الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 88 الافتتاحية: • وليمحِّص الله الذين آمنوا إن مغفرة ...
منذ 2025-05-20
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 88
الافتتاحية:
• وليمحِّص الله الذين آمنوا
إن مغفرة الله ذنوب عباده من أسباب نصرهم الإلهي في الدنيا، وفوزهم في الآخرة، ولذلك دلّ الله -سبحانه- عباده على الحرص على هذا السبب عند التقاء الصفوف مع الأعداء، كما في قوله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147].
ومغفرة الذنوب لها أسباب كثيرة ولله الحمد، منها التوبة والإنابة إلى الله تعالى، ومنها استغفاره سبحانه، ومنها فعل الطاعات، ومنها الصبر عند الابتلاءات، ومنها ما يمنّ الله به على من يشاء من عباده من مغفرة، دون توبة منهم أو استغفار.
وأكثرها مهيَّأة للعبد في طريق الجهاد، وعلى رأسها، قيامه بعبادة الجهاد التي هي ذروة سنام الإسلام، وصبره على الابتلاءات التي يمحو الله بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات، فطريق الجهاد كله طريق لمحو ذنوب الموحِّدين مهما كثرت، وتكفير لخطاياهم مهما كبرت، قال تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 11 - 13].
وإذا كان ما يصيب المسلم من أنواع الابتلاءات يكفِّر الله به خطاياه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه) [متفق عليه]، فكيف بالمسلم المجاهد؟
فما تمر طائرة من فوق رأس المجاهد، وهو يخشى أن تلقي عليه قنابلها، إلا كان كفارة لذنوبه، وما تقع بجانبه قذيفة فيخيفه صوتها، ويؤذيه غبارها، ويصيبه من ريح بارودها، إلا كان كفارة لذنوبه، وما يصيبه من حزن على ما ينال إخوانه المجاهدين، أو سائر المسلمين، من الحرب وآثارها، إلا كان كفارة لذنوبه، فضلا عما يصيبه هو من الجراح والأذى في سبيل الله.
ولا يزال المجاهد في سبيل الله -تعالى- متعرضا لنفحات رحمة الله ومغفرته، بقيامه بأمر الله تعالى، وصبره على الطريق وما فيه، فينقِّيه الله بذلك من الخطايا والآثام، حتى يكون أهلا لنيل إحدى الحسنيين، شهادةٍ في سبيله سبحانه، يتوفاه بها مغفورا له ذنبه، ما عليه يوم القيامة من حساب ولا عقاب، أو نصرٍ يمنّ الله به على المؤمنين الصابرين، كما قال تعالى: {إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 140 - 142]، وقوله: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، أي: ليكفِّر عنهم خطاياهم بما يصيبهم.
فتمحيص الذين آمنوا من ذنوبهم هو ثمرة من ثمرات الجهاد في سبيل الله، وثمرة من ثمرات الابتلاءات التي تصاحبه، ولذلك كان أمر المجاهد كلُّه خيرا له، فإن أصابه الفتح، وكُتب له النصر، نال ما نال من أجر وغنيمة، وإن أصابته جراحات وأذى، كان ذلك كفارة له من ذنوبه، وإعظاما له في أجره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجَّلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم) [رواه مسلم].
وبعد، فلا يركننَّ مجاهد إلى هذا الأمر، رغم فرحه به، وليستعن بالله، مجتهدا في الطاعات، مجتنبا للمعاصي الموبقات، وليستغفر الله -تعالى- من كل ذنب يصيبه، ومن كل خطيئة يقع فيها، وليسأله دوما أن يغفر له ذنبه، وأن يثبت أقدامه، وأن ينصره على القوم الكافرين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
للمزيد من المواد.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
الافتتاحية:
• وليمحِّص الله الذين آمنوا
إن مغفرة الله ذنوب عباده من أسباب نصرهم الإلهي في الدنيا، وفوزهم في الآخرة، ولذلك دلّ الله -سبحانه- عباده على الحرص على هذا السبب عند التقاء الصفوف مع الأعداء، كما في قوله: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 147].
ومغفرة الذنوب لها أسباب كثيرة ولله الحمد، منها التوبة والإنابة إلى الله تعالى، ومنها استغفاره سبحانه، ومنها فعل الطاعات، ومنها الصبر عند الابتلاءات، ومنها ما يمنّ الله به على من يشاء من عباده من مغفرة، دون توبة منهم أو استغفار.
وأكثرها مهيَّأة للعبد في طريق الجهاد، وعلى رأسها، قيامه بعبادة الجهاد التي هي ذروة سنام الإسلام، وصبره على الابتلاءات التي يمحو الله بها الخطايا، ويرفع بها الدرجات، فطريق الجهاد كله طريق لمحو ذنوب الموحِّدين مهما كثرت، وتكفير لخطاياهم مهما كبرت، قال تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 11 - 13].
وإذا كان ما يصيب المسلم من أنواع الابتلاءات يكفِّر الله به خطاياه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه) [متفق عليه]، فكيف بالمسلم المجاهد؟
فما تمر طائرة من فوق رأس المجاهد، وهو يخشى أن تلقي عليه قنابلها، إلا كان كفارة لذنوبه، وما تقع بجانبه قذيفة فيخيفه صوتها، ويؤذيه غبارها، ويصيبه من ريح بارودها، إلا كان كفارة لذنوبه، وما يصيبه من حزن على ما ينال إخوانه المجاهدين، أو سائر المسلمين، من الحرب وآثارها، إلا كان كفارة لذنوبه، فضلا عما يصيبه هو من الجراح والأذى في سبيل الله.
ولا يزال المجاهد في سبيل الله -تعالى- متعرضا لنفحات رحمة الله ومغفرته، بقيامه بأمر الله تعالى، وصبره على الطريق وما فيه، فينقِّيه الله بذلك من الخطايا والآثام، حتى يكون أهلا لنيل إحدى الحسنيين، شهادةٍ في سبيله سبحانه، يتوفاه بها مغفورا له ذنبه، ما عليه يوم القيامة من حساب ولا عقاب، أو نصرٍ يمنّ الله به على المؤمنين الصابرين، كما قال تعالى: {إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 140 - 142]، وقوله: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}، أي: ليكفِّر عنهم خطاياهم بما يصيبهم.
فتمحيص الذين آمنوا من ذنوبهم هو ثمرة من ثمرات الجهاد في سبيل الله، وثمرة من ثمرات الابتلاءات التي تصاحبه، ولذلك كان أمر المجاهد كلُّه خيرا له، فإن أصابه الفتح، وكُتب له النصر، نال ما نال من أجر وغنيمة، وإن أصابته جراحات وأذى، كان ذلك كفارة له من ذنوبه، وإعظاما له في أجره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجَّلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم) [رواه مسلم].
وبعد، فلا يركننَّ مجاهد إلى هذا الأمر، رغم فرحه به، وليستعن بالله، مجتهدا في الطاعات، مجتنبا للمعاصي الموبقات، وليستغفر الله -تعالى- من كل ذنب يصيبه، ومن كل خطيئة يقع فيها، وليسأله دوما أن يغفر له ذنبه، وأن يثبت أقدامه، وأن ينصره على القوم الكافرين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
للمزيد من المواد.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR