السؤال الكبير والأبرز وهو لا يعلم أن ﴿لِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ﴾، والحكمة الكبيرة لا نعرف ما وراءها، ولا ما بطن منها: ﴿فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾، ولا ما يدور عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وفي حكمته، وفي قضائه، وقدره، ولو رأى ذلك الطفل الصغير والده في غرفة العمليات بينما الطبيب يقطع أوصاله لعملية جراحية، فيراه والدماء مضرجة على أيدي الطبيب، والمشرط على يديه، وهو يقطع كيف يشاء، ويفعل ما يشاء، وفوق هذا بكل برودة، وبكل اقتدار، وبكل امتهار، ولا أحد يكف عنه بل يساعدونه، لقال هذا قاتل أبي، وهذا مدمر والدي، وهذا فاعل وهذا صانع واتهمه بكل التهم؛ لأنه صغير لا يدرك ماذا يفعل الحكيم وهو الطبيب فإذا كان هذه حكمة طبيب بسيط لا يعلم شيئًا إلا ما علمه الله، فماذا عن حكمة الله جل وعلا ولله المثل الأعلى…
- فنحن كذلك أمام البلاء، وأمام الهزائم التي نظن أنها هزائم وليست كذلك، وأمام المحارق، وأمام الدمار، وأمام الفجور والظلم والجبروت، وأمام الطغيان والانتقام، لكن الله تبارك وتعالى في السماء يدبرها، في السماء يديرها، في السماء يخطط لها، في السماء يعرف حكمتها، الله جل جلاله هو أعلم وأخبر وأحكم وأعرف منا جميعًا بلا ريب وبلا شك، والتسليم واجب واجب على كل مسلم، والشك في قدر الله، والشك في حكمة الله، والشك في أمر الله، يجب أن يراجع المسلم إيمانه؛ فإن الله عز وجل إنما ينزل نصره وفرجه، وإنما يستجيب للعبد دعاءه في وقته، وفي مكانه، وزمانه الذي يختاره الحكيم جل جلاله، لا في الوقت الذي نختار، قد ربما إنسان في مرض ما ينادي ويتضرع ويدعو ويلجأ إلى الله ومع هذا لا يرى شيئًا من نتيجة لكن النتيجة عند الله هو الذي يقدر الوقت الذي يجيبك، وهو يقدر المكان الذي يجيبك فيه، وهو يقدر كل شيء تبارك وتعالى، فلا نتدخل في إرادته، ولا في حكمته، ولا في أمره، ولا في قضائه بل نحن نسلم لأمره جل وعلا…
- إن المرأة المسكينة التي تحمل جنينها لتسعة أشهر من أول ليلة إلى آخر ليلة تعاني وهي تقاسي وهي تتألم كل هذه الأشهر ثم يكون الألم الأعظم والألم الأكبر الذي ينزل عليها كالموت بل تنتظر الموت، حتى من شدة ما تقاسي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم شهيدة إن ماتت بسبب وضعها لحملها فعند مجيء الفرج يأتي شديد الألم وتأتي الجراحات وتأتي المأساة لأنها تخرج طفلاً للدنيا ليزيد شيئًا عن الدنيا من فكرة من أمل من عمل من مال من طاعة من عبادة فبزغ الفجر بخروج ذلك الفجر، بخروج ذلك الطفل الصغير، وانتهت الآلام، وتولت، وإن بقيت شيء من آلامها فدماء لا غير يسيرة لأيام ثم تنقطع فكذلك هي آثار الحروب لابد منها وآثار الألم وخروج الجنين لابد منه فإذا كان هذا ألم لأجل طفل واحد خرج للدنيا فكيف وهي أمة أخرجتها غزة من موت محقق، ومن مرض مجهد، ومن ألم دائم، ومن تخدير كبير، ومن إرادة لإسحاقها وإسكاتها إلى أمة تقاوم الدنيا، وأمم الأرض أجمعين، أعادت فينا روح الجهاد والاستبال في جذورها، وأعادت قضية فلسطين إلى أعماقها…
- أين قضية فلسطين قبل معركة طوفان الأقصى المجيدة التي تدخل التاريخ كأعظم معركة خاضها المسلمون في القرن الأخير على الإطلاق، أين قضية فلسطين قبل ذلك أكان المسلمون يتحركون من أجلها، أكانوا يتحدثون عنها، أكانوا يعرفون عمالات الداخل والخارج، أكانوا يدينون تلك الاجتماعات التي تدور من تحت الطاولة وفي الأروقة المغلقة ومع هذا لا يسمعها أحد، واجتماعات كبيرة تديرها واشنطن وتديرها روسيا وتديرها هذه وتلك لأجل ما يسمونه بأمن إسرائيل وتمكينها في المنطقة، وضمان التطبيع، وتكون كأي دولة عربية لا فرق بين مسلم في أرضه ويهودي محتل غاصب قاتل مجرم سفاح… لكن جاء طوفان الأقصى فطاف على الكل جميعًا بدون استثناء وأخرج من الأمة ذلك المولود للدنيا الجهاد، والنخوة، وفلسطين، والأقصى، وإخراج الاحتلال من أرضنا، وتمريغ أوهام الجيش الذي لا يقهر، والموساد الأقوى، والدولة العظمى، والنفاق العالمي الظالم، والعملاء الخونة…
- أين غزة قبل سبعة عشر عامًا وهي محاصرة، وهي مظلومة، وهي مقتولة، وهي مأسورة، وهي مدانة، وهي إرهابية، أين كان العالم قبل طوفان الأقصى، أين كانت تلك الكلمات المدوية على أنه الجيش الذي لا يقهر في الدنيا هو جيش الاحتلال، أين كانت تلك الكلمات الرنانة على أن الموساد الاسرائيلي هو أقوى على وجه الارض، أين كانت تلك البطولات التي تصنع، أين كانت تلك الأراجيف التي تحكى، أين كان ذلك بكله، لقد انتهت في يوم واحد بل في بضع دقائق قال أحد قادة المقاومة لو علمنا على أن العدو سينهار أمام اعيننا هكذا لأعددنا جيشًا أكبر منه، ووالله ما أشرقت شمس السابع من أكتوبر إلا ونحن في الأقصى لكن ما كانوا يظنون على أن الأمر كذلك لكنها حكمة الله البالغة ولله الحجة البالغة {فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾…
- شهداؤنا في الجنة ينعمون وأولئك في النار يعذبون، وفي الدنيا يتألمون، وفي يوم من أيام سيخرجون من أرضنا أذلة صاغرين، أين المستعمرون؟ اين بريطانيا في ليبيا؟ أين فرنسا في الجزائر؟ أين بريطانيا في اليمن، أين بريطانيا في مصر، أين الاستعمار من كل الدنيا؟ لقد رحل وانتهى بما فيه ونحتفل في الثلاثين من نوفمبر بخروج آخر بريطاني من على أراضي اليمن، وهكذا ستحتفل الدنيا وتدوي الأرض بخروج آخر مستعمر لأرضنا، ولقدسنا، ولمقدساتنا، ولمسرى نبينا…
- فى يوم من الأيام سنهزمهم جميعًا {إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ...﴾، في يوم من الأيام سنأتي ونقطع التذاكر للذهاب إلى بيت المقدس لنصلي، في يوم من الأيام سنعتكف هناك، سنزاحم على الصف الأول، سنؤذن فيه، سنختطب، سنرفع راية المقاومة على قبة الصخرة، سنكرم قادة المقاومة على منبر الأقصى، سنحتفل بالنصر في باحات المسجد الأقصى، سنداوي الدنيا، سنعيد كرامتنا، سننهي مأساة إخواننا، سنزيل الذل من على أمتنا، سنتأثر لشهدائنا، سنخرج أسرانا، في يوم من الأيام سيأتي النصر لكن عندما يريد الله تبارك وتعالى وله الأمر وله الحجة البالغة وله القضاء الذي لا يرد، ووالله لو أن الله فتح لنا باب قضائه وقدره لما اخترنا إلا اختياره ولما أردنا إلا ما أراد جل جله لكننا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنكم قوم تستعجلون، أقول قولي هذا وأستغفر الله…
الــخـــطــبة الثانــــية: ↶
ـ الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾…
- أيها الإخوة مفهوم لابد أن نصححه، لا بد أن نستبدله بغيره، أن انتقام الظالم ليس بالضرورة أن تكون عاجلة، وليس بالضرورة أن تكون لحظية، ولو كان الأمر كذلك لانتهى ذلك الاختبار والابتلاء للمؤمنين، ولظهر لنا ما يسميهم العلماء بعباد النتائج، انا اعبده لأنه ينصر المؤمنين، وليس لأني على الحق، الحق ليس بالضرورة أن يكون له النصر وله الغلبة دائمًا وابدا، اذا كان كذلك فقد انهزم الصحابة في يوم أحد وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حنين أيضا، وأتاهم جيش في الأحزاب، وكانت غطفان وغيرهم يعدون لهم العدة، وقُتل سبعون منهم في بئر معونة، فالنصر ليس بالضرورة أن يكون عاجلاً، والانتقام ليس بالضرورة أن يكون لحظيا، والزلزلة التي تأتي للكافر والمعربد والمجرم قادمة، لكت ليس بالضرورة أن تكون الآن واللحظة فهذا فرعون مكث سنوات طويل، .ثم جاءت النقمة من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا أبو جهل، وهذا أبو لهب، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط… وهؤلاء جميعًا انتهوا وبادوا وذهبوا، بل أين النمرود، وأين عاد وثمود، وأين أولئك جميعا لقد انتهى أمرهم في يوم واحد، وفي لحظة واحدة بإرادة الله تبارك وتعالى وإن مكثوا ما مكثوا، هذا نوح عليه السلام تعمر ألف سنة إلا خمسين عاما ﴿قالَ رَبِّ إِنّي دَعَوتُ قَومي لَيلًا وَنَهارًا فَلَم يَزِدهُم دُعائي إِلّا فِرارًا وَإِنّي كُلَّما دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلوا أَصابِعَهُم في آذانِهِم وَاستَغشَوا ثِيابَهُم وَأَصَرّوا وَاستَكبَرُوا استِكبارًا ثُمَّ إِنّي أَعلَنتُ لَهُم وَأَسرَرتُ لَهُم إِسرارًا﴾ ثم جاء الفرج من رب العالمين سبحانه وتعالى، واتى الطوفان أولئك الكفار ويخرج المؤمنين الأبرار، فكذلك النصر قد يتأخر وليس بالضرورة أن يأتي النصر حتى في الدنيا فهؤلاء هؤلاء أصحاب الأخدود احرقوا وانتهوا وأبيدوا بل قائدهم وإمامهم ورئيسهم وزعيمهم هو الذي علّم ذلك الكافر عن كيف يقتله؟ أين يدخل سهمه فيه إنه يعلم ان النتيجة هي قول الله في سورة البروج: {ذلك الفوز الكبير}، الفوز الكبير ليس في الدنيا، الفوز الكبير في الجنة، والانتقام الأعظم في الآخرة، أولئك نزفهم شهداء، وقنابلهم هدايا، وطلقاتهم وكل شيء فيهم نعدها هدايا ربانية لأولئك الشهداء وان كنا نرى على أنهم مظلومون لكنهم عند الله أحياء: ﴿وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمواتًا بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يَلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم أَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ يَستَبشِرونَ بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُؤمِنينَ﴾.
- فاأيها الإخوة يجب أن نصحح هذا المفهوم فهناك في الآخرة يكون الجزاء الأكبر ويكون العقاب الأعظم ايضا، وليس بالضرورة في الدنيا وفقط، فإذا لم نر للظالم عقابًا عاجلا فسيكون آجلا، إن لم نره نحن ستراه الأجيال القادمة، فضلا عن أن عقابه في الآخرة أكبر وأشد: ﴿وَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ مُهطِعينَ مُقنِعي رُءوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ﴾، وما يؤخره تبارك وتعالى الا لحكمة يريدها: ﴿وَما نُؤَخِّرُهُ إِلّا لِأَجَلٍ مَعدودٍ﴾، ﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًا وَأَكيدُ كَيدًا فَمَهِّلِ الكافِرينَ أَمهِلهُم رُوَيدًا﴾، صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾.
┈┉┅ ━━❁ ❃ ❁━━ ┅┉┈
❁- روابط لمتابعة الشيخ على منصات التواصل الاجتماعي:
*❈- الحساب الخاص فيسبوك:*
https://www.facebook.com/Alsoty1
*❈- القناة يوتيوب:*
https://www.youtube.com//Alsoty1
*❈- حساب تويتر:*
https://mobile.twitter.com/Alsoty1
*❈- المدونة الشخصية:*
https://Alsoty1.blogspot.com/
*❈- حساب انستقرام:*
https://www.instagram.com/alsoty1
*❈- حساب سناب شات:*
https://www.snapchat.com/add/alsoty1
*❈- حساب تيك توك:*
http://tiktok.com/@Alsoty1
*❈- إيميل:*
[email protected]
*❈- قناة الفتاوى تليجرام:*
http://t.me/ALSoty1438AbdullahRafik
*❈- رقم وتساب:*
https://wsend.co/967967714256199
https://wa.me/967714256199
*❈- الصفحة العامة فيسبوك:*
https://www.facebook.com/Alsoty2
*❈- الموقع الإلكتروني:*
https://www.alsoty1.org/
*❈- رابط كل كتب الشيخ في مكتبة نور:*
https://www.noor-book.com/u/عبدالله-رفيق-السوطي-العمراني-اليمني/books
*❈- رابط قناة الشيخ على وتساب:*
https://whatsapp.com/channel/0029Va8n0MlAojYrNgT80m2A
#خطب_مكتوبة
👤للشيخ/عبدالله رفيق السـوطي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
للاستماع للخطبة اضغط واشترك بقناة الشيخ يوتيوب👇
https://youtu.be/cx5ufvEMzxI?si=iAQblMDZcCho_nYn
*📆 تم إلقاؤها: بمسجد الخير المكلا 25/ جمادى الأولى/1445هـ.*
الخــطبة الأولــى: ↶
ـ إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾، ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
أمــــــا بــــعـــــد:
- ففي وقت الفجر، وقبيل أن يبزغ لا بد أن يشتد الظلام، وتزداد العتمة، ويكون أشد وأعظم ما يكون الليل ظهوراً، وبروزاً، وخوفاً، وفزعـًا؛ ليؤذن بمجيء الفجر الصادق، ليؤذن بأذان الفجر، ليؤذن بالخير، ليؤذن بالصبح، ليؤذن بفرج قريب معه المؤمنون يقبلون على ربهم لأداء فرضهم، إنه عند اشتداد سواده، وعند عتمته يأتي ذلك الخير، ويأتي ذلك الحق "الفجر"…
- ومن رحم المعاناة دائمًا وأبدًا يولد الألم والأمل، وتولد الجراحات أيضًا، وتأتي الغارات، لكن كل هذه البلاءات زائلة، وكل هذه البلاءات منتهية، وكل هذه البلاءات ذاهبة كما ذهب الليل وأتى الصبح، وما هي لرفع الدرجات، وامتحان الإيمان في نفوس المؤمنين والمؤمنات: ﴿إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ﴾، وهم الصحابة رضوان الله عليهم ومع هذا قال: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾، بل: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾ والرسول هو النبي المؤيد من السماء، الناطق له جبريل عليه السلام، ومع هذا بدأ الله به، إنه تمحيص شديد للمؤمنين ومحق كبير للكافرين: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصّابِرينَ﴾…
- متى نصر الله، إن النصر سينزل عندما يزداد الكرب، ويعظم الظلم، ويكثر الجور، وتعم المأساة، ويشتد الأمر، وتضيق الحناجر ذرعًا، وهنا يقترب الظالم من امتلاء كأسه وبالتالي يأخذه الله تعالى على حين غرة منه:﴿وَكَأَيِّن مِن قَريَةٍ أَملَيتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذتُها وَإِلَيَّ المَصيرُ﴾، ﴿فَكَأَيِّن مِن قَريَةٍ أَهلَكناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها وَبِئرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصرٍ مَشيدٍ﴾، فقد عودنا الله ذلك دائمًا وأبدًا، وعودنا الله في كتابه، وعود أنبياءه، وعود رسله، وعود أولياءه، ووعدهم ايضًا ﴿إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ يَقومُ الأَشهادُ﴾ فهم دائمًا منصورون، وغيرهم مهزومون، مهما كانوا، وأي قوة ملكوا: ﴿استَعينوا بِاللَّهِ وَاصبِروا إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾…
- العاقبة للمؤمن مهما طال، وعظُم الخطب، واشتد الكرب، إنه موعود الله له، وإن مكروا، وإن حاقوا، وإن فعلوا ما فعلوا، وإن خططوا ما خططوا، وإن شردوا، ودمروا فإن الله تبارك وتعالى قد قال في كتابه الكريم: ﴿وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ﴾، أولسنا نقرأ في كتاب الله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دينَهُمُ الَّذِي ارتَضى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدونَني لا يُشرِكونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقونَ﴾، أو ليسنا نؤمن بقول الله: ﴿وَقَد مَكَروا مَكرَهُم وَعِندَ اللَّهِ مَكرُهُم وَإِن كانَ مَكرُهُم لِتَزولَ مِنهُ الجِبالُ﴾، أو ليس بين أيدينا كتاب الله: ﴿فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ مَكرِهِم أَنّا دَمَّرناهُم وَقَومَهُم أَجمَعينَ فَتِلكَ بُيوتُهُم خاوِيَةً بِما ظَلَموا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعلَمونَ وَأَنجَينَا الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ﴾، ألا فثقوا بموعود الله: ﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنهُم ما كانوا يَحذَرونَ﴾، واتقوا الله واصبروا تنالوا وعد الله: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ﴾، ﴿ثُمَّ نُنَجّي رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَينا نُنجِ المُؤمِنينَ﴾، ﴿فَانتَقَمنا مِنَ الَّذينَ أَجرَموا وَكانَ حَقًّا عَلَينا نَصرُ المُؤمِنينَ﴾ ، ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾، ﴿فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفونَ﴾.
- يوسف ذلك الطفل المسكين، ذلك الصغير الذي لا يملك أحدًا، ولا يعرف في البئر صديقًا ولا قريبًا، ولا يجد أنيسًا ولا جليسًا، ذلك الطفل المفجوع، ذلك الطفل المرمي الذي موته أقرب من حياته، ومع هذا قال الله له وهو في البئر {لتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمرِهِم هذا وَهُم لا يَشعُرونَ﴾ لتخبرنهم، لتحدثنهم، وتقصن لهؤلاء أين كنت، وماذا فعلت، وأين وصلت، وذلك عندما يأتونك فقراء، ضعفاء، يعطون أملاكهم وأموالهم رخيصة من أجل بطونهم، وأنت العزيز عليهم، وهم الأذلة، هم من باعوك، وفعلوا ما فعلوا بك… فوقت الظلام، ووقت الشدة، ووقت الألم يأتي الفرج…
- وإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد وعدنا بذلك حقًا وبينه لنا جليا، فقال عليه الصلاة والسلام: "وإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا"، والله يقول في كتابه الكريم: ﴿بَلى إِن تَصبِروا وَتَتَّقوا وَيَأتوكُم مِن فَورِهِم هذا يُمدِدكُم رَبُّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمينَ﴾ بلى إن تصبروا فشرط الله الصبر والتقوى على المؤمنين حتى يأتي النصر المبين، شرط الله الاحتساب، والصمود، والثبات، والرباط، والجهاد، والبقاء على الثغور إلى أن يأتي الله الصبور، ويأتي نصره العزيز، والله تبارك وتعالى إذا هزم، وإذا خاصم، وإذا عادى، وإذا حارب فلا أحد يواجهه أبدا، ولا يستطع أحد أن يقف أمامه، وأن يصمد في طريقه: ﴿فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ مَكرِهِم أَنّا دَمَّرناهُم وَقَومَهُم أَجمَعينَ فَتِلكَ بُيوتُهُم خاوِيَةً بِما ظَلَموا إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَعلَمونَ وَأَنجَينَا الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ﴾.
- وهذا إبراهيم عليه السلام يأتي وحده ليقاتل جيشًا عرمرما بقيادة النمرود، ويقول له النمرود يا إبراهيم في يوم كذا على ساحة كذا فأتني بجنودك وربك معك، وسأقاتلنك ولأضربن عنقك، فأتى إبراهيم وحده، لكن كان أمة من دون الناس، ﴿إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً﴾، فلما رآه النمرود يأتي وحده قال يا إبراهيم: أتيت وحدك، تستهزئ بي، تسخر بي وجنودي وقد أتيتك بآلاف مؤلفة، فقال إبراهيم: ومعي أمثالهم، ومعي أكثر منهم، ومعي أعظم منهم، ومعي أفضل منهم، ومعي أقوى منهم، معي الله الذي لا إله إلا هو، فلما بدأ النمرود ليرسل جنوده على إبراهيم إذا بأضعف جندي يرسله الله وهو البعوض ليهلكهم واحدًا واحدًا حتى يردهم كأنهم هيكل عظمي لا لحم عليهم، والنمرود يعذب أشد مما عُذبوا ليدخل البعوض الذي أرسل عليهم في رأسه وفي دماغه فلا يهدأ إلا بضربه بالأحذية حتى يموت على هذه الذلة والمسكنة ليجعله الله للعالمين عبرة…
- فأين النمرود وجنوده وقوته وقد قال: {أَنا أُحْيِي وأُميِت}، وأين فرعون وجنوده، وقد قال: ﴿أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى﴾، أين عاد، وثمود، وقوم لوط…:﴿وَقَومَ نوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغرَقناهُم وَجَعَلناهُم لِلنّاسِ آيَةً وَأَعتَدنا لِلظّالِمينَ عَذابًا أَليمًا وَعادًا وَثَمودَ وَأَصحابَ الرَّسِّ وَقُرونًا بَينَ ذلِكَ كَثيرًا وَكُلًّا ضَرَبنا لَهُ الأَمثالَ وَكُلًّا تَبَّرنا تَتبيرًا﴾، ﴿فَكُلًّا أَخَذنا بِذَنبِهِ فَمِنهُم مَن أَرسَلنا عَلَيهِ حاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلكِن كانوا أَنفُسَهُم يَظلِمونَ﴾،
- أين ماشطة بنت فرعون تلك التي اختلس عظمها، ولحمها، وشحمها وأبناؤها قبلها في زيت أغلاه فرعون لها لأنها قالت: "ربي الله"، لم تزد عليها، ولم يقل قائل آنذاك أين الله لينقذها، وأين نصر الله ليأتيها؛ لأنه لم يكن من ينطق الله هناك، ولم يكن يتحدث أحد عن الله، إن تلك المرأة شم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج رائحة عطرها، والمسك الذي يفوح منها في الجنة شمها، وينزل ليحدثنا عنها عليه الصلاة والسلام…
- أما فرعون فإنه عبرة للعالمين وإن جنوده قد ذهبوا، وغرقوا وانتهى بهم المطاف إلى النار ﴿مِمّا خَطيئَاتِهِم أُغرِقوا فَأُدخِلوا نارًا فَلَم يَجِدوا لَهُم مِن دونِ اللَّهِ أَنصارًا﴾ لا فرعون لينصرهم، ولا أسلحة لتحميهم، ولا أمم متحدة لتدافع عنهم، ولا أمريكا لتمدهم بأسلحتها وطائراتها، ولا بريطانيا لتأتي بجنودها وأموالها، ولا بالاتحاد الأوروبي ليضخ إيرادته إليهم، ولا العملاء والخونة، ولا أي شيء من هذا أبدا، بل الله جل جلاله هو الذي سيطر على كل شيء؛ فالبحر أمامهم، وفرعون خلفهم يطاردهم، وهم يقولون إنا لمدركون: ﴿قالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبّي سَيَهدينِ﴾…
- إنها كلمة الرسل الأولى إن الله معنا، فعندما ينزل الظلام، وعندما تشتد العتمة، وعندما يأتي الكرب، ويزداد الخطب، وعندما يكون ذلك الظلم والفجور والجور والسحق والإبادة والمحرقة بكلها يقول المؤمنون: إن الله معنا كما قالها نبينا صلى الله عليه وسلم إن الله معنا: ﴿إِلّا تَنصُروهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنودٍ لَم تَرَوها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا وَاللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾، ونحن اليوم أحوج ما نحتاج إلى استغاثة بالله، إلى عودة إلى الله، إلى رجوع إلى الله، إلى نداء يا الله، إلى أن الله معنا، إلى هذه الكلمة المدوية التي نحارب بها الدنيا ونحارب بها الكفار أجمعين، نحاربهم بها ونحيا عليها ونموت من أجلها، وإننا لنبعث على قولها إن شاء الله: ﴿لَيسَ لَها مِن دونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ﴾.
- إن الناظر لأحداث الأمة عامة، ولأحداث غزة على أخص الخصوص ليقول بملئ فيه: أين الله، أين نصر الله، أين جند الله، متى يأتي فرج الله، متى يأتي ذلك التدخل الرباني، والإرادة الإلهية متى نصر الله؟ السؤال الكبير والأبرز وهو لا يعلم أن ﴿لِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ﴾، والحكمة الكبيرة لا نعرف ما وراءها، ولا ما بطن منها: ﴿فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾، ولا ما يدور عند رب العالمين سبحانه وتعالى، وفي حكمته، وفي قضائه، وقدره، ولو رأى ذلك الطفل الصغير والده في غرفة العمليات بينما الطبيب يقطع أوصاله لعملية جراحية، فيراه والدماء مضرجة على أيدي الطبيب، والمشرط على يديه، وهو يقطع كيف يشاء، ويفعل ما يشاء، وفوق هذا بكل برودة، وبكل اقتدار، وبكل امتهار، ولا أحد يكف عنه بل يساعدونه، لقال هذا قاتل أبي، وهذا مدمر والدي، وهذا فاعل وهذا صانع واتهمه بكل التهم؛ لأنه صغير لا يدرك ماذا يفعل الحكيم وهو الطبيب فإذا كان هذه حكمة طبيب بسيط لا يعلم شيئًا إلا ما علمه الله، فماذا عن حكمة الله جل وعلا ولله المثل الأعلى…
- فنحن كذلك أمام البلاء، وأمام الهزائم التي نظن أنها هزائم وليست كذلك، وأمام المحارق، وأمام الدمار، وأمام الفجور والظلم والجبروت، وأمام الطغيان والانتقام، لكن الله تبارك وتعالى في السماء يدبرها، في السماء يديرها، في السماء يخطط لها، في السماء يعرف حكمتها، الله جل جلاله هو أعلم وأخبر وأحكم وأعرف منا جميعًا بلا ريب وبلا شك، والتسليم واجب واجب على كل مسلم، والشك في قدر الله، والشك في حكمة الله، والشك في أمر الله، يجب أن يراجع المسلم إيمانه؛ فإن الله عز وجل إنما ينزل نصره وفرجه، وإنما يستجيب للعبد دعاءه في وقته، وفي مكانه، وزمانه الذي يختاره الحكيم جل جلاله، لا في الوقت الذي نختار، قد ربما إنسان في مرض ما ينادي ويتضرع ويدعو ويلجأ إلى الله ومع هذا لا يرى شيئًا من نتيجة لكن النتيجة عند الله هو الذي يقدر الوقت الذي يجيبك، وهو يقدر المكان الذي يجيبك فيه، وهو يقدر كل شيء تبارك وتعالى، فلا نتدخل في إرادته، ولا في حكمته، ولا في أمره، ولا في قضائه بل نحن نسلم لأمره جل وعلا…
- إن المرأة المسكينة التي تحمل جنينها لتسعة أشهر من أول ليلة إلى آخر ليلة تعاني وهي تقاسي وهي تتألم كل هذه الأشهر ثم يكون الألم الأعظم والألم الأكبر الذي ينزل عليها كالموت بل تنتظر الموت، حتى من شدة ما تقاسي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم شهيدة إن ماتت بسبب وضعها لحملها فعند مجيء الفرج يأتي شديد الألم وتأتي الجراحات وتأتي المأساة لأنها تخرج طفلاً للدنيا ليزيد شيئًا عن الدنيا من فكرة من أمل من عمل من مال من طاعة من عبادة فبزغ الفجر بخروج ذلك الفجر، بخروج ذلك الطفل الصغير، وانتهت الآلام، وتولت، وإن بقيت شيء من آلامها فدماء لا غير يسيرة لأيام ثم تنقطع فكذلك هي آثار الحروب لابد منها وآثار الألم وخروج الجنين لابد منه فإذا كان هذا ألم لأجل طفل واحد خرج للدنيا فكيف وهي أمة أخرجتها غزة من موت محقق، ومن مرض مجهد، ومن ألم دائم، ومن تخدير كبير، ومن إرادة لإسحاقها وإسكاتها إلى أمة تقاوم الدنيا، وأمم الأرض أجمعين، أعادت فينا روح الجهاد والاستبال في جذورها، وأعادت قضية فلسطين إلى أعماقها…
- أين قضية فلسطين قبل معركة طوفان الأقصى المجيدة التي تدخل التاريخ كأعظم معركة خاضها المسلمون في القرن الأخير على الإطلاق، أين قضية فلسطين قبل ذلك أكان المسلمون يتحركون من أجلها، أكانوا يتحدثون عنها، أكانوا يعرفون عمالات الداخل والخارج، أكانوا يدينون تلك الاجتماعات التي تدور من تحت الطاولة وفي الأروقة المغلقة ومع هذا لا يسمعها أحد، واجتماعات كبيرة تديرها واشنطن وتديرها روسيا وتديرها هذه وتلك لأجل ما يسمونه بأمن إسرائيل وتمكينها في المنطقة، وضمان التطبيع، وتكون كأي دولة عربية لا فرق بين مسلم في أرضه ويهودي محتل غاصب قاتل مجرم سفاح… لكن جاء طوفان الأقصى فطاف على الكل جميعًا بدون استثناء وأخرج من الأمة ذلك المولود للدنيا الجهاد، والنخوة، وفلسطين، والأقصى، وإخراج الاحتلال من أرضنا، وتمريغ أوهام الجيش الذي لا يقهر، والموساد الأقوى، والدولة العظمى، والنفاق العالمي الظالم، والعملاء الخونة…
- أين غزة قبل سبعة عشر عامًا وهي محاصرة، وهي مظلومة، وهي مقتولة، وهي مأسورة، وهي مدانة، وهي إرهابية، أين كان العالم قبل طوفان الأقصى، أين كانت تلك الكلمات المدوية على أنه الجيش الذي لا يقهر في الدنيا هو جيش الاحتلال، أين كانت تلك الكلمات الرنانة على أن الموساد الاسرائيلي هو أقوى على وجه الارض، أين كانت تلك البطولات التي تصنع، أين كانت تلك الأراجيف التي تحكى، أين كان ذلك بكله، لقد انتهت في يوم واحد بل في بضع دقائق قال أحد قادة المقاومة لو علمنا على أن العدو سينهار أمام اعيننا هكذا لأعددنا جيشًا أكبر منه، ووالله ما أشرقت شمس السابع من أكتوبر إلا ونحن في الأقصى لكن ما كانوا يظنون على أن الأمر كذلك لكنها حكمة الله البالغة ولله الحجة البالغة {فَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فيهِ خَيرًا كَثيرًا﴾…
- شهداؤنا في الجنة ينعمون وأولئك في النار يعذبون، وفي الدنيا يتألمون، وفي يوم من أيام سيخرجون من أرضنا أذلة صاغرين، أين المستعمرون؟ اين بريطانيا في ليبيا؟ أين فرنسا في الجزائر؟ أين بريطانيا في اليمن، أين بريطانيا في مصر، أين الاستعمار من كل الدنيا؟ لقد رحل وانتهى بما فيه ونحتفل في الثلاثين من نوفمبر بخروج آخر بريطاني من على أراضي اليمن، وهكذا ستحتفل الدنيا وتدوي الأرض بخروج آخر مستعمر لأرضنا، ولقدسنا، ولمقدساتنا، ولمسرى نبينا…
- فى يوم من الأيام سنهزمهم جميعًا {إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ...﴾، في يوم من الأيام سنأتي ونقطع التذاكر للذهاب إلى بيت المقدس لنصلي، في يوم من الأيام سنعتكف هناك، سنزاحم على الصف الأول، سنؤذن فيه، سنختطب، سنرفع راية المقاومة على قبة الصخرة، سنكرم قادة المقاومة على منبر الأقصى، سنحتفل بالنصر في باحات المسجد الأقصى، سنداوي الدنيا، سنعيد كرامتنا، سننهي مأساة إخواننا، سنزيل الذل من على أمتنا، سنتأثر لشهدائنا، سنخرج أسرانا، في يوم من الأيام سيأتي النصر لكن عندما يريد الله تبارك وتعالى وله الأمر وله الحجة البالغة وله القضاء الذي لا يرد، ووالله لو أن الله فتح لنا باب قضائه وقدره لما اخترنا إلا اختياره ولما أردنا إلا ما أراد جل جله لكننا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لكنكم قوم تستعجلون، أقول قولي هذا وأستغفر الله…
الــخـــطــبة الثانــــية: ↶
ـ الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾…
- أيها الإخوة مفهوم لابد أن نصححه، لا بد أن نستبدله بغيره، أن انتقام الظالم ليس بالضرورة أن تكون عاجلة، وليس بالضرورة أن تكون لحظية، ولو كان الأمر كذلك لانتهى ذلك الاختبار والابتلاء للمؤمنين، ولظهر لنا ما يسميهم العلماء بعباد النتائج، انا اعبده لأنه ينصر المؤمنين، وليس لأني على الحق، الحق ليس بالضرورة أن يكون له النصر وله الغلبة دائمًا وابدا، اذا كان كذلك فقد انهزم الصحابة في يوم أحد وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حنين أيضا، وأتاهم جيش في الأحزاب، وكانت غطفان وغيرهم يعدون لهم العدة، وقُتل سبعون منهم في بئر معونة، فالنصر ليس بالضرورة أن يكون عاجلاً، والانتقام ليس بالضرورة أن يكون لحظيا، والزلزلة التي تأتي للكافر والمعربد والمجرم قادمة، لكت ليس بالضرورة أن تكون الآن واللحظة فهذا فرعون مكث سنوات طويل، .ثم جاءت النقمة من رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا أبو جهل، وهذا أبو لهب، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط… وهؤلاء جميعًا انتهوا وبادوا وذهبوا، بل أين النمرود، وأين عاد وثمود، وأين أولئك جميعا لقد انتهى أمرهم في يوم واحد، وفي لحظة واحدة بإرادة الله تبارك وتعالى وإن مكثوا ما مكثوا، هذا نوح عليه السلام تعمر ألف سنة إلا خمسين عاما ﴿قالَ رَبِّ إِنّي دَعَوتُ قَومي لَيلًا وَنَهارًا فَلَم يَزِدهُم دُعائي إِلّا فِرارًا وَإِنّي كُلَّما دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلوا أَصابِعَهُم في آذانِهِم وَاستَغشَوا ثِيابَهُم وَأَصَرّوا وَاستَكبَرُوا استِكبارًا ثُمَّ إِنّي أَعلَنتُ لَهُم وَأَسرَرتُ لَهُم إِسرارًا﴾ ثم جاء الفرج من رب العالمين سبحانه وتعالى، واتى الطوفان أولئك الكفار ويخرج المؤمنين الأبرار، فكذلك النصر قد يتأخر وليس بالضرورة أن يأتي النصر حتى في الدنيا فهؤلاء هؤلاء أصحاب الأخدود احرقوا وانتهوا وأبيدوا بل قائدهم وإمامهم ورئيسهم وزعيمهم هو الذي علّم ذلك الكافر عن كيف يقتله؟ أين يدخل سهمه فيه إنه يعلم ان النتيجة هي قول الله في سورة البروج: {ذلك الفوز الكبير}، الفوز الكبير ليس في الدنيا، الفوز الكبير في الجنة، والانتقام الأعظم في الآخرة، أولئك نزفهم شهداء، وقنابلهم هدايا، وطلقاتهم وكل شيء فيهم نعدها هدايا ربانية لأولئك الشهداء وان كنا نرى على أنهم مظلومون لكنهم عند الله أحياء: ﴿وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمواتًا بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يَلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم أَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ يَستَبشِرونَ بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُؤمِنينَ﴾.
- فاأيها الإخوة يجب أن نصحح هذا المفهوم فهناك في الآخرة يكون الجزاء الأكبر ويكون العقاب الأعظم ايضا، وليس بالضرورة في الدنيا وفقط، فإذا لم نر للظالم عقابًا عاجلا فسيكون آجلا، إن لم نره نحن ستراه الأجيال القادمة، فضلا عن أن عقابه في الآخرة أكبر وأشد: ﴿وَلا تَحسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ مُهطِعينَ مُقنِعي رُءوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ﴾، وما يؤخره تبارك وتعالى الا لحكمة يريدها: ﴿وَما نُؤَخِّرُهُ إِلّا لِأَجَلٍ مَعدودٍ﴾، ﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًا وَأَكيدُ كَيدًا فَمَهِّلِ الكافِرينَ أَمهِلهُم رُوَيدًا﴾، صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾.
┈┉┅ ━━❁ ❃ ❁━━ ┅┉┈
❁- روابط لمتابعة الشيخ على منصات التواصل الاجتماعي:
*❈- الحساب الخاص فيسبوك:*
https://www.facebook.com/Alsoty1
*❈- القناة يوتيوب:*
https://www.youtube.com//Alsoty1
*❈- حساب تويتر:*
https://mobile.twitter.com/Alsoty1
*❈- المدونة الشخصية:*
https://Alsoty1.blogspot.com/
*❈- حساب انستقرام:*
https://www.instagram.com/alsoty1
*❈- حساب سناب شات:*
https://www.snapchat.com/add/alsoty1
*❈- حساب تيك توك:*
http://tiktok.com/@Alsoty1
*❈- إيميل:*
[email protected]
*❈- قناة الفتاوى تليجرام:*
http://t.me/ALSoty1438AbdullahRafik
*❈- رقم وتساب:*
https://wsend.co/967967714256199
https://wa.me/967714256199
*❈- الصفحة العامة فيسبوك:*
https://www.facebook.com/Alsoty2
*❈- الموقع الإلكتروني:*
https://www.alsoty1.org/
*❈- رابط كل كتب الشيخ في مكتبة نور:*
https://www.noor-book.com/u/عبدالله-رفيق-السوطي-العمراني-اليمني/books
*❈- رابط قناة الشيخ على وتساب:*
https://whatsapp.com/channel/0029Va8n0MlAojYrNgT80m2A